الإخوان وبريطانيا.. نهاية «سنوات في الحرام»؟! (جلال عارف)

 

جلال عارف

قرار رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون بفتح تحقيق في أنشطة جماعة "الإخوان" على الأراضي البريطانية هو تطور مهم يعكس المخاوف من إرهاب لم يعد وجهه خافياً على أحد، كما يعكس الاضطراب (البريطاني والأوروبي) في سبل مواجهة هذا الخطر.
العلاقة بين بريطانيا وإخوان الإرهاب قديمة ووثيقة بما يجعل الجماعة (مهما اتبعت من وسائل التخفي) كتاباً مفتوحاً أمام أجهزة الأمن البريطانية. فما الجديد الذي جعل رئيس الحكومة البريطاني يفتح عش الدبابير ويظهر للعلن قلق بلاده من إرهاب يحمل اسم جماعة "الإخوان"؟
وليس مجهولاً أن الجماعة الإرهابية قد نشأت في أحضان بريطانيا وتحت رعايتها. البداية كانت في مدينة "الإسماعيلية" حيث مركز القيادة لجيش الاحتلال البريطاني في ذلك الوقت، وحيث مقر شركة قناة السويس الخاضعة للنفوذ البريطاني والفرنسي وقتها، وقبل أن يؤممها جمال عبد الناصر عام 1956.
ومع بداية الأربعينات بدأت الاتصالات السرية بين "الإخوان" والمسؤولين في السفارة البريطانية لتزداد في بداية الخمسينات.
وفي الوقت الذي كانت المقاومة الشعبية لجيش الاحتلال تبدأ، كان مرشد الإخوان حسن الهضيبي يكتب في صحيفة "الجمهور المصري" في أكتوبر 1951 متسائلاً: هل تظنون أن أعمال العنف ستخرج الإنجليز من البلاد؟ ناصحاً الحكومة بتربية الشعب، ثم مخاطباً بعد ذلك جموع الإخوان قائلاً: اذهبوا واعكفوا على تلاوة القرآن الكريم.
ليرد عليه الكاتب الإسلامي الكبير الراحل خالد محمد خالد بمقال شهير عنوانه: أبشر بطول سلامة يا جورج!!
بعد ثورة يوليو بشهور قليلة، كان الإخوان بقيادة المرشد الهضيبي يبدأون منذ فبراير 1953(أي بعد نصف عام من الثورة) اتصالاتهم السرية مع مسؤولي المخابرات في السفارة البريطانية، وبينما كان قادة ثورة يوليو يخوضون مفاوضات صعبة (يساندها كفاح مسلح ضد جيش الاحتلال) من أجل جلاء القوات البريطانية، كان الهضيبي ومساعدوه يعرضون الارتباط مع بريطانيا بمعاهدات سرية، وكان المرشد يقول لممثلي بريطانيا: إن الشعب الإنجليزي هو أقرب الشعوب إلى الإسلام.
والقصة بعد ذلك طويلة. والاتصالات لم تنقطع حتى الصدام مع عبد الناصر وحرب 1956. ومع تصاعد التآمر ضد مصر في هذه الفترة كان السماح بوجود "الإخوان" رسمياً في بريطانيا مع بداية الستينات.
أجهزة الأمن في بريطانيا كانت تتصرف علي أساس أن إرهاب "الإخوان" وأنصارهم موجه للخارج وليس لأوروبا أو هكذا تقضي الاتفاقات، فقد كان أحد الرهانات في الفترة الماضية أن استيلاء هذه المنظمات (وفي مقدمتها الإخوان) على السلطة في البلاد العربية سوف يبعد شبح إرهابهم عن أوروبا، وسيجعلهم يركزون جهودهم في مناطق النفوذ الجديدة، ثم يدخلون في صراعات دموية فيما بينهم تستنزف قواهم وإن كان الثمن الدمار للدول العربية.
ولهذا كان الموقف الغريب من معظم دول أوروبا التي انساقت وراء أميركا في عدائها لثورة 30 يونيو التي خلصت مصر من كابوس حكم الإخوان الفاشي، ومع ذلك استمرت هذه الدول تدعم "الإخوان" حتى وهي تراهم يشكلون جبهة واحدة مع "القاعدة" وفروعها وتنوعاتها المختلفة التي تمارس أبشع وأحط الجرائم في حق جنود الجيش والشرطة، وفي حق المدنيين.
الآن.. يبدو أن بريطانيا مضطرة لمراجعة موقفها. فالمؤامرة على مصر والعالم العربي قد انكشفت تماماً. والاستمرار في دعم "الإخوان" المتحالفين مع القاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية أصبح يمثل فضيحة أخلاقية وسياسية.
ولعبة تصدير الخطر إلى الدول العربية ترتد على أصحابها خطراً متعدد الجوانب.
وحيث يستمر الدعم الغربي لإخوان الإرهاب وحلفائهم وهم يرتكبون أحط الجرائم في مصر وغيرها من الدول العربية، ويتآمرون على دول الخليج ويتحالفون مع أعداء العروبة، فإن التآمر أصبح من الوضوح بحيث أصبح على كل شركاء المؤامرة أن يستعدوا لدفع فواتير تآمرهم.
وأظن أن الفواتير (الاقتصادية والسياسية) بالنسبة لدولة مثل بريطانيا أمر من الصعب احتماله في هذه الظروف!!
والأخطر أن مناخ التحالف بين دول الغرب والإخوان وحلفائهم من جماعات الإرهاب، كان لابد أن ينعكس على الداخل في هذه الدول
. أجهزة الأمن هناك ترصد الآن شباباً من مواطنيها يرسلهم "الإخوان" وأنصارهم إلى ميادين القتال في سوريا وليبيا وسيناء، وتعرف الخطر من عودتهم بعد ذلك. كما ترصد هذه الأجهزة كيف تحولت "لندن" إلى مركز للتآمر على الدول العربية والحرب على مصر.
وتعرف هذه الأجهزة جيداً أن انتشار اتجاهات التطرف التي يغذيها الإخوان وحلفاؤهم بين أبناء الجاليات الإسلامية والعربية قد بدأ بالفعل في تشكيل خطر داهم على هذه الدول، خاصة أنه يقابله تصاعد في التطرف على الوجه الآخر، وانتشار لأحزاب وجماعات لا تكتفي بالعداء للمتطرفين من الإخوان وحلفائهم، بل يمتد عداؤها لكل العرب والمسلمين، وتتصاعد مطالبها لطرد كل المهاجرين، ولعل الصعود الأخير لليمين المتطرف في الانتخابات البلدية في فرنسا كان جرس إنذار لباقي أوروبا، وفي مقدمتها بريطانيا.
التحقيق المطلوب فيما يبدو يعكس خلافاً في أروقة اتخاذ القرار في بريطانيا (وربما في غيرها) حول إجابة مطلوبة على سؤال جوهري: هل انتهى دور "الإخوان" بعد أن سقطت الأقنعة؟ وهل أصبحوا عبئاً على دول مثل بريطانيا بعد أن ظلوا لسنوات طويلة سلاحاً في يدها ضد الشعوب العربية؟
وهل آن الأوان لمراجعة حقيقية لسياسات وضعت بريطانيا ودول غربية عدة في صف واحد مع "الإخوان" وحلفائهم من عصابات الإرهاب الذي يدعي الغرب أنه يحاربه؟ وهل ستكون نتيجة المراجعة أن يتم تصحيح هذا الموقف الذي تعرف بريطانيا – قبل غيرها – أنها ستدفع ثمنه الفادح.. أم أن العِشرة لن تهون، حتى ولو كانت في الحرام؟!

صحيفة البيان الأماراتية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى