تحليلات سياسيةسلايد

الأمن في صلب التقارب السوري – العراقي: السوداني يطوي تاريخـاً من القطيعة

فقار فاضل 

تتوِّج زيارة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لدمشق، ولقاؤه الرئيس السوري، بشار الأسد، سلسلة من خطوات التقارب بين البلدين بدأت منذ وصول الأول إلى السلطة، في تشرين الأول الماضي، وأعقبت قطيعة منذ عام 2010. وكانت آخر زيارة قام بها رئيس وزراء عراقي لدمشق، زيارة نوري المالكي في آب 2007، حيث التقى الأسد، لمناقشة الملف الأمني المشترك والتصدي للمجاميع المسلحة التي كانت تنشط على حدود البلدين. وظلت الحكومات العراقية تتعامل مع دمشق بحذر، نتيجة الأحداث التي شهدها البلدان، وتخلّلها اتهام بغداد لدمشق بأنها «تسهّل حركة الجماعات المسلحة للتسلل عبر الحدود إلى أراضي البلاد». ثم تراجعت العلاقات بشكل إضافي في 2011، مع بداية الأحداث في سوريا، والتزام العراق الصمت واتخاذ موقف محايد مما جرى فيها. وأخيراً، تعرّضت العلاقات لشرخ آخر، عندما فرضت دمشق إجراءات مشددة على اللاجئين العراقيين، ومن ثم استقبل الأسد رئيس «هيئة علماء المسلمين»، حارث الضاري، الذي كان متّهماً بإثارة النعرات الطائفية. ويضاف إلى كل ذلك، تاريخ من القطيعة أيام حكم صدام حسين.

ويولي السوداني، الذي بحث مع الأسد العلاقات الثنائية وقضايا التبادل التجاري والطاقة والنقل والصناعة والاقتصاد والأمن والحدود، اهتماماً كبيراً لملف السياسة الخارجية، ويأخذ على عاتقه السعي للتقريب بين الدول المجاورة لبلاده، بعيداً عن سياسة المحاور.

ويقول المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «أولويات الزيارة تنقسم إلى ثلاث نقاط: الأولى هي أن أمن سوريا واستقرارها جزء من أمن العراق والمنطقة واستقرارهما، وهذا مبدأ أساسي ننطلق منه باتجاه استقرار الوضع السوري. وثانياً مساهمة العراق في عودة سوريا إلى منظومة العمل العربي، وسيعمل العراق على تعافيها اقتصادياً ومعالجة آثار الحرب وغيرها. وأخيراً، دعم بغداد كل الإجراءات الرامية إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا، بما يخفّف من وطأة المعاناة الإنسانية ونقص المتطلبات المعيشية للشعب السوري الشقيق». ويرى العوادي أن «أهم الملفات بين البلدين هي تأمين الحدود ومنع تسلل الإرهابيين ومعالجة التهديدات الأمنية وغيرها بتعاون مشترك، وأيضاً السعي لإشراك سوريا في مشاريع التكامل الاقتصادي، ومنها مشروع طريق التنمية العراقي الرابط بين الشرق والغرب، وكذلك الملف الزراعي، فضلاً عن موضوع إعادة تجديد خط بانياس لتصدير النفط العراقي عبر سوريا». وشملت الزيارة كذلك، ملف المياه بين تركيا وسوريا والعراق والعمل على ضمان حصص الجميع وفق القوانين الدولية، وملف اللاجئين وضمان عودتهم، وحل مسألة مخيم الهول بشكل حاسم ونهائي وبمشاركة المجتمع الدولي، وأيضاً ملف المخدرات (الكبتاغون) ووجود القوات الدولية في المنطقة.

أما المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، فيؤكد أنّ «العراق يقوم بدور محوري في سياسته الخارجية، من خلال حكومته الحالية، وكذلك يُسهم في تعزيز العلاقات بين جميع دول المنطقة، بعيداً عن التجاذبات الإقليمية». ويقول لـ«الأخبار» إن «العراق كان أحد المساهمين المهمين في إعادة سوريا إلى الحضن العربي، وذلك من خلال اجتماعات جامعة الدول العربية»، مضيفاً إن زيارة السوداني لسوريا «تأتي ضمن سياق التعاون المشترك في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، وكذلك تطوير الاقتصاد، لأننا نعتقد أن هذا ليس خياراً وإنما سياق ينبغي علينا المضيّ به». ويرى أن الزيارة ستؤسّس لمرحلة جديدة من العلاقات الودية بين البلدين، بعيداً عن الإرهاب والفكر المتشدّد، وغيرها من القضايا التي تخلق فجوة بين الدول المتجاورة، ولا سيما العراق وسوريا. ويتابع أن «دور التقريب الذي يتبنّاه العراق لم يغب عن الزيارة، لأن الحكومة العراقية، وأيضاً من خلال وزارة الخارجية، تسعى إلى حل المشكلات والأزمات بشكل ديبلوماسي بعيداً عن لغة القوة، وهذا هو نهج السياسة العراقية مع جميع الدول».

ويلفت أستاذ العلاقات الدولية، مهيمن الكعبي، بدوره، إلى أن السوداني «يلعب بذكاء وديبلوماسية مع جميع الدول، لتحقيق استقرار للعراق، بعدما كانت تلك الدول ممراً للإرهاب ودخول المخدرات والأسلحة»، مضيفاً، في تصريح إلى «الأخبار»، إن السعي للتوصل إلى اتفاقات بين البلدين «يأتي ضمن سياق البرنامج الحكومي الذي يهدف إلى بناء العراق عن طريق استغلال ثرواته الضخمة، وهذه الثروات تحتاج إلى خبرات أجنبية وسوق مفتوح على الدول الأخرى».

في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي، داود القيسي، أن «التعامل مع الملف السوري المعقّد، قد يضع العراق في مواجهة تحديات ومشاكل جديدة هو في غنى عنها، كاعتراض الولايات المتحدة وبعض دول الخليج، التي تريد إسقاط نظام بشار الأسد، ومحاصرته ومعاقبته بشتى الوسائل». ويقول لـ«الأخبار» إن «سياسة العراق الخارجية لا تُبنى فقط على زيارات واتفاقات قد تكون قديمة أو عابرة، وإنما على إلزام الدول بقضايا تجعل مصلحة البلاد في مقدمة الأمور، ولا سيما أزمات العراق الحالية في المياه والكهرباء»، داعياً الحكومة إلى «استثمار علاقاتها الإيجابية في الوقت الحالي للتفاوض مع سوريا وتركيا وإيران وبقية دول المنطقة في محاربة المخدرات والإرهاب وأزمة الجفاف والتغيّرات المناخية التي قد تؤثر على جميع الدول».

 

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى