الأمير حسن بن طلال لـDW: إسرائيل ليست معنية بأن تكون جزءاً من الإقليم
نقل السفارة الأمريكية إلى القدس شكل آخر تجليات انكشاف العالم العربي وغياب فاعليته. ولي العهد الأردني الأسبق الأمير حسن بن طلال، يشخص ويشرح الوضع العربي المأزوم ويصف الدواء في حواره التالي مع DW عربية.
نقلت الولايات المتحدة رسمياً الاثنين (14 أيار/ مايو 2018) سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس تنفيذاً لتعهد قطعه الرئيس ترامب إبان حملته الانتخابية. إلا أن ذلك لم يمر دون تصعيد غير مسبوق؛ إذ قتل عشرات الفلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي قرب السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل.
بيد أن مصادر طبية فلسطينية تحدثت عن مقتل عشرات الفلسطينيين بينهم ثمانية أطفال، فيما أصيب أكثر من 1700 بجروح وحالات اختناق وصفت حالة 27 منهم بأنها حرجة. وقبل أيام أقدم الرئيس ترامب على تنفيذ وعد انتخابي آخر له بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران.
لإلقاء مزيد من الضوء على دلالات وتداعيات الحدثين السابقين على العالم العربي وسبل الخروج من المأزق التاريخي، أجرت DW عربية الحوار التالي مع ولي العهد الأردني الأسبق، الأمير حسن بن طلال:
اليوم نقلت السفارة الأمريكية للقدس وقبل أيام ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق النووي مع إيران. يبدو العالم العربي في حالة من الانقسام والسلبية أدت إلى شل قدرته وفعاليته في التأثير على مصيره وأوضاعه. كيف ترى وضع العالم العربي؟
كما تعلم العالم العربي هو جزء من الإجماع الدولي فيما يتعلق بتغيير الموقف الأمريكي حول موضوع الاعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة لدولة واحدة، فقد كان من المفروض أن تكون القدس جزءا من الأمل والطموح المشروع للشعب الفلسطيني وأن تكون حلاً لدولتين.
فيما يتعلق بالموضوع النووي، يطالب العالم العربي منذ عقود بمنطقة آمنة من السلاح النووي. والمخالفة الأساسية التي لم يتم التحدث بها هي امتلاك إسرائيل للسلاح النووي منذ ما بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وفيما يتعلق بإيران، ومن جهتي كعضو في اللجنة الدولية لنزع السلاح النووي، أقول إن إيران شرعت بخطوات مقنعة نحو تخفيض من اليورانيوم، مما يعني أن البرنامج النووي لغايات سلمية، لا عسكرية. أعتقد أن بنيامين نتانياهو هو ربما الرابح دبلوماسياً من الموقف الأمريكي تجاه إيران. علماً أننا ننتظر الخطوة القادمة فيما يسمى بصفقة القرن. وقضية القدس هي لب القضايا وجزء من موسم من التناقضات.
يبدو أن العرب هم العنصر الغائب وتتم التسويات على حسابهم. كيف توّصف وضع العالم العربي بعجالة؟
العالم العربي يتحدث منذ عام 2002 عن شرعية مبادرة السلام، مع العلم أنه هناك في إسرائيل من يعتبر المبادرة غير واضحة وغير مفصلة. وفي الكنيست نسمع أصواتاً تتحدث عن أن هناك مضموناً لهذه المبادرة. لا أعلم إن كانت هذه المبادرة ستؤدي إلى حل الدولتين.
للفلسطينيين الحق أن يطالبوا الولايات المتحدة بأن يكون دورها ضاغطاً بشكل فعال على إسرائيل. على العرب التحرك مع المجموعة الأوروبية وروسيا والصين، لأن القضية لم تعد إقليمية عربية بل أصبحت دولية بامتياز.
أتيت على ذكر صفقة القرن، هل أصبح حل الدولتين شيئاً من الماضي ووضعت “صفقة القرن” اليوم موضع التنفيذ؟
إذا كانت إسرائيل تستمر في اعتقادها أن المدينة المقدسة، أو ما اسميه “الفضاء الديني”، هو جزء من العاصمة غير المجزأة، فهناك ثلاثة أديان لمفهوم السيادة الدينية في القدس. من غير المعقول حقيقة أن يكون الحل الديني والحل السياسي حلاً واحداً، أي برفع علم بمعنى واحد. وهنا أعتقد أن عطلة نهاية الأسبوع المقدسة ستكون الجمعة والسبت والأحد.
ماذا يعني نقل السفارة الأمريكية استراتيجياً على الصراع الشرق أوسطي؟
يحتاج الأمر إلى عقول استراتيجية؛ لو كان التفكير استراتيجياً بالأساس لاعتبرت إسرائيل عاصمتها في القدس الغربية، وفيها رئاسة الحكومة والبرلمان. إذا اعتبرنا الموضوع من باب الدبلوماسية القريبة من الدين والمعتقد نجد أن عاصمة إيطاليا هي روما وفي قلبها الفاتيكان. وفي تشيلي العاصمة سانتياغو وعاصمة الحكومة في فالبارايسو.
إذا كان الهدف استراتيجياً هو البحث عن حل، فالحل ممكن في هذا الإطار. أما إذا كان الهدف من نقل السفارة إظهار التحالف القوي بين واشنطن وتل أبيب، فسيؤدي ذلك لجرف كل الأسس القانونية للحل. المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي نشر دراسة أشار فيها إلى أن أرض السفارة الأمريكية في القدس هي أرض للاجئين فلسطينيين في الولايات المتحدة. الشرعية والقانون الدولي يقولان إن أي تشريع أو قرار أو أنظمه تصدر عن دولة ما لا يمكن احترامها والاعتراف بها ما لم تكن متفقه مع مبادئ القانون الدولي ولا يوجد قانون دولي يعترف أن تقام العاصمة على أرض محتلة.
صرحت مؤخراً أن “إقامة دولة فلسطينية بلا معالم لن يرضى أحداً”. في ظل ميزان القوى الحالي والتغيرات التي أحدثتها إسرائيل على الأرض في الضفة والقطاع: هل سيكون قيام دولة فلسطينية غير منقوصة السيادة خياراً واقعياً؟
جانب من معادلة الربح والخسارة في إقامة الدولة الفلسطينية في وقت قريب هي الشرعية الداخلية من جانب، بمعنى موقف الناس وطموحهم في داخل فلسطين وفي البلدان العربية، والشرعية الدولية من الجانب الآخر. آن الأوان أن نقدر الإنسان الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال منذ ما يقارب نصف قرن وأن تفهم أن هناك أهمية كبرى لدور العالم العربي في الضغط على المجتمع الدولي أكثر للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
وخيار إقامة دولة فلسطينية غير منقوصة السيادة ما يزال خياراً واقعياً، ولكن كيف سيكون شكل الدولة بعد كل تلك التغيرات لصورة الأراضي المحتلة وصورة الفلسطيني داخلها موضوع متروك لتصورات لا أريد التصريح عنها حالياً. بيد أني أشير هنا إلى تردد الإسرائيليين على الرغم من نفوذهم بضم المنطقة “ج” إلى النظام القانوني الإسرائيلي.
فيما يخص الاتفاق النووي مع إيران، يوجد إطار دولي على الأقل: مجموعة الخمسة زائد واحد. ونأمل أن يتم حل المسألة بسلام ودون حروب. وعلى سبيل المثال هناك بوادر إيجابية في اتجاه حلحلة الأزمة الكورية. لكن السؤال هنا لماذا تبقى منطقة غرب أسيا، هي منطقة صراع تخدم لوبي الاستقطاب والكراهية وصناعة والسلاح.
لا بد من تحرك دولي باتجاه غرب أسيا. على العرب التحرك مع المجموعة الأوروبية وروسيا والصين، لأن القضية الفلسطينية لم تعد إقليمية عربية بل أصبحت دولية. من الواضح أنه عند الحديث عن حل القضايا لا توجد دولة تستطيع أن تحل مشاكل المياه والطاقة والتسونامي الديموغرافي بمفردها. هناك فراغ سياسي وأمني، ولابد من الوعي بأن قضايا الأمن لا تحل بالحلول العسكرية فقط بل باحتواء سياسي لواقع مشرقنا العربي.
مجموعة الدول العربية تستطيع أن تتحدث عن وجوب الحفاظ على “رؤية الاستقلال المتكافل” بين دول الإقليم، وخصوصاً العراق والأردن وسوريا وفلسطين ولبنان، كقلب لمنطقة المشرق العربي. ويتوجب على إسرائيل أن تقرر فيما إذا كانت دولة في الإقليم أو “إسرائيل والإقليم”. ويبدو لي في الوقت الحالي أن إسرائيل ليست معنية بأن تكون جزءاً من الإقليم.
في ظل حالة التشظي والانقسام في العالم العربي.. هل ترى أملاً في الخروج من هذه الحالة؟
أوافقك الرأي، التشظي والتشرذم في منطقتنا وصل إلى الأسرة الواحدة حيث أصبح أفراد الأسرة الواحدة والقبيلة والعشيرة الواحدة ينتمون إلى معسكرات سياسية وأيدولوجية مختلفة. وربما هذا حال الكوكب الذي نعيش فيه. أبرز كتاب في أمريكا اليوم هو “القبائل السياسية”. لا أرى أملاً إلا في تعزيز التنوع والتعددية والحلم بإقامة الدولة العربية المتنوعة.
في ظل زيادة نفوذ الدول الإقليمية: تركيا وإيران وإسرائيل وتوزع الدول العربية إلى محاور مرتبطة بها. هل الجامعة العربية في حالة موت سريري أم أنها أسلمت الروح وتنتظر تشييعها لمثواها الأخير؟
الجامعة العربية مقر للمؤتمرات العربية وتوصي بما توصي به الحكومات، ولكن المشكلة الأساسية هي غياب الإرادة السياسية. عاطفياً علينا أن يكون موقفنا بعيداً عن “فشة الخلق” وقريباً من النقد العقلاني، لأنفسنا أولاً، ومن ثم للعالم من حولنا وكيفية التكامل مع ذلك العالم.
يجب أن لا ننسى حرب الإنابة، عندما جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض وتحدث عن الحرب على الإرهاب والعنف. تمنيت أن أسمع صوتاً عربياً واحداً يتحدث عن النضال من أجل الكرامة السياسية والإنسانية العربية.
إذا أراد سمو الأمير رسم خرطة طريق لعالم العربي ليستعيد عافيته وفاعليته، كيف ستبدو تلك الخارطة؟
أولاً، مؤسسياً علينا في الخمس وعشرين سنة المقبلة التفكير جدياً في استنهاض الجامعة العربية على مستوى القطاع العام والخاص والمجتمع المدني، وذلك بإقامة مجلس اقتصادي اجتماعي ينقل أفكار وأولويات الإقليم فضلاً عن الاستماع للأفكار والأولويات المفروضة عليها.
ثانياً، آن الأوان للتفكير بصندوق عالمي إنساني للزكاة، حيث أن زكاة المسلمين تستطيع أن ترسم الابتسامة على وجه الإنسانية وهو أهم استثمار أمني. يتم التحدث عن الهوية وأنا هنا أتساءل ما فائدة الهوية إن لم تكن حميمة.
ثالثاً، تأسيس “جمهرة مواطني المشرق” لهذه المنطقة تجاه المواطنة الحاضنة للتنوع وفي اتجاه المشاركة في الخطاب السياسي والمجتمعي العربي. العرب 17 بالمئة من المسلمين وهناك تركمان وفرس وأكراد وغيرهم. ولماذا لا نخاطبهم لمعرفة ماذا يريدون منا وماذا نريد منهم. هذا هو الخطاب النهضوي الذي نعمل من أجله.
وكيف يمكن تعزيز حضور العرب سياسياً على الساحة العالمية وفي ملفات القدس والملف النووي الإيراني؟
إذا أردنا كعرب أن تكون لنا كلمة مسموعة في العالم وأن نرقى إلى مستوى المسؤولية ضمن النظام العالمي يتعين علينا البحث عن الشرعية داخلنا قبل البحث عن الشرعية الدولية. وإلا فإن الصورة البديلة عن العرب هي وجود أكثر من سبعين جماعة مسلحة في الإقليم، ومنها 32 تنظيم عربي. وأتساءل هنا هل القدرة على التحرك في برامج وسياسات واضحة المعالم حول المياه والغذاء وتصفير الجوع نتطلب عبقرية معينة أم إرادة.
في تفسير ما يقال عن “صراع شيعي – سني” تسود مقاربتان، الأولى تقول إن البعد الديني المذهبي هوم المحرك والسياسة هي مجرد قناع والمقاربة الثانية تقول العكس وتشدد على أن البعد الديني هو مجرد أداة للتحشيد والتعبئة في صراع سياسي؟
أعتقد أن أغلب الصراعات لا علاقة لها بالدين، بل علاقتها جذرياً بالقوة والسلطة. الشرعية الدينية في مكة، وعلينا الاعتراف بوجوب إقامة الشورى في مكة بين كل من يعلن انتمائه لهذا الدين العظيم ويتحمل مسؤولياته اتجاه الآخر. وبذلك يحول الاختلاف من صراع دموي إلى اختلاف في الاجتهادات والتأويل.
بالنظر للحرب في سوريا واليمن وليبيا وتردي الأوضاع في مصر وتعثر النموذج التونسي، فهل بذور الربيع العربي في ارتفاع مستوى الوعي وحضور الشباب والمجتمع المدني ستؤرق يوماً ما أم أن الحصاد الهزيل لم يكن على مستوى التضحيات؟
تحول ما أطلق عليه بـ”الربيع العربي” من أحلام بالعدالة الاجتماعية إلى حرب أهلية في بعض الأماكن وصراعات طائفية في أماكن أخرى. أعتقد أن الصراع في لبه يرجع إلى القوة والسلطة وعلينا تبني السياسات والبرامج التي تنقذنا من أوضاعنا المزرية.
لننظر إلى رابطة جنوب شرق أسيا، والتي تضم أنظمة ملكية ونضالية، ومع ذلك احتفظوا بحق تعظيم الصالح العام لكل الإقليم. في المشرق العربي والمغرب العربي ودول وادي النيل آمل في إقامة مثل هذه الرؤيا. إذا لابد من الحديث عن التكامل والتكافؤ بين الأقاليم؛ بين المال والإنسان، وهنا يبقى الأمل بتحقيق الاستقرار المطلوب.
لا أتحدث هنا لأحبط المعنويات، بل على العكس؛ كل ما يحدث يظهر أن التوصيف السليم لمشوارنا هو التركيز في هذه المرحلة على تعريف الأولويات والرجوع إلى الأساسيات: الحفاظ على كرامة الإنسان وتحقيق التنمية العادلة والمتوازنة أمران متلازمان. الأمن وحده لا يكفي. أين دور الإنسان العربي في المشاركة في تقرير مصيره.
هناك من يرى أن الربيع العربي كان مؤامرة منذ البداية ونشهد نتائجها اليوم في القدس؟
ما لا نفهمه نحوله إلى مؤامرة خارجية. كفانا غروراً وجهلاً. العلاقة بين الاستدامة المادية وسدة فجوة الكرامة الإنسانية علاقة طردية. لا بد من التنسيق على المستوى الإقليمي ولابد للهوية العربية أن تسمو فوق الخلافات ونشرع بالحديث عن التنوع الذي يثري المسيرة.
DW