خاص
شكلت ظاهرة الأطفال وهم يشكلون جمهورا متفاعلاً في مسرحية (نرجس) التي عرضت على مسرح القباني خلال الأيام الماضية، حالة مبشرة تتعلق بحماسة الطفل للمسرح، وخاصة عندما يشاهد عملاً ناجزاً وفق رؤية إخراجية مقبولة، وقد أجابني طفلان وهما يخرجان من المسرحية على سؤال يتعلق برأيهما بالمسرحية بعبارة مكثفة : (حلوة كتير) !
خرج الأطفال من العرض فرحين ، وتجمهروا حول الممثلين يلتقطون الصور التذكارية معهم، ويستعيدون العبارات التي أطلقها الممثلون على الخشبة، فيقوم الفنانون بتلقف هذا التفاعل برحابة صدر تليق بهذا العالم الخاص الذي يسمى مسرح الطفل.
لم يكن الأطفال وحدهم من أمتعتهم الحكاية، فقد كان الحوار مع المشاهدين الكبار مؤشراً آخر على أن العرض لم يكن عبئاً عليهم، وهم يرافقون أطفالهم، بل كان فسحة مسرحية للفرجة المشغول عليها برشاقة تمكنت أيضاً من إمتاعهم بغض النظر عن شريحتهم العمرية.
والمسرحية تجربة لافتة، جرى الشغل عليها باحترافية من قبل كاتبة النص المحامية فاتن ديركي التي قدمت نصاً جميلاً قادراً على الوصول بسلاسة إلى ذهنية الطفل المشاهد، رغم استخدام ثيمة (الصراع بين الخير والشر) وانتصار الخير في النهاية، وكان الاعتماد على قصة الحب بين الأمير ونرجس أداة ناجحة في دفع المسار إلى نهايته.
وفي الإخراج نجح المخرج عبد السلام بدوي في استخدام أدواته على النص المتقن، فأدخل الرقص التعبيري والغناء ضمن نسيج العرض دون إقحام ( قام الفنان محمد طرابلسي مدير فرقة ميرال بتصميم الرقصات)، وأدخل الشاشة في صدر المسرح لتشكيل البيئة التي يريدها من دون ديكور، وشكل تلوينا مدروسا في الملابس والإكسسوارات والماكياج والحركة ، فإذا العرض يستكمل شروطه رغم ضعف الامكانات التي بين يديه.
دارت فكرة المسرحية حول الصراع بين مفهومي الخير والشر، متمثلين بشخصيتين أنثويتين هما (نرجس) ــ أدت الدور رولا طهمازــ و(شوك) ــ أدت الدور لميس عباس ، لكن الصراع أخذ مجراه الدرامي من خلال حتوتة جاذبة تتعلق بضياع نرجس وبحثها عن أمها الملكة نورهان ــ أدت الدور ليلى بقدونس، وثم جرى يبدأ الجميع في البحث عن نرجس التي حاولت شوك تشويه صورتها، ففشلت ، وانحاز الأمير ــ أدى الدور فراس الفقير ــ إلى نرجس فاحبها، أي أن المسار الذي بنيت عليه التفاصيل والوقائع ، لم يهمل الدراما الجاذبة للطفل .
قدم الصراع نفسه عبر مهارات التمثيل والإخراج والرقص والغناء ، وهي مهارات متميزة في ظروف مسرح الطفل المعروفة في سورية ، فالساحر الشرير ــ أدى الدور وليد الدبس قدم الشخصية باتقان عال.
يُذكر أن المسرحية من تمثيل: ليلى بقدونس، رولا طهماز، لميس عباس، وليد الدبس، غسان الدبس، فراس الفقير، سليمان قطان، وسواء نجحت مهارات التمثيل في العرض بشكل كامل أو منقوص (نتيجة الخبرات القليلة عند البعض)، فإنها حملت جسد المسرحية وقدمته في وقت يحتاج فيه المسرح السوري إلى نبض يعيد إليه دوره التاريخي.