الأشقّاء في الخليج يستقبِلون بومبيو بالسجّاد الأحمر وكوشنر بالمِليارات

 

عاصِمتان يزورهما المَسؤولون الأمريكيّون الكِبار مُتسلّلين مِثل القِطط، ودُون إعلانٍ مُسبق، الأُولى بغداد، والثّانية كابول، والقاسِم المُشترك بينهما أنّهما تعرّضا لحرب وغزو واحتِلال أمريكيين، ومن المُفترض أن يكونا الأكثر أمانًا في العالم، لأنّ هذا التدخّل الأمريكيّ كان عُنوانه الأمن وتحقيق الاستقرار، وإقامة الدولة النموذجيّة والحُكم الرّشيد.

اليَوم أكّد مُتحدّث باسم شمال الأطلسي “النّاتو” ما أعلنته حركة طالبان عن مقتل جُنديين أمريكيين في كمينٍ نصبته قوّات الحركة في إقليم وارداك، القريب من العاصمة، ليرتفع عدد القتلى من الجُنود الأمريكيين إلى تسعة مُنذ بداية العام، لكن من المُتوقّع أن يتزايد هذا العدد بشكلٍ مُتسارعٍ في ظِل التوتّر الحاليّ بين إيران والولايات المتحدة بسبب العلاقات التحالفيّة القويّة بين إيران وحركة طالبان التي تقود حربًا لهزيمة القوّات الأمريكيّة وحُلفائها، وإخراجها من أفغانستان، وسنشرح ذلك لاحقًا.

الولايات المتحدة خسِرت الحرب في أفغانستان مثلما خسِرت نظيرتها في العِراق، ولكنّها لم تجد مخرجًا يُنقذ ماء وجهها ويُقلّص الخسائر، وطبيعة الهزيمة مثلَما يحدث في أفغانستان رغم مُحاولات دونالد ترامب اليائِسة، لأنّ الحُكومة الأفغانيّة التي نصَبتها كبديل لحركة طالبان بعد غزو واحتلال عام 2001 لم تنجح في إحكام قبضتها على مُقدّرات البِلاد، وباتت لا تُسيطر إلا على رُبع الأراضي الأفغانيّة.

الإحصاءات الرسميّة تقول إنّ خسائر أمريكا البشريّة وصلت إلى 2300 قتيل مُنذ بداية الحرب، وتراجعت حدّة هذه الخسائر مُنذ عام 2014 عندما جرى إحداث تغيير في طبيعة مَهمّة القوّات الأمريكيّة التي يبلُغ تِعدادها 14 ألف جندي حاليًّا (كانت أكثر من مئة ألف عام 2001)، من الواجبات القتاليّة، أيّ الاشتِباك مع مُقاتلي طالبان، إلى الجُلوس في المِقعد الخلفيّ التدريبيّ والاستشاريّ لقوّات الأمن الأفغانيّة التّابعة لحُكومة كابول التي تولّت عِبء المُواجهات.

الولايات المتحدة وشُركاؤها في غزو أفغانستان أنفقوا ما يقرُب ترليون و70 مِليار في حرب أفغانستان من ضِمنها 60 مِليارًا على الأقل على تدريب القوّات الأفغانيّة وتسليحها، على مدى الـ17 عامًا الماضية، لكنّ مُعظم العناصر الأفغانيّة في هذه القوّات إمّا قُتِلوا، أو هربوا وانضمّوا إلى حركة طالبان، أو باعوا أسلحتهم لها بذريعةِ فُقدانهم لها أو سرقتها السيد أشرف غني، رئيس أفغانستان المُوالي لأمريكا، والذي خلف حامد كرزاي، أعلن في مُقابلةٍ صحافيّةٍ مقتل 45 ألفًا من قوّاته مُنذ تولّيه السّلطة عام 2014، ممّا يُؤكّد جُزئيًّا ما ذكرناه آنِفًا.

مقتل الجُنديين الأمريكيين تزامن مع وصول مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكيّ، في زيارةٍ سريّةٍ لكابول، ولعلّ حركة طالبان أرادت تقديم مقتلهما “هديّة” له بمُناسبة هذه الزيارة في رسالةِ تحذير قويّة نقول بأنّ القادم أعظم، وأنّ عليه أن لا يتوقّع أيّ تنازلات منها في الجولة الجديدة من مُفاوضات الدوحة التي ستَبدأ يوم 29 من هذا الشّهر.

حركة طالبان أثبتت ثلاثة أُمور أساسيّة يجب أن يتعلّم منها المُفاوضون العرب، أصحاب النّفس القصير الذين يُعانون من عُقدة الخوف من أمريكا وإسرائيل ومَسؤوليهما ومَبعوثيهما، ولا يتردّدون لحظةً في التّجاوب مع إملاءاتهم:

الأوّل: أنّها لم تتخلّ مُطلقًا عن استراتيجيّة المُقاومة في توازي مع الانخِراط في المُفاوضات في الوقت نفسه، ودون أيّ تخفيض للعمليّات الهُجوميّة.

الثاني: إصرارها على التّفاوض مع المُحتل الأمريكي بشكلٍ مُباشرٍ، وليس مع وُكلائه وعُملائه، أيّ الحُكومة الأفغانيّة.

الثالث: تمسّكها بكُل شُروطها التي فرضتها من اليوم الأوّل، أيّ الإصرار على الانسِحاب الأمريكيّ الكامل وغير المَشروط من جميع الأراضي الأفغانيّة، وتسليم السّلطة إلى الحركة التي أطاحت بها بغزوها للبِلاد، والتّنازل الوحيد الذي يُمكن أن تُقدّمه هو تأمين هذا الانسِحاب.

نتوقّع أن تزداد مواقف حركة طالبان تشدّدًا في الأيّام والأسابيع القادمة في ظِل تفاقم الأزَمَة الإيرانيّة الأمريكيّة في مِنطقة الخليج، لأنّ هُناك القِيادة الأمريكيّة ستكون في موقفِ ضعفٍ أوّلًا ولأنّ هُناك تنسيقًا في المجالات كافّة بينها وبين السّلطات الإيرانيّة بلَغ ذروته في الأعوام الأربعة الماضية.

هذا هو الفارق الكبير بين إيران وحُلفاء أمريكا العرب، فإيران استطاعت أن تكسب حركة طالبان إلى جانبها، وقدّمت لها المُساعدات الماليّة والعسكريّة ووضعت الخِلافات المذهبيّة جانبًا، والشّيء نفسه فعلته روسيا التي استضافت وفدًا طالبانيًّا في موسكو للمُشاركة في مُؤتمر للمُصالحة قبل بضعة أسابيع.

من المُفارقة أنّ إيران كانت تُعتبر العدو الأكبر في نظر الحركة الطالبانيّة “السنيّة” المُتشدّدة، وكذلك حال روسيا التي ورِثَت الاتّحاد السوفييتي الذي احتلّ أفغانستان وانخرَط في حربٍ ضِد الأخيرة والمُجاهدين الأفغان والعرب، باتا من أقرب حُلفاء حركة طالبان والدّاعمين، بشكلٍ مُباشرٍ أو غير مُباشر، لحربها ضِد الاحتلال الأمريكيّ، أمّا العرب فانتقل مُعظمهم من خانة الحُلفاء إلى خانة الأعداء لأنّهم وقفوا في الخندق الأمريكيّ وخسِروا كُل ما كسِبوه بدعمهم للجِهاد الأفغاني، الذي كلّفهم عشرات المِليارات والآلاف من الضّحايا المُجاهدين العرب.

إنّه الغباء الاستراتيجيّ العربيّ المُزمن الذي يتجلُى في كُل أزَمات المِنطقة ابتداءً من أفغانستان ومُرورًا بالعِراق، وانتهاءً في سورية، ونراه حاليًّا في أبشعِ صُوره مع تزايُد احتِمالات الحرب ضِد إيران… والأيّام بيننا.

 

 

صحيفة راي اليوم الالكترونية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى