الابتزاز القضائي الأمريكي للسعودية يبدأ فور انتهاء زيارة الأمير بن سلمان لواشنطن
بعد يومين من اختتام زيارة وصفت بأنها تاريخية للامير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، الى الولايات المتحدة الامريكية ولقائه مع مسؤولين في الإدارة على رأسهم دونالد ترامب، رفعت مجموعة مكونة من 800 شخص من أقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، دعوى قضائية امام محكمة اتحادية في منهاتن (نيويورك) ضد المملكة العربية السعودية بتهمة تمويل تنظيم “القاعدة” والمطالبة بتعويضات مالية ضخمة مقابل ما لحق بهم من اضرار.
وثيقة الادعاء التي تقدمت بها شركة محاماة كبرى نيابة عن اسر الضحايا، وتمثلت في 135 صفحة، اتهمت جمعيات خيرية، وجهات حكومية سعودية، “بإقامة علاقات مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وعلم الحكومة بانتماء ثلاثة من خاطفي الطائرات للتنظيم”.
الفقرة الأخطر في هذه الوثيقة تقول “المملكة العربية السعودية كانت بوجهين، الوجه الأول عندما قدمت نفسها علنا للولايات المتحدة والغرب على انها بلد يقاتل تنظيم “القاعدة” والإرهاب، والوجه الآخر، مثلما هو مفصل في الوثيقة، تقديم مسؤولين سعوديين دعما ماليا كبيرا للتنظيم”.
هذه الدعوى القضائية التي تعتبر الأولى في سلسلة قضايا لاحقة، تأتي في اطار قانون اقره الكونغرس الأمريكي، بمجلسيه الشيوخ والنواب، بأغلبية ساحقة، تحت اسم “العدالة في مواجهة رعاة الإرهاب” او “جاستا”، وتعتمد في ادلتها على تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي (F B I)، وابرزها دعم مسؤولين في السفارة السعودية في المانيا لقائد الهجمات محمد عطا، وتمويل زملاء له في سفارة السعودية في واشنطن، وخاصة سالم الحازمي، وخالد المحضار اللذين شاركا في العملية.
الانطباع السائد في المملكة يفيد بأن تعاقد الحكومة السعودية مع اكثر من 12 شركة علاقات عامة، ورصد عشرات الملايين من الدولارات في هذا الصدد، علاوة على تفرغ السيد عادل الجبير، وزير الخارجية الحالي والسفير السابق لبلاده في واشنطن، لمدة شهرين لإجراء اتصالات بأعضاء الكونغرس على امل شرح وجهة نظر بلاده، ووصول ترامب الى البيت الأبيض، كلها عوامل نجحت في تعطيل هذا القانون، او تهيئة الأرضية اللازمة لادخال تعديلات عليه، لكن هذه الدعوى القضائية اثبتت فشل كل هذه الجهود حتى الآن على الأقل.
السلطة القضائية في الغرب عموما، والولايات المتحدة خصوصا، تتمتع باستقلالية كاملة عن نظيرتها السياسية، وأثبتت هذه الاستقلالية بكل وضوح عندما تحدت الرئيس ترامب، وابطلت مرتين مراسيمه التي أصدرها بمنع مواطنين من سبع دول إسلامية من زيارة الولايات المتحدة، الاصلية منها والمعدلة.
في أمريكا، ودول أوروبية عديدة، هناك شركات محاماة كبرى، تتخصص في رفع دعاوى امام المحاكم نيابة عن “ضحايا”، على أساس قاعدة قانونية تقول (لا ربح للقضية.. لا رسوم” (NO Win.. No FEES)، أي انها تحصل على اتعابها بعد الفوز في القضية والحصول على تعويضات من الجهات المتهمة، ومن المؤكد ان شركة محاماة “كريندلر اند كريندلر” العملاقة تتبع هذه القاعدة القانونية، لان معظم أهالي الضحايا لا يملكون الإمكانيات المالية التي تؤهلهم لتحمل نفقات قضية بهذه الضخامة، وتصل تكاليفها عدة ملايين من الدولارات.
الشركة المذكورة لم تحدد أي سقف للمبالغ التي تطالب بها كتعويضات لموكليها، ولكن يكفي الإشارة الى ان ولاية نيويورك وحدها تقدر خسائرها المادية الناجمة عن تدمير مركز التجارة العالمي، ومبان أخرى، ومصالح تجارية تضررت، بحوالي مئة مليار دولار، وهناك تقديرات غير رسمية تؤكد ان الحجم الكلي للتعويضات قد يصل الى أربعة تريليون دولار، ان لم يكن اكثر.
لا نعرف ما اذا كان الأمير محمد بن سلمان ناقش هذه القضية مع الرئيس ترامب عندما التقاه في البيت الأبيض، ووصف في الاعلام السعودي اللقاء بأنه “تاريخي”، أسس لعلاقة استراتيجية، ولكن ما نعرفه ان ترامب لا يملك أي قدرة قانونية تؤهله للتدخل في الشؤون القضائية الامريكية، تماما مثلما عجز توني بلير رئيس وزراء بريطانيا، ومن قبله سلفه جون ميجور، عن ترحيل المعارضين السعوديين الدكتورين سعد الفقيه ومحمد المسعري، بطلب سعودي مقرون بتهديد بإلغاء صفقة اليمامة للأسلحة التي تقدر قيمتها في حينها بحوالي 70 مليار دولار.
المملكة العربية السعودية تقف حاليا على أبواب عملية “ابتزاز″ مالية مزدوجة، الأولى من الرئيس ترامب الذي يريدها ان تمول مشاريع إعادة بناء البنى التحتية الامريكية، او جزءا منها مقابل مظلة الحماية الامريكية التي تمتعت بها لعقود، والثانية من المؤسسة القضائية الامريكية، على شكل تعويضات مالية ضخمة.
هذه هي ثمرة التحالف السعودي الاستراتيجي مع الولايات لمتحدة المستمر منذ ثمانين عاما على الأقل، خاضت خلالها المملكة كل حروب أمريكا، بما في ذلك في العراق وليبيا وسورية واليمن، وضد الشيوعية في أفغانستان، ودون مقابل.. مع هكذا اصدقاء من يحتاج الى اعداء.
من اين ستسدد المملكة هذه الفواتير في ظل خواء الميزانية، وتبخر معظم الاحتياطات المالية، وتراجع أسعار النفط، وحرب استنزاف في اليمن وسورية؟
الحل قد يكون بيع أصول الدولة وعلى رأسها شركة أرامكو، وربما ما تحت الأرض من احتياطات نفطية.. والله اعلم.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية