الأزمة السورية وخطر الكتائب الإسلامية (خليل علي حيَّدر)

 

خليل علي حيَّدر

 

هل درس الإسلاميون السوريون الحاليون جيداً تجارب الإخوان؟ هل هم يتابعون اليوم مشاكل الإسلاميين في مصر وتونس وليبيا؟ وهل الإسلاميون بصدد بناء دولة سورية حديثة غير ديكتاتورية تساهم فيها كل الطوائف والأحزاب، أم أنهم لا يزالون يجرون خلف سراب ما يعتبرونه «النظام الإسلامي الصحيح»، و«دولة الخلافة»؟
هل سوريا التي يريدها عقلاؤها وأهل الخبرة السياسية ومثقفوها ونريدها جميعاً، هي ما يجاهد الإسلاميون في سبيله، أم أنهم، كما يصرح «أبو الشيشان»، وتحلم «جماعة النصرة»، يريدون إقامة سوريا متزمتة متأزمة، في صراع طائفي دائم مع الشيعة في العراق وإيران، ومع العلويين في تركيا ومع المسيحيين في لبنان وفي كل مكان؟!
كما في بيان 1980، صدر في يناير 2013 «ميثاق الجبهة الإسلامية السورية الموحدة»، حيث أعلنت إحدى عشرة كتيبة وجماعة وحركة سورية مقاتلة في أنحاء سوريا ومعارضة للنظام، عن تشكيل هذه الجبهة، «بهدف إسقاط النظام وبناء مجتمع إسلامي حضاري يحكم بشرع الله».
وشدد الميثاق على أن الإسلام «هو دين الدولة والمصدر الرئيس والوحيد للتشريع، وبالتالي، فإن الجبهة ستعمل بالأساليب الشرعية كافة على أن لا يكون في البلاد أي قانون يخالف الثوابت المعتمدة في الشريعة الإسلامية).
وتبدو إنشائية وتناقضات بيان الجبهة واضحة، فهو يؤكد على وجوب التعايش بين أبناء الوطن الواحد «مهما اختلفت مشاربهم أو تباينت عقائدهم». ومن جانب آخر ينص البيان على أن الجبهة «تنطلق في معتقداتها من منهج أهل السنة والجماعة، المبني على فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين».
ومثل هذه المرجعية الدينية السلفية الطائفية الواضحة، والتي لا تشير إلى أي فهم دستوري للدولة الحديثة، ولا إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تحمل المخاطر إلى وحدة الشعب السوري وخبرته التاريخية وتجربته السياسية الرفيعة. كما أنها تفتح للأسف، المجال من جديد لتكفير العلويين وتبديع وتفسيق الشيعة وكراهية الدروز ومعاداة النصارى، ولا نعلم شيئاً الآن عن مصير العلمانيين من أهل السُنة وحقوق المرأة السورية!
ولم تجد «جبهة النصرة»، حليفة «القاعدة» كما يشاع عنها، كفايتها في التشدد الذي تضمنه الميثاق، فرفضت الانضمام إليها، «مكتفية بالتنسيق معها ميدانياً، بالإضافة إلى إنشاء الطرفين محكمة شرعية مشتركة تحمل اسم محكمة الهيئة الشرعية في مدينة حلب. أما الكيانات المنضوية تحت كنف الجبهة فهي: كتائب أحرار الشام، كتائب الإيمان المقاتلة، كتائب حمزة بن عبدالمطلب، كتيبة صقور الإسلام، سرايا المهام الخاصة، حركة الفجر الإسلامية، كتيبة مصعب بن عمير، جماعة الطليعة الإسلامية، كتائب أنصار الشام، جيش التوحيد».
ما حجم الجماعات الإسلامية في القتال السوري، وما دورها؟ يقال إن الإسلاميين بالآلاف، كما أن معظم المقاتلين يُعدون قريبين منهم، ويتميزون عنهم باعتدالهم مقارنة بعناصر «جبهة النصرة». في سوريا اليوم، يقول الكاتب نذير رضا، «أكثر من خمس جبهات مقاتلة تضم ألوية وكتائب ثائرة يتخطى عديدها المائة ألف مقاتل، وتتشكل من مقاتلين إسلاميين معتدلين وآخرين انشقوا عن الجيش النظامي، وما زالوا يعتنقون الهوية العلمانية في سلوكهم. من هذه التشكيلات «جبهة تحرير سوريا» التي تضم عدداً كبيراً من الألوية، وفيها عدد كبير من الإسلاميين المتعدلين، كما أن هناك تجمع «شهداء وألوية سوريا» في جبل الزاوية. واللافت أن تلك التجمعات تعمل تحت مظلة الجيش الحر، وتتمثل في قيادة أركان الجيش الحر».
المخاوف المحلية والدولية من مآل الثورة تؤكدها تصريحات الإسلاميين وتهديداتهم. وقد نقلت وكالات الأنباء عن مقاتلين من خارج سوريا في حلب من جنسيات مختلفة قولهم «إنهم يقاتلون من أجل إقامة دولة إسلامية في سوريا، سواء رضي المقاتلون المعارضون السوريون الذين يسعون للإطاحة بالرئيس بشار الأسد بذلك أم أبوا».
وأضافت الوكالة إن هؤلاء «أثاروا في الوقت نفسه مخاوف من أنهم قد ينقلبون على حلفائهم السابقين إذا سقط الأسد، لمواصلة كفاحهم من أجل إقامة خلافة إسلامية». ونقلت عن أحد المقاتلين قوله «إن سوريا ستكون إسلامية ودولة قائمة على الشريعة، ولن نقبل بغير ذلك. الديمقراطية والعلمانية مرفوضتان كلية».
بعض المقربين من الإسلاميين، كالشيخ «بلال دقماق»، رئيس «جمعية اقرأ» يخفف من مخاطر هيمنة المتشددين، ولكنه لا ينفي مطامح «المعتدلين»! والفرق في تجارب العرب والمسلمين مع الجماعات الإسلامية، بين «المتشددين» و«المعتدلين»، هو في الغالب الاختيار بين الخنق… والشنق!
ويحاول بعض الإسلاميين التشكيك في المخاوف المثارة ضد التشدد الإسلامي وجماعاته في الأوساط الدولية والأميركية بالذات. ويرى هؤلاء أن مثل هذه المخاوف «تنبع من خوف الغرب من حكومة إسلامية قد تنشأ بعد رحيل الأسد، لأنها ستكون العدو الأول لإسرائيل»، كما يقول الشيخ «دقماق» نفسه. غير أن تجربة السنة والشيعة أثبتت على مدى سنين ممتدة أن أول ضحايا «الحكومة الإسلامية».. هم المسلمون! فبلادهم ستتخلف، وحرياتهم ستختفي، ومشاكلهم ستتفاقم، وعملتهم ستفقد قيمتها، وعزلتهم عن الدين والدنيا ستسود! ومن أين لدولة مثل «سوريا الإسلامية»، التي ستخاصمها إيران الإسلامية والعراق الإسلامية وتركيا الإسلامية، سوريا الإسلامية التي تكون قد خرجت للتو من ديكتاتورية امتدت عقوداً، وحرب أهلية طاحنة، وانقسامات لا حصر لها، وجيش لن يسلحه الأميركان أو الروس أو الأوروبيون، أنِّى لسوريا كهذه… أن تكون نداً لإسرائيل ومن هم وراء إسرائيل!
فكفوا يا أخوتنا الإسلاميين عن مثل هذه التحليلات والمبالغات، التي تحاول إقناع السوريين والعرب والمسلمين بأي نظام إسلامي متطرف، لمجرد أنه مخيف للغرب ومصالحه، والدفاع عن أي جماعة إسلامية إرهابية، لمجرد أنها «تعادي إسرائيل» أو تحارب أعوان أو مصالح أميركا!
يقول المراقبون إن ثقل المقاتلين الإسلاميين موجود في شمال سوريا، وتلفت المصادر المقربة إلى أن مدينة حلب تعد معقل الكتائب الإسلامية المقاتلة، حيث تتوزع فيها عناصر لكتيبة الفاروق ولواء التوحيد الذي نجح في السيطرة على قسم كبير من مدينة «حلب». وفي المدينة نفسها و«إدلب» جماعات أخرى مثل جماعة «الطليعة الإسلامية» و«كتائب أنصار الشام». وتنشط في كافة المحافظات «الجبهة الإسلامية السورية»، و«جماعة لواء الحق» في حمص وأنصار الشام في اللاذقية، وجيش التوحيد في دير الزور. ومن أبرز التشكيلات الإسلامية في دمشق وريفها «لواء البراء» الذي تبنى عملية اختطاف الزوار الإيرانيين، و«لواء التوحيد»، و«لواء الصحابة». وفي العاصمة كتائب أخرى مثل كتائب الإيمان المقاتلة وغرباء الشام وسرايا المهام الخاصة وكتائب أم المؤمنين، إلى جانب «جبهة النُّصرة» التي تعتبر أكثر التشكيلات استقطاباً للمقاتلين، وتوجد في مختلف أنحاء سوريا.
ثمة رابطة متشددة تربط هذه الجماعات فيما يبدو من أسمائها… وإذا نجح النظام في ضرب «جبهة النصرة» بـ«حزب الله» اللبناني، أو إشعال حرب طائفية بين هذه الجماعات والمقاتلين الشيعة في العراق… فاقرأ على العراق وسوريا ولبنان السلام!

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى