الأمير محمد بن سلمان يُؤكّد أن حَرب اليَمن ستَطول لأنّه لا يُريد “حزب الله” آخر في جَنوب المملكة.. ماذا يَعني هذا الكلام؟
الفَقرة الأهم في مُقابلة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، لم تَكن تِلك المُتعلّقة بإقامة مدينة استثماريّة كُبرى بمَبلغ يَصل إلى نِصف تريليون دولار على الحُدود مع مِصر والأردن إلى جانب سورية، ولا عَن الأزمة القطريّة وتَطوّراتها، فقد كان مُصيبًا عندما قال أن هذهِ الأزمة صغيرةٌ جدًّا جدًّا جدًّا، لأنّها ليست من أولويّات المملكة حاليًّا، والاستراتيجيّة الجديدة تَقوم على إطاحة أمد هذهِ الأزمة لأطولِ فترةٍ مُمكنة، لأن السعوديّة وحُلفاءها في دُول التّحالف ليسوا الخاسرين فيها على الإطلاق، وإنّما دولة قطر التي كُلّما طالت الأزمة، زادت خسائرها.
القضيّة الأكبر التي وَردت في حديث الأمير بن سلمان في قَوله “الحَرب في اليَمن ستَستمر لمَنْع تَحوّل الحوثيين إلى “حزب الله” آخر على حُدودنا الجنوبيّة”، وهذا يَعني أن هذهِ الحَرب لن تتوقّف من خِلال مُفاوضات تُرضي جميع الأطراف، وتُشكّل مَخرجًا من الأزمة، وإنّما حتى يَتم “اجتثاث” حركة “أنصار الله” الحوثيّة كُليًّا في اليمن، سواء بنَزع سِلاحها طَوعًا، وهذا لن يَحدث، أو من خِلال هَزيمتها عَسكريًّا، وهذا أمْرٌ مَشكوكٌ فيه على المَدى القَصير على الأقل، فإذا كانت الحَرب في اليَمن ستَستمر للقَضاء على خَطر الحوثيين وسِلاحهم، فهذا يَكشف عن الأسباب الحقيقيّة للحَرب في اليَمن، ومَسألة عَودة الشرعيّة إليه برئاسة عبد ربه منصور هادي كانت مُجرّد غِطاءٍ، لا أكثر ولا أقل.
هُناك “فوبيا” في بَعض دُول المِنطقة، ودَولة الاحتلال الإسرائيلي على وَجه الخُصوص، اسمها “حزب الله”، باعتبار هذا التّنظيم يَشمل الذّراع العَسكري الضّارب لمِحور “المُقاومة” الذي تَقوده إيران، وبِما أن إيران هي الهَدف الأكبر في عَيْن الاستراتيجيّة الأمريكيّة في مِنطقة الشّرق الأوسط، وتأكّد ذلك من خِلال وَضعه على قائمة الاٍرهاب، وفَرض عُقوباتٍ جديدةٍ عَليه.
الرئيس الفِلسطيني محمود عباس كان أوّل من استخدم هذا التّعبير، عندما قال أنه لا يُمكن أن يَسمح لإقامة “حزب الله” آخر في قِطاع غزّة، ولا مُصالحة إلا بنَزع سِلاح حماس كُليًّا، فالسّلاح الشّرعي الوحيد في نَظَره هو سِلاح قوّات الأمن الفِلسطينيّة التي تُنسّق أمنيًّا مع الاحتلال الإسرائيلي.أفيغدور ليبرمان، وزير الحَرب الإسرائيلي، انضمّ بدَوره إلى السّرب نَفسه، وأعلن أن الحَرب القادمة سَتكون ضِد لبنان وسورية معًا، وأن الجيش اللّبناني فَقد استقلاليّته وباتَ جُزءًا من “حزب الله”.
لا نَستغرب، ولا نَستبعد، أن يكون الاجتماع المُنعقد في واشنطن بدعوةٍ من رئيس هيئة الأركان الأمريكي، ويُشارك فيه رؤساء أركان جيوش الأردن ومصر والسعوديّة والإمارات، إلى جانب غادي إيزنكوت، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، جاء لوَضع خُطّة للحَرب المُقبلة ضِد لبنان وسورية وحزب الله، تحديدًا، لجَر إيران إلى حَربٍ إقليميّةٍ أوسع تَكون إسرائيل عَمودها الفَقري.
العماد جوزيف عون، قائد الجيش اللبناني رَفع رؤوسنا عاليًا عندما انسحب من الاجتماع المَذكور قبل أن يَحدث بمُجرّد وجود نَظيره الإسرائيلي، وأثبت أن لبنان لا يُمكن أن يَقف إلا في خَندق المُواجهة لدولة العُدوان.
لا نَعتقد أن مُحاولة القَضاء على “حزب الله” سَتكون سَهلةً، وربّما الشيء نَفسه عن “أنصار الله” الحوثيّة، في شَمال اليَمن، وعلينا أن نَتذكّر أن هذا الحِزب قاتل إسرائيل أكثر من 15 عامًا وألحقَ بِها خسائر ضخمة لم تَستطع تَحمّلها، واضْطر الجنرال إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينها، إلى الانسحاب عام 2000 من طَرفٍ واحد مُعترفًا بالهَزيمة.
“حزب الله” هَزم إسرائيل مَرّتين، ولَقّن قوّات المارينز الأمريكيّة دَرسًا قاسيًا عندما فَجّر قاعدتهم في بيروت عام 1983، ممّا أدّى إلى مَقتل 241 منهم، الآن الحِزب أكثر قوّةً، وأكثر خِبرةً، وباتَ لديه من الصّواريخ والقذائف أكثر عشر مرّات ممّا كان لديه في حرب 2006 التي فَشِلت فيها إسرائيل، وعلى مَدى 33 يومًا، أن تتقدّم بِضعة كيلومترات في جنوب لبنان.
أمريكا تَجر العَرب إلى حَربِها ضِد إيران، ولمَصلحة الكَيان الإسرائيلي، وهُنا قِمّة المأساة.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية