بين قوسين

الابهام الضخم …

كنت امزح مع اولادي كلما رأيتهم على أجهزتهم الخلوية.. أقول لهم بصوت عال :

‏اترك هذا الجهاز من يدك وقم .. تحرك .. امشي .. العب رياضة .. امسك كتاباً .. اقرأ .. اذهب مع اصدقائك .. كفى لهواً بلموبايل والعابه التافهة وعوالم افتراضية.. العضو الوحيد الذي يتحرك في جسمك هو هذا الاصبع الصغير ((الابهام )).. .. الوحيد الذي تستخدمه بكثرة ..  سيكبر أكثر من أي من اعضائك وسيصبح ضخماً جدا !!

كنت اتخيل  المشهد وأضحك .. وانا اتخيل العالم كله .. بابهام ضخم .. حتى أنا !!

أضحك .. واستند الى المنطق العلمي الذي يقول: إن العضو الذي لا يُستخدم يضمر .. فتعجبني فكرة ان ما سنراه بالمستقبل .. اجساد صغيرة وابهام ضخم ..

مشهد مضحك حقا  ..مزعج في الوقت نفسه

فمجرد فكرة انني وصلت الى مرحلة هذا التقبل، واستسلمت بأنني لم اعد استطيع أن أتحكم بما  يشاهدون ويقرؤون ويسمعون .. واي مواقع يفتحون .. وما الأفكار والمعلومات والآراء التي تتسرب الى عقولهم ..والتي جعلتني اشعر بالقلق لفترات طويلة .. رغم محاولاتي للتحكم كثيرا بالتوجيه وبالنقاش وبالاقناع .. أو بقطع النت .. ولكنني في النهاية مشيت مع التيار ..

نعم لقد استسلمت وقبلت وصرت اتكل على ما ربيت وزرعت ، فالتحكم والسيطرة والرقابة مستحيلة هذه الايام في ظل واقع العولمة والانفتاح اللا محدود .. انفلاش على كل العوالم هذه الايام فاي شخص وأي فكرة اصبحت عابرة للقارات وقاهرة للمسافات مهما كان تقييمنا لها ورأينا فيها أأعجبتنا ام لا .. وهل تناسب ثقافتنا وأخلاقياتنا أم لا ، فالعالم المفتوح، او بالاحرى المفلوش بكل ابعاده وجوانبه وقصصه وغرابته وشذوذه، أصبح مفتوحاً للجميع  من خلال شاشة الموبايل التي لا تتجاوز أبعادها أحياناً الخمس سنتميترات..

واقع لا نستطيع إنكاره ولا محاربته، والحل الأنسب ان نقبله  ونستوعبه ونجاريه..

نعم .. فمقاومة هذا التيار الجارف ، والوقوف ضد التفاهة المدمرة ، ومحاربة الحريات المفلوشة أصبحت ضرورة لنحافظ على انسانيتنا اولا وأخلاقنا والضوابط التي تحكم علاقاتنا وتنظم حياتنا .. ولكن في نفس الوقت .. احترامنا لحريات الناس جميعاً طالما لا تؤذي حرياتنا وقناعاتنا وسلامنا الداخلي  ..

ولكن ما معنى هذا الكلام الكبير والشعار النظري الصعب …؟؟!!

ببساطة .. ولكن بصعوبة بالغة ايضا يجب عليك أن تحصن نفسك وابنائك من الانجراف والانحدار الى قاع التفاهة ..بأن تزرع بذورا أخلاقية وإنسانية  جيدة .. وتتركه يواجه الحياة بقوة وشجاعة .. وتعتمد على النقاش الحر المفتوح .. والتقبل اللامحدود ..!  هذا دورك وواجبك واستطاعتك .. وأكثر من ذلك .. واي محاولات للسيطرة هي محاولات فاشلة لا شك .. سوف تزعجك وتدمرك لا اكثر ..

التقبل .. واقع .. والتحرر امر لا بد منه .

العولمة واقع .. التقبل حاجة .. والتحرر من فكرة التحكم والسيطرة اصبحت ضرورة

اولادكم ليسوا لكم اولادكم ابناء الحياة ..

ربي .. ازرع بذورا صالحة .. وسلم امرك للحياة ..

وتأكد ان ما زرعته .. سيعطي ثماره .. !!

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى