الأولوية لنظام تعليمي جيد وسياسات اقتصادية ناجحة إحباط الشباب ظاهرة تجتاح الدول النامية (باتريك كينغسلي)

 

باتريك كينغسلي

ترجمة: نهى حوّا

بالنسبة لعدد كبير من المصريين، تُشكّل الثورة في بلادهم صراعاً بين تطلعات الجيل الشاب الذي تتضخم أعداده بين السكان، وبين النزعة المحافظة لدى عدد كبير من ذويه، حيث إن نسبة 60% من المصريين تصل أعمارهم إلى ما دون الثلاثين، فيما يبلغ متوسط العمر في البلاد 24.8 عاماً. والجيل القديم لا يزال في موقع القيادة بدرجة كبيرة، فوزراء مصر بمعظمهم تتراوح أعمارهم ما بين الـ 60 أو الـ 70 عاماً، كذلك قادة معظم الجماعات السياسية.
والجيل القديم هو الذي اختتم إلى حد كبير موضوع العودة إلى سياسات ما قبل عام 2011. وهذه الإحباطات لا تقتصر على مصر. فعبر البحر الأحمر إلى اليمن، حيث حوالي 74% من السكان هم ضمن الفئة العمرية ما دون الثلاثين عاما، لعبت مشاعر الحرمان لدى الشباب أيضا دورا كبيرا في الاضطرابات التي أطاحت بالرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح عام 2011.
وبعد مرور ثلاث سنوات، فإن التوتر المستمر في اليمن له جذور طائفية وإقليمية وقبلية، لكن أيضا ديناميات تتعلق بالأجيال. فالرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي يبلغ من العمر 68 عاما، أي أربعة أضعاف متوسط العمر في البلاد البالغ 18.5عاماً، كما أن أحزاب المعارضة هناك محكومة من النخب الموغلة في العمر.

توترات سياسية

وليس من قبيل الصدفة أن تحدث هذه التوترات السياسية في دول توجد بها نسبة عالية غير متناسبة من الشباب. وعدد من العلماء السياسيين قالوا إن هناك علاقة بين "تضخم فئة الشباب" وتزايد الاضطرابات.
واستناداً إلى تقرير صدر عام 2007 عن مركز الأبحاث الديمغرافي "بوبيوليشن أكشن"، فإن 80 % من الصراعات الأهلية، بين عام 1970 ونهاية القرن الماضي، حصلت في بلدان حيث نسبة 60% من السكان على الأقل لم يبلغوا سن الثلاثين.
ومع ارتفاع عدد السكان الشباب، تمضي الحجة في القول، تتراجع فرص العمل والموارد والفرص المتاحة للحراك الاجتماعي. وهذا يمكن أن يؤدي إلى استياء اجتماعي، ومن ثم إلى اضطرابات. وهذا بدوره يعطي الحكومات ذريعة لشن حملة قمع، وتستمر الدورة.
لكن المحلل الديمغرافي هنريك أوردال يفند تلك الحجة ويقول: "الواقع هو أنه في معظم بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يوجد أعداد كبيرة جدا من الشباب، لكن العنف السياسي على نطاق كبير ما زال نادرا كثيرا هناك". ويرجح احتمال التخفيف من اندلاع صراع يقوده الشباب عبر تأمين نظام تعليمي جيد، ويعتمد الأمر برأيه أيضا على نوع الأنظمة الاستبدادية التي تواجه أولئك الشباب. كما يرى الباحث النيجيري دابيساكي ماك ايكمنمجيما ان الدين والعرق يلعبان دورا أكبر بكثير في التوترات التي تعيشها نيجيريا، من موضوع صراع الأجيال.
والحركات الاحتجاجية الأخيرة في أميركا الجنوبية، حيث الشباب ما دون الثلاثين يشكلون نسبة تزيد بقليل على نصف عدد السكان، تؤكد أيضا كيف أن تضخم أعداد الشباب ليس دائما الدافع الأساسي للاحتجاجات. والأحاديث الشعبية تقول إن السبب الرئيسي للتظاهرات الهائلة هناك طبقة وسطى طامحة، لا شباب محرومين فقراء. يقول المحلل كريس غارمان في مجموعة "أوراسيا" الاستشارية: "التعليم والنقل من القضايا التي تقود الاحتجاجات في أميركا الجنوبية.
وهذا يختلف عن الاحتجاجات التي رأيناها في دول الشرق الأوسط، حيث هناك تفكك اقتصادي طويل الأمد، ونقص في البدائل الاقتصادية للشباب الساخطين". ويرى الاحتجاجات في أميركا الجنوبية "من أعراض النجاح"، يقودها مهنيون يرغبون بالمزيد من نظامهم الديمقراطي، لا شباب مهمشاً يسعى لإنهاء نظام أوتوقراطي. لكن هذه الحجة تتعثر قليلا في تشيلي، حيث قادة الاحتجاجات من الطلاب كانوا في العشرينات من عمرهم، وصوروا صراعهم في بعض الأحيان بأنه صراع أجيال.

العكس صحيح

وتشيلي شهدت احتجاجات يقودها شباب على الرغم من أنها موطن لسكان ما دون الثلاثين نسبتهم 47%. والعكس صحيح أيضا، وتاريخيا، تمكنت بلدان عدة من تعزيز الاستقرار والازدهار، على الرغم من تضخم أعداد الشباب لديها، بل حتى بسببه.
ففي بلدان شرق آسيا، تضاعف متوسط نصيب الفرد من الدخل ثلاث مرات بين الفترة 1965 و1990 بفضل التركيبة السكانية المتضخمة في أعداد الشباب إلى حد كبير، وكانت هذه الظاهرة مصدر ترحيب، وتعرف باسم "العائد الديمغرافي". لكن هناك شرطاً لذلك: فتضخم أعداد الشباب في تلك المنطقة جاء مترافقا مع تعليم عالي الجودة مما أعد الجيل الشاب لسوق العمل، علاوة على سياسات اقتصادية حاذقة عملت على توسيع السوق، في المقام الأول. وفي أماكن مثل مصر واليمن، فإنه من غير المرجح أن يجري أمر مماثل على الفور.
ويبقى انخراط الشباب المصري في العملية السياسية الرسمية اسميا إلى حد كبير: طاولة مستديرة مع الرئيس هنا، وموعد رمزي هناك.

نظرية متطرفة

لخص المستشار السابق في مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي ريتشارد سنسيوتي صراع الأجيال كالآتي: "نسبة كبيرة من الشباب، إلى جانب معدل نمو سريع في السكان من فئة سن العمل، يؤديان إلى مفاقمة البطالة، وإطالة الاعتمادية على الأهل، وتقليل الاحترام للذات وإلى الشعور بالإحباط".
وقد أخذ العالم الديمغرافي الألماني غونار هاينسوهن نظرية "تضخم أعداد الشباب بين السكان" إلى مداها الأقصى، ليقول إنه في البلدان، حيث هناك "تضخم في أعداد الشباب"، فإن الشباب يميلون للقضاء على بعضهم بعضا، أو يقتلون في حروب عدائية، إلى حين الوصول إلى توازن بين طموحاتهم وأعداد المناصب المقبولة المتوفرة في مجتمعهم".
لكن بعض المعاصرين لا يعجبه بتاتا ما يقوله هاينسوهن. يرد المحلل الديمغرافي هنريك أوردال بالقول: "في معظم بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هناك أعداد كبيرة جداً من الشباب، لكن العنف السياسي على نطاق واسع ما زال نادرا جداً".

صحيفة البيان الأماراتية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى