الإخوان والسلفيون في مصر: خفوت الخطاب

جاء فقدان العمق الاجتماعي في ركاب الهزة العنيفة التي تعرض لها تنظيم الإخوان والمتحالفون معه من السلفية الجهادية والدعوية، وحتى أولئك الذي افترقوا عنهم في المسار السياسي نالهم ما نال الإخوان من الاستهجان الاجتماعي، نظرا لأن عموم الناس لا ينشغلون بالتمييز الدقيق بين هذا وذاك، ويضعون في سلة واحدة كل من يستغلون الإسلام في التنافس على السلطة أو حيازة التمكين الاجتماعي والثروة.

ويتجسد فقدان العمق الاجتماعي للإخوان والسلفيين في عدة مظاهر يمكن ذكرها على النحو التالي:

1- أفول سحر الخطاب المتأسلم: فقد كان الخطاب الديني الموشى بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والمأثورات، وأقوال الصحابة والفقهاء والمفسرين، يلقى هوى عند عموم الناس، بل إن قطاعا من النخبة الفكرية والعلمية والاجتماعية، تفاعل معه بطريقة إيجابية. وكان لهذا الخطاب دور كبير في تجنيد أعضاء يدخلون في صفوف الإخوان والجماعات السلفية.

لكن بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، اكتشفت قطاعات عريضة من المصريين تلك الهوة الواسعة بين هذا الخطاب وتدابير وتصرفات منتجيه، وأن كثيرا من شعاراته مثل “الإسلام هو الحل” و”مشاركة لا مغالبة” و”لسنا طلاب سلطة” و”لا نريد أن نَحكُم بالإسلام، بل نريد أن نُحكَم بالإسلام”، هي أقوال دعائية أطلقها الإخوان في سنوات الضعف التي يسمونها “مرحلة الصبر”، كجزء من التحايل السياسي والاجتماعي أو من خطة خداع الجميع وكسب تعاطفهم أو طمأنتهم فيقبلون على التعاون مع الجماعة.

2- السيطرة على منافذ الوعظ ومراقبتها: فقد ثبت للسلطة الحاكمة في مصر أن “الإخوان المسلمين” ومختلف التنظيمات “الجهادية” التي انخرطت في عنف مفتوح ضد الدولة والمجتمع استغلت عشرات الآلاف من الزوايا، التي انتشرت في مصر منذ منتصف السبعينيات مستفيدة من قوانين تعفي منشئيها من الضرائب، لنشر أفكارها.

3- استهداف مؤسسات الرعاية الاجتماعية: فالإخوان أنشأوا شبكة اجتماعية كبرى، كثير منها خارج سلطة الدولة والقانون، وقيضوا لها من الأتباع والأموال الكثير، مستغلين عجز الدولة عن توفير الخدمات كافة لسائر المواطنين، واتساع رقعة التهميش الاجتماعي، وعلى التوازي استغلوا شبكات أخرى أقامتها جمعيات وهيئات دينية خيرية على مدار عقود، في الدعاية السياسية لهم. وقد تنبه المنافسون السياسيون للإخوان، وكذلك السلطة السياسية، إلى هذا عقب ثورة يناير، وتحديدا منذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس (آذار) 2011، الذي كان بداية خروج الثورة المدنية عن مسارها وسرقة الإخوان، كجماعة دينية بحتة، لها، ولهذا بدأت هذه الشبكة توضع تحت المتابعة والمراقبة.

4- المواجهة الشعبية: فالإرهاب الذي تُتهم جماعة الإخوان بارتكابه أو بصناعة جزء منه أو مباركته والتواطؤ معه أو توفير غطاء سياسي له، لم يستهدف السلطة فقط، بل امتد إلى الشعب، فالقنابل تزرع في مدارس الأطفال ومحطات المترو وعربا القطارات والميادين والشوارع، في ظل خطاب تكفيري يتعامل مع عموم الناس على أنهم “كفار” أو أعضاء في “مجتمع جاهلي”.

وقد ترجم الناس حضورهم في المشهد من خلال تنظيم مظاهرات مضادة لتلك التي تطلقها جماعة الإخوان وأتباعها، وعقد مؤتمرات ولقاءات جماهيرية للغرض نفسه، والتصدي لكتائب الإخوان الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” و”تويتر” و”يوتيوب”، ومقاطعة وسائل إعلام الإخوان، مرئية ومسموعة ومقروءة، والضغط على الدولة –أحيانا- كي تكون حازمة وحاسمة في مواجهة الإخوان، وإطلاق النكات على الجماعة وأتباعها، وهي وسيلة من وسائل المقاومة بالحيلة التي اشتهر بها الشعب المصري عبر تاريخه المديد.

وترتب على فقدان “جماعة الإخوان المسلمين” و”التيار السلفي” الكثير من عمقهم الاجتماعي الذي صنعوه في دأب ومثابرة، عدة آثار، هي في وجهها الآخر، تعد بعض مظاهر تسطح هذا العمق أو إصابته تدريجيا بالضحالة، يمكن ذكرها على النحو التالي:

1- إعادة صياغة الصورة الإخوانية والسلفية: فقبل ثورة يناير كانت جموع الناس، أو أغلبيتهم الكاسحة، تتعامل مع الإخوان على أنهم إما “ضحايا” أو “شهداء” أو “مناضلون” من جراء السياسات غير الحصيفة. وجنى الإخوان من هذه الصورة الإيجابية أرباحا اجتماعية وسياسية كبيرة. لكن تصرفات الإخوان عقب الثورة جرحت هذه الصورة وأتت على جلها في مخيلة الناس وذائقتهم العامة وعقلهم الجمعي. وتراجع هذا العمق الرمزي وألقى بظلال ثقيلة على العمق الاجتماعي للإخوان، إلى حد كبير.

2- تقليص قدرة الإخوان والسلفيين على التعبئة والتجنيد: وظهر هذا في تضاؤل إمكانية جماعة الإخوان والتنظيمات والجماعات المتحالفة معهم، وبعضها متطرف فكريا ويرتكب أعمال عنف منظم وإرهابا، على حشد أنصار لهم في المظاهرات المستمرة التي ينظمونها ضد السلطة التي نشأت بعد إسقاط حكم الإخوان، إثر خروج عشرات الملايين ضدهم وانحياز الجيش لهم، مثلما فعل في ثورة يناير.

3- تزعزع المنتمين للإخوان والسلفيين: فالتأثير لم يقف عند حد المتعاطفين مع الإخوان والأحزاب السلفية، بل طال الكتل الاجتماعية الداخلة في بنيتها، أو المنضوية تحت لوائها، فبعض الإخوان باتوا أقل ثقة في قيادتهم، ويحملونها مسؤولية هذا الوضع المزري الذي أصاب الجماعة في مقتل، وهناك من رفضوا الانخراط في العنف الذي تصر القيادة على انتهاجه. وتوجد مجموعات من الشباب أعلنت انشقاقها بالفعل، وخرج كثيرون من “حزب الحرية والعدالة” المنحل، وهو الذراع السياسية للجماعة.

حدث الأمر نفسه بالنسبة للسلفيين، إذ حدث نزاع في صفوفهم، فبعض أحزابهم مثل “الوطن” و”الأصالة” و”الفضيلة” تحالفت مع الإخوان وناصرتهم قبل سقوط حكمهم وبعده، بينما ذهب حزب “النور” في الاتجاه المضاد، على الأقل بالنسبة لقياداته أو موقفه الرسمي. وبقيت قطاعات من “السلفية السائلة” حائرة، متقلبة بين تأييد الإخوان ومعارضتهم والالتزام بالحياد الصامت. لكن في عمومهم لم يعودوا واثقين في قيادتهم مثلما كان قائما بعد فوزهم بالمركز الثاني في برلمان 2012.

خلاصة من بحث عمار علي حسن ‘الإخوان المسلمون والسلفيون والعمق الاجتماعي المصري’، ضمن الكتاب 101 (مايو 2015) ‘الإسلاميون والعمق الاجتماعي في العالم العربي وتركيا’ الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى