الإمارات تُلوِّح بالانضِمام إلى حليفها السعودي في الحرب النفطيّة ضِد روسيا فهل ستكون نتائجها أفضل من حرب اليمن؟
بعد دُخول حرب اليمن عامها السّادس هذا الشّهر (بدأت بعاصفة الحزم في آذار عام 2015)، أعلن الحليفان السعوديّ والإماراتيّ الدّخول سويًّا في حربٍ نفطيّةٍ ربّما لا تقل شراسةً، بهدف توجيه ضربة قاضية مُزدوجة إلى كُل من روسيا التي رفصت الالتِزام باتّفاق “أوبك” بتخفيض الإنتاج بمُعدّل 1.5 مِليون برميل يوميًّا، لرفع الأسعار، وإلى الدول المُنتجة للنّفط الصخري التي غمَرت الأسواق بأكثر من مِليونيّ برميل يوميًّا، ممّا أدّى إلى خفض الأسعار نتيجة حُدوث تُخمَة في أسواق الطّاقة العالميّة.
الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعودي، هو الذي أطلق الشّرارة الأولى والصّاعقة لهذه الحرب، تمامًا مِثلما أطلق الطّائرة الأُولى في حرب اليمن، وقرّر زيادة إنتاج بلاده من النّفط بحواليّ مِليون برميل يوميًّا، بأسعار مُنخفضة بحُدود عشرة دولارات للبرميل، للاستِحواذ على أكبر حصّة في الأسواق العالميّة، لتلحق به دولة الإمارات فورًا، وتُعلَن عبر شركة “أدنوك” “الظبيانيّة” عن زيادة إنتاجها (3 ملايين برميل حاليًّا) بمِليون برميل فورًا في خطوةٍ تضامنيّة تحالفيّة مُفاجئة.
الأمير بن سلمان لجأ إلى استراتيجيّة “الصّدمة” والرّعب التي استخدمها الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في حرب العراق الأُولى عام 1991، لـ”إرهاب” الروس ومنتجي النفط الصخري وآجبارهم على الجُلوس إلى مائدة المُفاوضات وَفق الشّروط السعوديّة.
الاستراتيجيّة نفسها جرى تبنّيها سَعوديًّا عام 2014 وبطلبٍ أمريكي، لإغراق الأسواق بكميّات مِليونيّة من البراميل النفطيّة ولخفض الأسعار وإحداث حالة من الشّلل في الاقتصادين الروسي والأمريكي، ولكنّها أعطت نتائج عكسيّة، حيث انهارت أسعار النّفط، وامتصّت إيران وروسيا الصّدمة، وتجاوز مُنتجو النّفط الصّخري الأزمة بتطوير وسائل الإنتاج والاستِعانة بتكنولوجيا أرخص.
من الصّعب التنبّؤ بنتائج هذه الحرب السعوديّة الإماراتيّة الجديدة، خاصّةً أنّها لم تبدأ إلا قبل يومين فقط، ولكن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّه يستطيع التّعايش مع انخِفاض الأسعار بمُعدّلاتها الحاليّة (30 دولارًا) لعشر سنوات مُقبلة، يُوحي بأنّ قرار روسيا بفك الارتباط مع منظّمة “أوبك” وقرارها الأخير بخفض الإنتاج بمُعدّل 1.5 مليون برميل، كان مدروسًا، وجرى التّحضير له بشكلٍ جيّد مُنذ أشهر، من خِلال تعزيز الاقتصاد الروسي، وتنويع مصادر دخله، وبيع سندات خزانة أمريكيّة وغيرها وشِراء كميّات كبيرة من الذهب، مُضافًا إلى ذلك أنّ العوائد النفطيّة لا تُشَكِّل إلا نسبة محدودة من الدّخل القوميّ الروسيّ (16 بالمئة فقط)، على عكس السعوديّة التي تُشَكِّل العوائد النفطيّة حاليًّا حواليّ 90 بالمِئة من ناتِجها القومي.
الضحيّة الأكبر لهذه الحرب ستكون منظّمة “أوبك”، والشعوب الخليجيّة، والشّعب السعودي بالذّات، لأنّها ستُواجه إجراءات تقشّف صارمة من جرّاء تراجع أسعار الوقود والنّفط وعوائده، تمامًا مِثلَما حدث عام 2014 حيث جرى رفع الدعم عن جميع السّلع الرئيسيّة، وزيادة أسعار الماء والكهرباء والخدمات الأخرى، وفرض ضرائب مِثل ضريبة المبيعات، ورفع العديد من الرّسوم.
الميزانيّة السعوديّة للعام الحالي التي تُقدّر بحواليّ 272 مِليار دولار وهي الأضخم في تاريخ المملكة، جرى وضعها على أساس أسعار نفط فوق الخمسين دولارًا للبرميل وبعجز مِقداره 6 بالمئة، أيّ في حُدود 50 – 60 مِليار دولار، وتحتاج المملكة إلى ارتفاع سِعر البرميل إلى 80 دولارًا لسد هذا العجز كُلِّيًّا، ولكن إذا صحّت بعض التوقّعات بانخِفاض أسعار النّفط إلى 20 دولارًا للبرميل بسبب هذه الحرب، فإنّ العجز قد يرتفع إلى حواليّ 130 مِليار دولار، إن لم يَكُن أكثر.
ما نُريد استِخلاصه من كُل ما تقدّم أنّ الأمير محمد بن سلمان عندما اعتقل الجمعة الماضية أكبر رأسين يُهَدِّدان زعامته في الأسرة الحاكمة السعوديّة، وهُما عمّه الأمير أحمد بن عبد العزيز، الأخ الشّقيق الأصغر لوالده من الجناح السديري، وابن عمّه الأمير محمد بن نايف، وليّ العهد ووزير الداخليّة الأسبق الذي أُطيح به من المنصبين عام 2017، إلى جانب مجموعةٍ من الأُمراء الأقل أهميّة، أقدم على هذه الخطوة كضربة استباقيّة لها عُلاقة مُباشرة بخُططه لإشعال فتيل هذه الحرب النفطيّة، ومُحاولة احتِواء أيّ ردود فعل داخل الأُسرة الحاكمة، والشّعب السعودي لأيّ تبعات “تقشفيّة” يُمكن أن تترتّب عليها.
فالسّلطات السعوديّة، وحسب أربعة مصادر نقلت عنها وكالة “رويترز” العالميّة، طلبت قبل أسبوع من إدارات حكوميّة تقديم مُقترحات تُخفِّض ميزانيّاتها بِما لا يقل عن 20 بالمئة في خطوات تقشّف وخفض النّفقات لمُواجهة الانخِفاض الحاد في أسعار النّفط وفيروس كورونا، وانخِفاض الطّلب الصيني نتيجةً لانتِشاره.
الأمير بن سلمان أحكم قبضته الحديديّة على الحُكم، وأزال تهديد له داخل الأسرة الحاكمة أوّلًا، والشعب ثانيًا، ومن غير المُستَبعد أن تكون هذه الاعتِقالات مُجرّد قمّة جبل الثّلج، وربّما تتبعها اعتِقالات وخطوات أُخرى، فالمسألة مسألة حياة أو موت بالنّسبة له.
حرب اليمن ما زالت مستمرّةً، وتدخل عامها السادس دون حَزمٍ أو حسم، وموازين القِوى فيها على الأرض في غير صالح مُطلِق طائرتها ” إف 16″ الأولى، و”الشرعيّة” التي أرادت “عاصفة الحزم” إعادتها إلى صنعاء، ولهذا فإنّ السّؤال المطروح: كم سيطول عُمر حرب النّفط الحاليّة، وكيف ستكون نتائجها؟
صحيفة رأي اليوم الالكترونية