الأنظار تتجه إلى قمة عربية استثنائية في جدة
يجتمع القادة العرب الجمعة في جدة للمشاركة في قمة عربية تختلف عن سابقاتها، إذ ينتظر أن يشارك فيها الرئيس السوري بشار الأسد بعد أن تسلّم دعوة رسمية من السعودية، إثر جهود دبلوماسية أفضت إلى إعادة دمشق إلى محيطها العربي بعد عزلة استمرّت أكثر من 11 عامًا على خلفية النزاع المدمّر في هذا البلد.
وقال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد اليوم الأربعاء ردا على سؤال لقناة “الجديد” اللبنانية في جدة عما إذا كان الأسد سيشارك في القمة “هو سيأتي لحضور هذه القمة إن شاء الله”.
وتنعقد القمة في دورتها الـ32 وسط متغيرات ثلاثة بارزة، أولها استعادة دمشق لمقعدها بالجامعة العربية ومشاركة النظام السوري في اجتماعاتها وثانيها اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، فيما يتمثل المتغير الثالث في أزمة السودان عقب الاشتباكات المسلحة منذ نحو شهر.
وانطلق اجتماع تحضيري لمجلس وزراء الخارجية العرب اليوم الأربعاء بجدة للإعداد للقمة. ووفق وسائل إعلام سعودية “تسلم وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، رئاسة القمة العربية من نظيره الجزائري أحمد عطاف”.
وفي كلمته، قال “تمر المنطقة بتحديات كبيرة على الأصعدة كافة ونتطلع لمواجهة التحديات العربية المشتركة بما يحقق التطلعات مرحبا بمشاركة وفد النظام السوري بالقمة رقم 32”.
وأضاف “نحتاج للعمل المشترك على رفعة الشعوب العربية وعلينا أن نبتكر آليات جديدة لمواجهة التحديات التي تواجه دولنا”.
وانطلقت الاثنين أول الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية، قبل أن يلتئم الثلاثاء الاجتماع الثاني على مستوى المندوبين الدائمين.
وبالإضافة إلى تطبيع العلاقات مع نظام الأسد من المتوقّع أن تتصدّر جدول أعمال القمة أزمتان رئيسيتان: النزاع المستمر منذ شهر في السودان بين الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو والنزاع في اليمن المستمر منذ أكثر من ثماني سنوات.
كما تُعقد القمة في جدة حيث يتفاوض ممثلو الطرفين السودانيين منذ نحو عشرة أيام برعاية مسؤولين أميركيين وسعوديين.
أما في اليمن، فتدفع السعودية نحو اتفاق سلام بين المتمردين الحوثيين والحكومة التي تدعمها على رأس تحالف عسكري يشارك في العمليات العسكرية في اليمن منذ العام 2015، فيما لم تؤدِ الجهود الدبلوماسية السعودية المكوكية في الملفين إلى اختراق كبير، لكن محللين وكتّاب رأي سعوديين متفائلون.
وفي جدّة، أعرب السفير حسام زكي مساعد الأمين العام للجامعة العربية عن تفاؤله بـ”قمة التجديد والتغيير”. وقال للصحافيين اليوم الأربعاء إن “السعودية تشهد حالة نشاط دبلوماسي وسياسي طيب ومبشر ورئاستها للقمة العربية ستكون رئاسة نشيطة حريصة على المصلحة العربية”.
موجة مصالحة
وتسارعت التحولات الدبلوماسية الأخيرة بعد اتفاق مفاجئ بوساطة صينية أسفر عن استئناف العلاقات التي كانت مقطوعة بين السعودية وإيران وأعلن عنه في 10 مارس/آذار. وبعد أقل من أسبوعين، أعلنت الرياض أنها بدأت محادثات حول استئناف الخدمات القنصلية مع سوريا، الحليف المقرب من إيران، قبل أن تعلن قرار إعادة فتح بعثاتها في البلاد. وتلى ذلك تبادل زيارات لوزراء خارجية البلدين وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.
إلا أنّ وجود الأسد المحتمل في جدة الجمعة لا يضمن إحراز تقدّم في التوصل إلى حلّ لإنهاء الحرب في سوريا.
وفي دليل على اهتمام الجانب السوري بالمشاركة في القمة، يشارك وزير الخارجية السوري فيصل المقداد اليوم الأربعاء في الاجتماع التحضيري للقمة الذي يعقده وزراء خارجية الدول العربية في جدة.
وليس واضحا ما إذا كانت الجامعة العربية ستتمكّن من القيام بجهود فاعلة بشأن قضايا ملحّة مثل مصير اللاجئين السوريين وتجارة الكبتاغون التي تُتهم دمشق بدعمها.
وفي هذا السياق، قال المقداد عقب لقائه نظيره اللبناني عبد الله بوحبيب “أكدنا على أن اللاجئين السوريين يجب أن يعودوا إلى وطنهم وهذه العودة تحتاج إلى إمكانيات”، مضيفا أنه “لا يوجد خلافات مع الدول العربية حول القضايا المتعلقة بسوريا”، وأشار أن كافة المشاريع والقوانين المطروحة في الاجتماع التحضيري للقمة العربية تعكس وجهة نظر دمشق، وفق وكالة الأنباء السورية “سانا”
وفي دمشق، قال حميد حمدان (44 عاما) مدرّس الجغرافيا، “أنا والعائلة مهتمون بالأخبار السياسية للمرة الأولى منذ سنوات ونتابع أخبار القمة أولاً بأول”، معتبرا أن عودة بلاده للجامعة العربية تمثّل “بدء العودة للنظام العالمي”، متوقعا أن تسفر عن “إعادة فتح السفارات والشركات وعودة الحركة والحياة إلى البلاد”.
لكن آخرين يبدون أقل حماسا، فقد قالت سوسن (29 عاما)، الموظفة في شركة بيع سيارات، “متفائلون خيرا، لكنّنا نعلم أنّ القمة العربية لن تكون عصا سحرية لحل المشاكل السورية”، مضيفة “قد تكون البداية، لكن الطريق نحو الانفراج سيكون طويلاً ولن يكون سهلا”.
ويمكن قول الأمر ذاته حيال الوضع في السودان واليمن، فقد توصّل طرفا النزاع في السودان الأسبوع الماضي إلى اتفاق “إنساني” لتمرير المساعدات الإنسانية وضمان خروج المدنيين من مناطق النزاع، لكنهما عجزا عن التوصل لهدنة في مفاوضات وصفها مسؤول أميركي بأنها “صعبة جدا”.
وبخصوص اليمن، أفاد السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر في تصريح سابق بأنّ أطراف النزاع في اليمن “جديون” بشأن إنهاء الحرب المدمرة، لكن يصعب التنبؤ بموعد إجراء محادثات مباشرة مع الحوثيين.
وقال توربيورن سولتفيدت من شركة فيرسك مايبلكروفت الاستشارية إنّ هناك القليل من الشك حول نهج السعودية الدبلوماسي فيما يتعلق بالقمة وما بعدها، موضحا “هناك دلائل واضحة على أن السعودية تبتعد عن سياستها الخارجية المغامرة سابقاً وتسعى لإعادة اكتشاف نفسها كوسيط دبلوماسي رئيسي في المنطقة”، لكنّه أضاف أنّ “الحكم لا يزال بعيدا” بشأن ما إذا كانت هذه المهمة ستنجح.
ميدل إيست أون لاين