الإسكندرية.. مدينة التاريخ والآثار الغارقة

مدينة الإسكندرية.. ثاني أكبر مدينة في مصر، والمعروفة باسم “لؤلؤة البحر الأبيض المتوسط”، وتمتاز بمناخ معتدل على مدار العام، وتمتدّ حوالي 32 كم (20 ميلاً) على طول ساحل البحر المتوسط في الجزء الأوسط الشمالي من البلاد، وهي أكبر ميناء بحري في مصر، وتخدم نحو 80 في المئة من واردات مصر وصادراتها، وتُعدّ من أكبر المراكز التي تمر من خلالها أنابيب النفط والغاز الطبيعي من السويس إلى الإسكندرية، بالإضافة إلى أنها منتجع سياحي هام في الشرق الأوسط.

وتأسّست الإسكندرية حول بلدة صغيرة قديمة عام 331 ق. م على يد الإسكندر الأكبر، وكانت ثاني أقوى مدينة في العالم القديم بعد روما، وأصبحت مركزاً مهماً للحضارة الهيلينية، وظلت عاصمة الهلنستية والرومانية والبيزنطية والمصرية لما يقرب من 1000 سنة، حتى الفتح الإسلامي لمصر في عام 641 على يد القائد عمرو بن العاص، الذي شرع في تأسيس عاصمة جديدة للبلاد تُسمّى “مدينة الفسطاط”، حيث نقل عاصمة وحكم مصر من الإسكندرية إلى القاهرة.

واشتهرت المدينة بمنارة الإسكندرية (فاروس)، التي كانت واحدة من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، وأيضاً المكتبة الكبرى التي كانت الأكبر في العالم القديم، والتي حلّ محلها مكتبة حديثة.

وفي القرن التاسع عشر أخذت الإسكندرية دوراً جديداً يرتكز على التوسّع التجاري والبحري في مصر، حيث استقر أجيال من المهاجرين من اليونان وإيطاليا وبلاد الشام في المدينة التي أصبحت مرادفاً للتجارة العالمية، لاتصالها البري السهل بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.

واحتلت الإسكندرية مكاناً بارزاً في العمليات العسكرية للحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت على مصر في عام 1798، والتي من خلالها دخل مصر واستقر بها لمدة ثلاث سنوات حتى عام 1801، بعد هزيمة ساحقة لجيش نابليون على أيدي القوات البريطانية في معركة الإسكندرية في 21 مارس/آذار 1801.

وفي عام 1805م بايع المصريون محمد علي باشا كأول حاكم عثماني لمصر، حيث بدأت إعادة بناء الدولة المصرية، وبحلول عام 1850 أصبحت الإسكندرية ومصر بأكملها قطعة من أوروبا.

ونظراً لتكرار الحروب في مدينة الإسكندرية في العصور القديمة، يوجد بالمدينة القليل جداً من الآثار القديمة، والتي غرق الكثير منها في قاع البحر بسبب زلزال شديد ضرب البلاد في عام 365، ويطلق عليها الأثريون “الآثار الغارقة”، كما يوجد “عمود بومبي”، أو “عمود السواري”، ويُعدّ واحداً من المعالم الأثرية القديمة المعروفة التي لا تزال قائمة في الإسكندرية.

ويتكوّن العمود من قاعدة حوالي 30 متراً من الجرانيت الأحمر المصقول، ورمح يصل طوله إلى 27 متراً، وقد تمّ نصب عمود بومبي باستخدام نفس الأساليب التي كانت تُستخدم لإقامة المسلات القديمة.

أيضاً تضمّ الإسكندرية منطقة “سراديب الموتى”، والمعروفة حالياً باسم “كوم الشقافة”، التي يرجع تاريخها إلى العصر الروماني، وتتألف من متاهة متعدّدة المستويات، وتضمّ عشرات الغرف المزيّنة بأعمدة منحوتة وتماثيل، وغيرها من الرموز الدينية المصرية، بالإضافة إلى محاريب الدفن وتوابيت، وكذلك غرفة كبيرة على الطراز الروماني، تمّ تشييدها لجلوس أقارب المتوفى لاسترجاع الذكريات عند الزيارة، وتمّ اكتشاف منطقة “سراديب الموتى” بمحض الصدفة في عام 1800، ومن الحفريات القديمة في الإسكندرية مسرح المدينة القديمة بمنطقة “كوم الدكة”، فضلاً عن بقايا الحمَّامات الرومانية في العصر القديم.

وخلال العقود الماضية بُذلت جهود حثيثة لاستكشاف آثار الإسكندرية من قِبَل اليونانيين، كونها المدينة التي شهدت واحدة من أمجاد تاريخهم الوطني، فضلاً عن سعي اليونانيين للبحث عن قبر الإسكندر الأكبر ولكن دون جدوى.

وكانت تضمّ المدينة “مكتبة الإسكندرية” التي بدأ تشييدها في عهد بطليموس الأول (305-285 ق. م)، حيث أرسل دعوات إلى الحكام والعلماء من كافة دول العالم يطلب منهم المساهمة بالكتب، ووفقاً للمؤرخين كانت توجد غرفة تحتوي على 70 ألف مخطوطة من لفائف ورق البردي، ومع ذلك لا يعرف المؤرخون عدد الكتب التي كانت توجد في مكتبة الإسكندرية القديمة، حيث تصل بعض التقديرات أنها وصلت إلى 500 ألف كتاب، ويُقال إن ماركوس أنطونيوس منح الملكة كليوباترا حوالي 200 ألف كتاب للمكتبة.

وكان يوجد بالمدينة أيضاً معبد “سيرابيس”، حيث كان واحداً من أروع المعالم الأثرية للحضارة الوثنية في العالم خلال هذا التوقيت، يليه معبد “جوبيتر” في روما، ومعبد “البارثينون” في أثينا، وتمّ بناء المعبد على تلة اصطناعية عبارة عن سلم بمائة خطوة، وكان مجموعة هائلة من المباني التي ترتفع على أعمدة ضخمة وأبعاد رشيقة.

وبعد أن كانت الإسكندرية مدينة الرخاء والتعلّم، أصبحت ساحة للخلاف الديني بين المسيحيين والوثنيين، وفي عهد الملك ثيودوسيوس الأول الذي حكم في الفترة من (347-395) شجّع على قيام وانتشار المسيحية، وشرع في هدم وتدمير جميع المعابد الوثنية في الإسكندرية أو تحويلها إلى كنائس، وبحلول عام 400 كانت الإسكندرية في اضطراب ديني مستمر، ومع السنوات بات أصحاب الدين المسيحي أغلبية مطلقة، وتحوّلت الإسكندرية إلى الهوية المسيحية، وفي عام 641 أصبحت المدينة تحت الحكم الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص، وحتى عام 646 باتت مصر بأكملها تحت الحكم الإسلامي.

ويقول د. خالد عز الدين، الخبير الأثري: الإسكندرية تحمل بين الحين والآخر اكتشافات جديدة نسبياً في الميناء الشرقي، مثل بقايا “منارة فاروس”، التي كانت واحدة من عجائب العالم القديم، وتابع: في الجزء الجنوبي الشرقي من ميناء الإسكندرية وجد علماء الآثار أعمدة من الغرانيت والتماثيل الرائعة، بما في ذلك تمثال للملكة إيزيس، وتمثال يُعتقد أنه والد الملكة كليوباترا.

ويوضح أن الإسكندرية كانت تضمّ معظم السكان اليهود، ولكن البعض منهم هاجر إلى إسرائيل بعد حرب 1948، فضلاً عن احتوائها على مناطق لعرض المنتجات، مثل: “سوق المغاربة” الذي يضمّ كل أنواع المنتجات من المجوهرات إلى النباتات الطبية، وأيضاً “سوق ليبيا” الذي يحتوي على الملابس البدوية.

ويضيف: المدينة تضمّ “ميدان التحرير” الذي يُعرف شعبياً بميدان “المنشية”، وكانت المنطقة موطناً للدبلوماسيين ونخبة المجتمع، ومن الميدان أعلن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عن قرار تأميم قناة السويس.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى