الأزمة السورية وواقع عالمي جديد (سيرغي بتروفيتش)
سيرغي بتروفيتش
لم يخطئ المحللون والمراقبون الذين تنبأوا بأن الأزمة في سوريا سيكون لها تأثير كبير على موازين القوى على الساحة الدولية. فقد ظهرت تغييرات كثيرة على الساحة مع تطورات هذه الأزمة لم يكن يتوقعها الكثيرون، فقد تقاربت المواقف الروسية- الأمريكية بسكل كبير في هذه الأزمة ابتداء من اتفاق البلدين على عقد مؤتمر جنيف2 للتسوية السياسية للأزمة، ومروراً بالمبادرة الروسية لوقف تصعيد الأحداث حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، ووصولاً إلى اتفاق الدول الكبرى مع إيران حول برنامجها النووي، والذي فتح الباب لحلحلة هذه الأزمة في توقيت مثير للدهشة حيث تقف إيران بكل قوتها وطاقتها بجانب نظام الرئيس الأسد في سورية.
ومن التطورات والتغيرات اللافتة للنظر على الساحة في إطار الأزمة السورية التوجه الروسي نحو العرب والتوجه العربي نحو روسيا، فبينما شهد العام الأول للأزمة السورية غضباً عارماً في البلدان العربية تجاه روسيا بسبب موقفها في سورية، والذي لم يقتصر على المستوى الشعبي وحرق أعلام روسيا والصين في شوارع بعض المدن العربية. بل وصل إلى المستوى الرسمي والدولي متمثلاً في تراشق الاتهامات، حيث وجه أكثر من مسؤول عربي اتهامات مباشرة لموسكو بدعم نظام الأسد ووصل الأمر إلى التراشق بالألفاظ بين مندوبي روسيا وبعض الدول العربية في ساحات الأمم المتحدة، وطالبت بعض العواصم العربية من موسكو تغيير موقفها الذي أعلنت أنه ليس دعما للرئيس الأسد بل من أجل سورية كدولة ومن أجل وحدة أراضيها ومستقبل شعبها. الآن تتغير المواقف بين روسيا والعرب بشكل كبير، خاصة بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر والموقف الأمريكي السلبي تجاه النظام الجديد في القاهرة الذي أسقط الإخوان، ثم رد فعل المصريين على الموقف الأمريكي باستدعاء شعبي ورسمي لروسيا، ومبادرة موسكو بالاستجابة لهذا الاستدعاء، وفي الوقت الذي انتقدت فيه بعض دول الخليج الموقف الروسي في سوريا نجد هذه الدول نفسها تدعم التقارب الروسي- المصري بشكل واضح، ونرى هذه الدول الخليجية نفسها تذهب لتوجه انتقاداتها لواشنطن على موقفها المتقاعس في سوريا.
المملكة العربية السعودية التي تصدرت الساحة مؤخراً في الأزمة السورية بعد تصعيد أزمة استخدام السلاح الكيميائي هناك، سبق أن وجهت انتقادات مباشرة وحادة لموسكو على موقفها في سوريا، ووقف وزير خارجيتها سعود الفيصل في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع نظيره الأمريكي جون كيري يقول: " إن سوريا تعتبر دولة محتلة وتواجه غزواً خارجياً مدعوماً بالسلاح الروسي، وهو الأمر المنافي للقوانين والأعراف الدولية وشعبها يواجه إبادة جماعية". وطالب الفيصل بوقفة حازمة ضد نظام بشار وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي حيال ما تقدمه روسيا من تسليح علني للنظام السوري.
موسكو لم تتعامل مع الموقف السعودي بحدة ولم تبدي استياءها من تصريحات الفيصل، ذلك أنه رغم التصريحات الحادة إلا أن هناك جسوراً قوية ومتينة في العلاقات بين روسيا والمملكة السعودية، والاتصالات بين الرئيس بوتين والعاهل السعودي الملك عبد الله لا تنقطع، بل ما زالت متواصلة حتى بعد تصريحات الفيصل والتعاون بين موسكو والرياض مستمر في كافة المجالات وعلى أعلى مستوى، والدليل على ذلك الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي ورئيس الاستخبارات العامة الأمير بندر بن سلطان إلى موسكو في الثالث من ديسمبر الجاري، ولقاؤه الخاص والمغلق مع الرئيس بوتين. علماً بأن هذه ثاني زيارة يقوم بها الأمير بندر لروسيا في غضون أربعة أشهر. ومن المتغيرات الغريبة والمثيرة للتساؤلات التطور الأخير في العلاقات بين روسيا وقطر، وعودة تبادل السفراء بينهما بعد أكثر من عامين من الخلافات والمشاحنات بين البلدين بسبب الأزمة في سوريا. وعلى جانب آخر تبدو آفاق تغييرات واضحة في الموقف التركي عكستها الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان لموسكو منذ أيام، والتي تبعتها أنقرة بتصريحات مؤيدة تماماً للمساعي السياسية لحل الأزمة السورية.
يبدو بوضوح أن هناك واقعاً جديداً على الساحة الدولية والإقليمية قد يكون للأزمة في سوريا دور فيه وقد تكون هناك عوامل أخرى. هذا الواقع يكشف عن تغييرات في موازين القوى العالمية، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب بل في العالم كله. ويبدو أن روسيا سيكون لها دور بارز في هذا الواقع الجديد، وربما تعكس أزمة أوكرانيا الأخيرة مع الأوروبيين ورفضها لاتفاق الشراكة معهم، وعودتها لجارتها الأم روسيا، أبعاداً كثيرة في تغييرات موازين القوى العالمية.