الأمل والشك يتنازعان أيام روحاني الـ 100 الأولى (رولا خلف وليونيل باربر ونجمة بزرجمير)

 

رولا خلف وليونيل باربر ونجمة بزرجمير من طهران


بدا الرئيس الإيراني سعيداً وهو يدلف مسرعاً إلى قاعة فسيحة موجودة في قصره المكسو بالرخام الوردي في طهران. دخل وهو يرتدي العباءة السوداء الخاصة برجال الدين وعمامة بيضاء، بأناقة لا تشوبها شائبة. الرئيس حسن روحاني، الوجه الجديد اللطيف للجمهورية الإسلامية، لديه أخبار مشجعة يود إطلاع زواره عليها.
قبل أيام قليلة فقط، لاحظ الإيرانيون علامات التعب على وجه الرئيس البالغ من العمر 65 عاماً، وبدا كما لو أنه تقدم في العمر سنوات عديدة أثناء أشهر قليلة. اختتم روحاني أول 100 يوم في منصبه وهو يشهد أول علامات التحسن في اقتصاد حطمته العقوبات وخربه سوء إدارة جسيم مارسته الإدارة السابقة تحت قيادة الرئيس الشعبوي محمود أحمدي نجاد.
كان أهم يوم من الأيام التي قضاها في منصبه هو اليوم الـ 99، عندما أعلن عن اتفاقية نووية مدتها ستة أشهر مع القوى العالمية، انطوت على أول تخفيف للتوتر مع الغرب منذ عقد. وسمحت الصفقة بتخفيف بسيط للعقوبات الدولية مقابل موافقة إيران على تعليق أغلب الأجزاء المتنازع عليها في برنامجها النووي.
وأخيراً بدأ روحاني، التكنوقراطي المجرب وحامل شهادة الدكتوراه من جامعة غلاسكو كاليدونيان، يتنفس الصُعداء. كما تنفست الصعداء معه أمة محاصرة يبلغ عددها 75 مليون نسمة عانت من قيادة استبدادية وعدوانية وضغوط جاءت بسبب شكوك غربية بأن طهران تتقدم بسرعة في برنامجها النووي وتهدف لإنتاج أسلحة نووية.
كان أكبر اكتشافات روحاني المزعجة بعد توليه منصبه هو اكتشافه أن خزانة الدولة فارغة. لكن الأمر الغريب هو أن إيران جنت 600 مليار دولار من إيرادات النفط في السنوات الثماني الأخيرة، وهو أكثر من مجموع ما جنته منذ اكتشاف النفط في البلاد قبل قرن. ومع ذلك كان الاقتصاد على شفير الهاوية.
بدأ الرئيس حديثه، قائلا: "ورثت هذه الحكومة مشاكل اقتصادية خطيرة. لكننا متفائلون جداً بمستقبل اقتصاد بلادنا، لقد خلقت الصفقة النووية جواً إيجابياً". كان الرئيس يتحدث وهو جالس تحت صورتين من صور الملالي الذين لهم تأثير كبير على الناس في إيران، وهما الخميني، قائد الثورة الإسلامية التي اندلعت في عام 1979، وعلي خامنئي القائد الأعلى الذي يرجع إليه روحاني.
ومنذ انتخاب روحاني في حزيران (يونيو) الماضي، بدأت مشاعر العالم في التغير تجاه إيران، كما تغير المزاج داخلها، وبدأ الرئيس يركز على الاقتصاد والاندماج مع العالم. وتحرك بسرعة لإعادة كثير من المحترفين المتقاعدين والدبلوماسيين من ذوي الخبرة، ممن قامت إدارة أحمدي نجاد السابقة بتطهير الدولة منهم أو تهميشهم.
ومع ذلك تظل نوايا روحاني تحت الاختبار ومراقبة من طهران وباقي العواصم العالمية. ولم يتم حتى الآن إصدار حكم على ما إذا كان هجومه الساحر محاولة من إيران لضمان تخفيف مؤقت من الضغط الدولي، أو أن ذلك إشارة لتغير استراتيجي في سلوك هذا النظام الإسلامي.

السؤال الذي يدور على كل شفة هو: هل مبادرة حسن روحاني حقيقية أم خيالية؟

حين تراه يبدو لك حسن روحاني أنه يتمتع بالجاذبية وحُسن المظهر، كما يبدو أنه يفهم عمق وحجم التغير اللازمين لإيران، لكنه حذر أيضاً من تقديم وعود تفوق قدرته على تنفيذها.
وهو قوي لا يلين عندما يتكلم عن الخطوط الحمراء الإيرانية أثناء مفاوضاته التي ستستأنف الآن لإيجاد حل دائم للبرنامج النووي. ويقول إن مطالب إسرائيل والكونجرس الأمريكي بتفكيك القدرات النووية لإيران ستُواجه برفض حازم وسريع، وهو عدم القبول "بنسبة 100 في المائة".
وعندما سُئل لماذا يمتلك حساباً على تويتر (وهو بالمناسبة حساب نشط جداً) في الوقت الذي أغلقت فيه إيران هذا الموقع مع كثير من المواقع الأخرى، تهرب من الإجابة بطريقة فكاهية، قائلا : "يمكنك عمل ذلك حتى الآن". قالها ومساعدوه الذين يملأون القاعة ينفجرون من الضحك، ثم تحول بعد ذلك للهجة أكثر جدية عندما قال إنها من المشاكل التي يُفترض أن يكون قادراً على حلها في وقت قريب.
وقال أحد المطلعين على النظام، ممن لديهم خبرة في الأمن والمؤسسات الدبلوماسية، إن روحاني رجل تكنوقراطي أكثر مما هو رجل دين. وهو لا يشير إلى الدين إلا لماماً ويقال إنه مُغرم بدراسة الجداول الإحصائية.
إنه ينتمي إلى الجناح الواقعي (البرجماتي) المحافظ الذي يعتبر الانخراط الدبلوماسي، وليس المجابهة، ضروريا لبقاء الجمهورية الإسلامية.
ومع ذلك يُمكن أن يكون بمثابة الرئيس العرضي. ويشك بعض الناس الذين يعرفونه أنه دخل انتخابات حزيران (يونيو) لرفع وضعه السياسي، وليس لأنه كان يعتقد أنه سيفوز بهذه الانتخابات.
لم يُصبح منافساً جاداً في سباق الرئاسة إلا بعد أن مُنع مُعلمه وحليفه صاحب النفوذ، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، من دخول السباق.
وصممت المعارضة الإصلاحية على استعادة الرئاسة التي حُرمت منها في عام 2009، وتحالفت مع رفسنجاني وألقت بثقلها وراء الإصلاحي الوسط، روحاني، في الأيام الأخيرة من الانتخابات، ليحقق الأخير فوزاً كاسحاً من أول جولة في الانتخابات.

قوة حماية أم اعتقال؟

وكان فوز روحاني غريباً للغاية، إلى درجة أن هناك قصة تتناقلها الألسن في طهران (على الرغم من أنه من غير المعروف إن كانت صحيحة أم خرافة). تقول القصة إنه في الثانية صباحاً من اليوم التالي للانتخابات، أحاط مئات من الحرس الثوري بمكان إقامة روحاني شمالي طهران، ثم خرج لملاقاتهم وهو غير متأكد من أن وجودهم كان لحمايته أم تمهيداً لإلقاء القبض عليه.
والنظام السياسي الإيراني الذي يعتبر إلى حد ما تسلطياً دينياً، وإلى حد ما أيضاً نظاماً ديمقراطياً، بحاجة إلى الانتخابات لكي يدعم شرعيته. ومع هذا يرى الإيرانيون الذين اكتشفوا فساد الانتخابات الرئاسية في عام 2009 أن المشاركة الديمقراطية المحدودة عملية غير مضمونة لتكون علامة على خيارات الناس.

ضغوط داخلية وخارجية

ويواجه روحاني عملية موازنة دقيقة للوفاء بتوقعات الإيرانيين الاجتماعية والاقتصادية من ناحية، والوفاء بمطالب العالم الخارجي من ناحية أخرى. وهو يعرف أن من واجبه السير في الداخل بحذر، فقد أشار أكثر من مرة، وبطريقة غير مباشرة، إلى مراكز القوى الأخرى.
وإذا كان روحاني قد أكد على اهتمامه بقوة بالسياسة الخارجية خلال أول ثلاث سنوات من رئاسته، فسبب ذلك على الأرجح هو أن النجاح في هذا الملف وحده هو ما سيساعده على تقوية سلطتة الرئاسية، والأهم من ذلك إنعاش اقتصاد بلاده.
وحتى الآن ضمن الرئيس دعم القائد الأعلى، وهو الشخصية الأقوى في السلطة الدينية الإيرانية. وما زال خامنئي يساند المفاوضات النووية والإصلاحات الاقتصادية، إلا أن دوام التوافق بين الرجلين يعتمد على ما إذا تمكن روحاني من التوصل إلى صفقة نووية نهائية ووضع نهاية للعقوبات.
لكن الحصول على قرار برفع العقوبات يتطلب رضا مجموعة مختلفة من القوى الغربية التي عملت قيودها على إغلاق النظام المالي العالمي في وجه إيران (هناك ما بين 50 مليارا و100 مليار من الموجودات بالعملات الأجنبية مجمدة في الخارج) وعلى تقليص صادراتها من النفط بأكثر من النصف.
وسيكون أصعب عنصر في المفاوضات هو مستوى تخصيب اليورانيوم الذي ستحتفظ به إيران. ويرغب الغرب في أن يكون ذلك صغيراً، بينما تريد إيران أن يكون أكبر ما يمكن.
ويقول الرئيس الإيراني إن المستوى يجب أن يعتمد على حاجة إيران المحلية للطاقة النووية، وهي الملاحطة التي تشير إلى الحجم وتترك مجالاً لبعض الحركة أثناء المفاوضات.
روحاني لا ينتظر نهاية العقوبات ليبدأ معركته الاقتصادية، وهو يقول إن حكومته بدأت بتقييد عرض الأموال وتقليل نسبة التضخم وعكس اتجاه التراجع الاقتصادي.
وكان من بين أكثر الأعمال سوءا التي ارتكبتها إدارة أحمدي نجاد هو استخدامها البنك المركزي الإيراني حصالة، لتوزيع قروض ليست هناك فرصة تذكر لسدادها. والآن تم تحرير البنك المركزي من الضغط السياسي، كما ألغيت المشاريع الإقليمية نصف المكتملة، وهي ميزة أخرى تمتع بها الرئيس السابق، وكانت أحد أسباب شعبويته المضللة.

ويتوقع فريق روحاني أن تخرج إيران من الكساد في السنة المالية المقبلة، التي تبدأ اعتباراً من نيسان (أبريل).

العلاقة مع «الشيطان الأكبر»

وساعدت المحادثات النووية في تحقيق غرض مهم آخر، وهو إفساح الطريق أمام إمكانية تغيير تاريخي محتمل في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بعد عقود من العداء.
ولايزال شعار "الموت لأمريكا" يظهر على واجهات المباني بصورة بارزة في العاصمة الإيرانية، كما يُنشد في المظاهرات المناوئة لها. لكن بسبب ثبات توجه النظام المعادي لأمريكا، ربما أصبح الجمهور الإيراني جاهزاً، إن لم يكن تواقاً، لإصلاح روابطه مع أمريكا.
فهل واشنطن وطهران تمشيان على رؤوس أصابعهما باتجاه استئناف العلاقات الثنائية بينهما؟ للإجابة على ذلك يختار روحاني كلماته بعناية ويقول إن المفاوضات تسمح للجانبين باختبار ما إذا كانا قادرين على الوصول إلى علاقات مختلفة عما سبق.
ويضيف: "مشاكل دامت 35 عاماً لا يمكن حلها في فترة قصيرة من الزمن. نحن في حاجة إلى تقليل التوتر في هذه المرحلة وخلق ثقة متبادلة خطوة خطوة. وإذا تم تنفيذ الخطوات المتخذة في الصفقة النووية المؤقتة المتفق عليها في جنيف بعناية ودقة، فسيعني ذلك أننا سرنا خطوة واحدة للأمام باتجاه الثقة المتبادلة".
وتحاشى روحاني الرد عند سؤاله عن احتمال دعوته لباراك أوباما لزيارة طهران في مرحلة معينة، لكنه لم يستبعد هذا الاقتراح مباشرة. وتحدث مع "فاينانشيال تايمز" عن انطباعاته عن الرئيس الأمريكي، معتمداً على حديث هاتفي أصبح مشهوراً الآن، أثناء رحلته الأخيرة إلى الأمم المتحدة في نيويورك.
وقال: "وجدْتُه شخصاً مؤدباً للغاية ويتحدث بلغة ذكية. المشاكل مع الولايات المتحدة معقدة جداً، لكن على الرغم من هذه التعقيدات كان هناك انفراج في الأيام المائة الماضية، وهي فسحة يمكن أن تتوسع فيما بعد".

الجيران العرب

في الوقت الذي ينخرط فيه روحاني في عملية لبناء الثقة مع القوى الغربية، تستمر سياسات إيران الإقليمية النشطة في إثارة الشبهات، خصوصاً مع الجيران العرب. وفي الوقت الحاضر تقف إيران والسعودية، وهما قوتان إقليميتان من الوزن الثقيل، على طرفي نقيض من الحرب الأهلية الدائرة في سورية.
وباعتباره رئيساً للجمهورية، يستطيع روحاني التأثير على السياسة الإقليمية، لكن ما هو أقوى منه بكثير هم العناصر العسكرية المتشددة في النظام، خصوصاً الحرس الثوري، الذي يعتبر من النخبة، وفيلق القدس التابع له.
ويقول روحاني إنه يتحدث إلى الحكومات الغربية حول سورية ويرغب في مفاوضات أوسع، إذا شاركت بلاده في مؤتمر للسلام من المقرر أن يعقد في كانون الثاني (يناير) الجاري. ولا يزال من غير الواضح إن كانت إيران ستدعى للمحادثات في جنيف.
ويشير إلى مخاوف مشتركة مع الغرب في سورية، خصوصاً القوة المتزايدة للمتطرفين السنة بين الثوار. ويقول إن حل إيران هو انتخابات حرة ونزيهة: "ما يقرره الشعب السوري في الانتخابات، يتعين علينا جميعاً أن نقبل به".
وعندما تشير "فاينانشيال تايمز" إلى أنه لا بد أن الرئيس متفائل للغاية حين يعتقد أن الزعيم السوري، بشار الأسد، سيتخلى عن السلطة، فيجيب روحاني إنه ليس متفائلاً ولا متشائماً، ويقر بأنه لا يستطيع أن يتنبأ بمستقبل سورية.

التوازن الصعب

ويعتبر روحاني زعيماً يبحث عن الكفاءة الاقتصادية وليس التغير السياسي المثير للجدل بصورة كبيرة، الذي يرغب فيه الإصلاحيون.
وما يدعو إلى الدهشة أن الرئيس يرفض هذا الافتراض، ويصر على أن الإصلاح الاقتصادي والسياسي لا بد أن يجري بالقوة نفسها. ويقول: "من الواضح أن المشاكل الاقتصادية والسياسة الخارجية مهمان، لكنهما لن يوقفانا عن التفكير في القضايا الثقافية والسياسة المحلية".
لكن الإيرانيين الذين يشعرون بتشكك في وعده بالتغيير يشيرون إلى استمرار سجن زعيمي المعارضة من الحركة الخضراء، مهدي كروبي ومير حسين موسوي. وقمِعت الحركة بصورة وحشية في أعقاب اضطرابات تفجرت في 2009 بسبب ادعاءات بالتلاعب في الانتخابات الرئاسية آنئذ التي خاضها موسوي وأحمدي نجاد وفاز بها الأخير.
ويقول روحاني إن حكومته تسعى إلى "تنفيذ واجباتها" نحو الرجلين، لكنه لا يستطيع حل المشكلة خلال 100 يوم، مضيفا: "بعض القضايا في هذا البلد في حاجة إلى إجماع الأجهزة الأخرى والمسؤولين الآخرين. الحاجة تدعو إلى مزيد من الوقت من أجل التوصل إلى هذا الإجماع، لكن في هذه الحالة أنا متفائل".
ويبدو أن لدى روحاني استراتيجية، كما أنه يتمتع – حتى الآن على الأقل – بالمساندة الضرورية تماماً من خامنئي، الذي يعمل على إسكات انتقادات الفريق المتشدد للدبلوماسية النووية.
لكن مثلما أن روحاني في أمس الحاجة إلى صفقة مرحلية لتعزيز وضعه في الداخل، فإنه بحاجة كذلك إلى تأكيد غربي بخصوص منافع بناء الثقة. ويحذر مساعدوه من أن اندفاعاً آخر في العقوبات من الكونجرس، مثلا، لن يدمر فقط جهود روحاني لاستعادة الثقة مع أمريكا، وإنما كذلك صدقيته في الداخل، وأنتج الأسبوع الماضي لحظة نادرة من الأمل. وأبرز كذلك أن في إيران وخارجها، كثيرون الآن ممن لديهم مصلحة في إبقاء البسمة على وجه روحاني.
إن جائزة أن تكون إيران خالية من الأسلحة النووية ومزدهرة اقتصادياً، وأن يكون الشرق الأوسط أكثر استقراراً، تعد جائزة هائلة – لكن عملية الوصول إلى هناك هشة بصورة هائلة أيضا.

فاينانشال تايمز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى