الإخوان والغرب… انتاج فاشية جديدة

حاولت جماعة الإخوان المسلمين في مصر أن تثبت لصناع القرار السياسى في واشنطن، أنها وحدها – باعتبارها تياراً إسلامياً معتدلاً- القادرة على التعامل في عالم السياسة ببراجماتيه وفاعلية، وأنها أيضاَ القادرة على توحيد صفوف التيارات الإسلامية اليمينية تحت لوائها، بل حثها على تنفيذ الأجندة الإخوانية نفسها, من دون عناء يذكر، مُذكّرة بذلك واشنطن بالنموذج الإيراني، وأنها علاوة على ذلك قادرة على حشد الملايين من المؤيدين، وأنه لن يعكر صفو عملية تبديل الكراسي مع النظام السابق أي صراعات على مستوى الشارع المصري، وبذلك ضمن الإخوان المسلمون تمكينهم من السلطة في مصر وتونس أولاً، ثم باقي دول المنطقة مستقبلاً مقابل استحقاقات أملتها واشنطن كان على الجماعة تحقيقها والوفاء بها، وعلى رأسها بالطبع حفظ أمن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من خطر الجماعات الجهادية.
انعاش التطرف رسمياً
أسفر هذا الاتفاق في النهاية عن تجميع التيارات الإسلامية المتطرفة في سيناء تحت مظلة تنظيم الإخوان المسلمين، واطمئن الغرب إلى أن الإخوان المسلمين جاهزون دائماً بصفقة يرونها مرضية للغرب مقابل عدم تهديد ما يعتقدون أنه مصالح غربية أساسية، على رأسها الحفاظ على اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية، واستمرار تدفق الطاقة، وانسياب الملاحة في قناة السويس أمام البوارج والسفن الأمريكية والإسرائيلية، مقابل الإبقاء عليهم في السلطة في مصر وتونس، ومستقبلاً في سوريا والأردن.
يمكن فهم الارتباك الذي شاب العلاقات المصرية الخارجية، ولماذا كان الانفتاح المصري على إيران بمثابة فزاعة أزعجت دول الخليج، فإيران تستخدم الدين كأداة قوية في السياسة الخارجية إزاء الدول العربية والخليجية، إذ تنطلق في توجهاتها الخارجية من مشروع توسعي يعيد للأذهان الإمبراطورية الفارسية، بكل ما يتطلبه ذلك من دور أقليمي متزايد، وتوسع على حساب جيرانها من دول الخليج.
أما تركيا الحليف الاستراتيجي لجماعة الإخوان المسلمين والراعي الرسمي لتنظيمها الدولي، فإنها لا تخفي أحلاماً صدرتها إلى جماعة الإخوان المسلمين بإعادة إحياء الخلافة العثمانية التي سقطت منذ قرن تقريباً، وإن كان ذلك بأطر وديناميات جديدة، لتصبح الصورة بالنسبة لدول الخليج كالتالى: إيران وتركيا -ودول جوار جغرافي لها أطماع إقليمية- إذ تمتلك كل منهما مشروعاً توسعياً في المنطقة إلى جانب احتمال تبلور تحالف استراتيجي يضمهما مع إسرائيل، يكون الهدف منه التنسيق الاستراتيجي لاحتواء وتطويق الآثار الإقليمية والعالمية للثورات العربية، ومنع ظهور قيادات وطنية أو نظم مشابهة للنظام المصري بعد ثورة يوليو 1952، فشكلت بذلك إيران وتركيا بتوجهاتهما الدينية فوق القومية رصيداً استراتيجياً للأمة الإسلامية.
إسرائيل تشجيع وتتخوف
بقدر ما كان الموقف الإسرائيلى المساند أو المشجع لصعود الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر متخوفاً، استناداً إلى قناعة مفادها أن العالم الإسلامي بجناحيه الشيعي والسني يمكن أن يشكلا معسكراً معادياً لإسرائيل، وأن الخلاف المذهبي بينهما لن يقف في وجه تعاونهما معاً ضد إسرائيل، إلا أن الرهان على الخط البراجماتي كأحد المكونات الحاكمة لجماعة الإخوان المسلمين قلب الموازين.
هذا إلى جانب أن جماعة الإخوان المسلمين انطلاقا من حرصها على البقاء في السلطة التي سعت إليها لأكثر من ثمانين عاما، من شأنه أن يجعلها تقدم تنازلات كبرى من أجل ذلك، وبالتالي سيكون وجودهم في السلطة مفيداً لإسرائيل، وربما اتضح ذلك خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في نوفمبر 2012 إذ أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كيلنتون تعليقاً على جهود الرئيس المعزول محمد مرسي في تهدئة الأوضاع قائلة: إن الرئيس محمد مرسي قدم أكثر مما نتوقعه منه.
يرصد تقرير لمجموعة الأزمات الدولية الصادر في فبراير (شباط) 2013 أدلة مماثلة على تغييرات طرأت على سلوك جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها ليس في مصر وحدها، بل في تونس أيضا التي يحكمها حزب النهضة الإسلامي، ويقول التقرير: “هناك بعض المؤشرات الخافتة بأن الموقف الدبلوماسي لجماعة الإخوان المسلمين، فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، بدأ يتطور تدريجياً، وقد يصبح أكثر مرونة مما كان عليه الأمر عندما كانت الجماعة في المعارضة، إذ ظهر الرئيس محمد مرسي ينطق علنا اسم إسرائيل مرتين خلال مفاوضات وقف إطلاق النار في شهر نوفمبر2012. يصل هذا التحليل في النهاية إلى أن السياسة الخارجية لنظام الإخوان المسلمين تجاه إسرائيل لم يكن ليطرأ عليها تغييرات جوهرية، وأنه ما دام النظام مشغولاً بالقضايا الداخلية فإنه لا داعي للانشغال بالتوصل إلى تسوية للقضية الفلسطيبنية، ما دام أنه لا يمكن رؤية تهديدات جوهرية حقيقيقة في الأفق، بل وعدم وجود قدرة لدى هذا النظام لممارسة ضغوط تساومية ذات قيمة على إسرائيل.
إلى المخطط الأكبر
بينما كان هذا المخطط الأمريكي على وشك إنجاز كبير، كخطوة أولى في مخطط أكبر يستهدف منطقة الشرق الأوسط برمتها بمساعدة قوى الإسلام السياسي، وعلى رأسه تنظيم الإخوان المسلمين، وهو المخطط الذي وصفه الكاتب المتخصص في شؤون الشرق الأوسط “باتريك سيل” بقوله: “يشهد الشرق الأوسط فترة من عنف وعدم استقرار ااستثنائيين، ويدرك المراقبون الحذرون لهذه المنطقة أن ثمة إعادة هيكلة للعلاقات بين القوى الإقليمية في المنطقة، والتى ستحمل تداعيات جذرية حال تم تنفيذها بنجاح قد تصل إلى حد إعادة ترسيم حدود بعض الدول التي أنشئت منذ قرن تقريباً، عقب سقوط السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى”.
بينما كان هذا المخطط يُجرى تنفيذه على قدم وساق، يأتي تعارض المصالح الوطنية المصرية، والأهداف التي قررت جماعة الإخوان المسلمين تبنيها داخلياً وخارجياً، لتدفع بالدولة المصرية دفعا لاتخاذ موقف داخلي وخارجي مناوئ لأهداف واشنطن وحليفها الجديد في المنطقة، وذلك على المستويين الرسمي والشعبي، إذ تناست واشنطن، وكذلك حركة الإخوان المسلمين، أن ما جاء بها إلى قمة السلطة هو ثورة شعبية كبيرة، وهي نفسها الثورة الشعبية التي أطاحت بها في الثلاثين من يونيو 2013، وأطاحت بأحلامها وبأحلام واشنطن في الوقت نفسه. وجاءت سياسة مصر الخارجية بعد ثورة 30 يونيو 2013، لتنهي الربيع الإخواني مع أمريكا، ولتبدأ بذلك مرحلة جديدة من العلاقات المصرية الخارجية، شهدت انفتاحا مصريا على روسيا -القوة العظمى- التي اتسمت علاقتها مع مصر خلال فترة حكم الإخوان بالبرود واللامبلاة, ذلك البرود الذي بلغ حد الإهانة للرئيس المعزول محمد مرسي في زيارته الوحيدة لروسيا، والذي فشل في التخطيط لإدارة العلاقة بين البلدين بما يخدم الأهداف والمصالح الوطنية المصرية، ليعقبها انفتاح روسي على مصر على المستويين الرسمي والشعبي عقب ثورة 30 يونيو 2013، بما يعيد إلى الأذهان أجواء ما بعد ثورة يوليو 1952 وما شهدته العلاقات المصرية الروسية من حفاوة الاستقبال الرسمي والشعبي للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وبذلك تكون قد وضعت مصر الحلف الأمريكى – الإخوانى ومعهم تركيا وإسرائيل مرة أخرى أمام استحقاق جديد يستلزم منهم إعادة صياغة قوانين اللعبة الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط بما لا يستبعد مصر ودورها الإقليمي الدائم في المنطقة ضمن حساباتها.
وبالعودة إلى المشهد الإقليمي نجد أنه تميز بديناميكية غير مسبوقة فيما يتعلق بتصارع الأحداث وتقلباتها، خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة التي أعقبت ثورتي “الياسمين” في تونس، والثورة البيضاء في مصر (25 يناير)، وهي التغيرات التي وصفها المحللون بأنها حملت شهادة وفاة محوري الاعتدال والممانعة، وتم استبدالهما بما يمكن تسميته “محور الإسلام السياسي” مقابل ما تبقى من محور الاعتدال، ولكن جاء سقوط الإخوان المسلمين في مصر ليعيد خلط وبعثرة الأوراق السياسية مرة أخرى، وأصبح هناك محاولة جديدة لإعادة رسم التحالفات الإقليمية بما يسمح بالحديث عن محور الاعتدال مرة أخرى.
خلاصة بحث سنية البهات ‘السياسة الخارجية لمصر في حكم الإخوان”، ضمن الكتاب 90 (أغسطس 2014) ‘تقييم حكم الإخوان في مصر’ الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.
ميدل ايست أونلاين