الاتحاد الأوروبي وأميركا.. لن نترك تركيا “لقمةً سائغة” للرّوس
إنّ اعتماد مراد مرجان سفيراً في واشنطن، قد يكون مؤشراً على احتمالات التباعد بين تركيا وبين طهران وموسكو.
أثبت زعماء الاتحاد الأوروبي في قمّتهم التي فشلت في فرض أيّ عقوباتٍ جديّةٍ وجديدة على تركيا أنّهم لن يتركوا تركيا بإمكانياتها العظيمة في جميع المجالات “لقمةً سائغةً” للعدو التقليدي فلاديمير بوتين.
هذا ما أكّد عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي تهرّب هو الآخر من فرض أيّ عقوباتٍ صارمة (اقتصادياً ومالياً) على تركيا ورئيسها رجب طيب إردوغان شخصيّاً وهو ما كان يهدّد به باستمرار.
كما فاجأ الاتحاد الأوروبي الجميع بقراراته التي لم تتطرّق ولو بكلمةٍ واحدة إلى “انتهاكات حقوق الإنسان والحدّ من الحريّات الديمقراطيّة والقضاء على استقلاليّة القضاء”، وهو ما كان يفعله في قممه السابقة.
وجاء الموقف الأميركي والأوروبي هذا بعد إشاراتٍ مهمّةٍ أرسلها إردوغان لكلّ الأطراف وفيها الكثير من المعاني المباشرة وغير المباشرة لأميركا وأوروبا معاً ومن دون أن يتجاهل “إسرائيل”.
فقد عيّن إردوغان أحد المقرّبين منه وهو آوفوق آولوتاش سفيراً جديداً له في تل أبيب التي سحب منها سفيره السابق في أيار/مايو 2018 عندما أعلنت “إسرائيل” القدس عاصمةً تاريخيّةً ودينيّة لكلّ اليهود. وأثار هذا الاختيار العديد من التساؤلات لأن آولوتاش ليس دبلوماسياً ولكنّه درس في “إسرائيل” وهو مختصٌّ بالتاريخ اليهودي وله علاقاتٌ واسعةٌ مع العديد من المؤسسات والهيئات والشخصيات اليهودية في “إسرائيل” وأميركا وهو خبيرٌ في الشؤون الإيرانيّة أيضاً!
ومعروفٌ عن آولوتاش أنّه صديق الرئيس إردوغان وصديق المتحدّث باسمه إبراهيم قالين، مؤسّس وقف الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA) عام 2005 بتعليماتٍ من أحمد داود أوغلو الذي كان آنذاك مستشاراً لرئيس الوزراء إردوغان.
ومعروفٌ عن ابراهيم قالين أيضاً أنّه متخصّصٌ في تاريخ الأديان، حيث درس في بريطانيا وأميركا، هو والعديد من رفاقه في الرّئاسة التّركية من خرّيجي الجامعة الإسلاميّة الدوليّة في ماليزيا التي خرّجت العديد من القيادات والشخصيات المنتمية إلى الإسلام السياسي في تركيا (وهم في مناصب مهمّة) والعالم، من بينهم داود أوغلو الذي جاء به عبد الله غول وجعل منه مستشاراً في السياسية الخارجية في أوّل حكومةٍ للعدالة والتنمية نهاية 2002.
وأشارت وسائل الإعلام التركية إلى إحدى الوثائق التي سرّبتها ويكيليكس عام 2010 والتي تحدّثت عن علاقة مركز “سترادفورد” الأميركي الذّراع المكشوف للمخابرات الأميركية مع إبراهيم قالين ومؤسّسة SETA التركية التي لها فرعٌ في واشنطن.
وجاء قرار إردوغان بتعيين مراد مرجان، وهو أيضاً من خارج النادي الدبلوماسيّ سفيراً في واشنطن، ليؤكّد رغبته في وضع وتطبيق سياساتٍ جديدة في العلاقة مع أميركا مع أهميّة اللّوبي اليهودي هناك. وتحدّثت المعلومات عن مساعي إردوغان من خلال السفير مرجان لإبعاد واشنطن عن المعارضة التركية التي تحدّث بايدن، بداية العام الجاري، “عن ضرورة دعمها للتخلّص من حكمه الاستبدادي”.
وترى العديد من الأوساط في رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان والرئيس السابق عبد الله غول جزءاً من هذه المعارضة، وسيسعى السفير مرجان إلى إغلاق أبواب واشنطن في وجههم طالما أنّه كان مقرّباً جداً من غول والداعية فتح الله غولن الموجود في أميركا. ويجب التذكير هنا باستقالة أو إقالة وزير الخزانة والمالية برات ألبيراق (صديق جاريد كوشنير) وتعيين لطفي ألوان الذي درس في الجامعة التي تخرّج منها الرئيس بايدن في مدينة ديلاوير وأصبح ممثّلًا عنها في مجلس الشيوخ قبل 35 عاماً.
وتعتبر بعض الأوساط السياسيّة تكتيكات الرئيس إردوغان هذه جزءاً من استراتيجيّته الحقيقيّة التي ترى في واشنطن الحليف الرئيسي، مهما شهدت العلاقات معها انتكاساتٍ في فتراتٍ مختلفة ولأسباب متناقضةٍ لها علاقةٌ بالمصالح المشتركة أو بسياسات أنقرة الإقليميّة والدوليّة تجاه “إسرائيل” بالذات.
وقد بات واضحاً أنّ إردوغان يستعدّ لمصالحتها بعد أن تقوم تل أبيب بتعيين سفيرٍ جديدٍ لها في أنقرة. ويبدو أنّها لا تستعجل ذلك طالما أنّ العديد من الدول العربية وفي مقدّمتها مصر والسعودية وتلك المعنيّة مباشرةً بالقضية الفلسطينية، تتسابق فيما بينها للتطبيع معها، دون أن يكون واضحاً كيف سيتعامل الرئيس إردوغان مع ورقة حماس “الإسلامية” التي لم تحقّق له ولتركيا أيّ مكاسب عمليّة واستراتيجية، بل على العكس، خلقت له العديد من المشاكل في العلاقة مع واشنطن التي لا تخفي أيضاً عدم ارتياحها من التّقارب التركي مع إيران وروسيا.
إنّ اعتماد مراد مرجان سفيراً في واشنطن، قد يكون مؤشراً على احتمالات التباعد مع طهران وموسكو، إذ سبق لمرجان عندما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في البرلمان التركي أن تحدّث “عن تطابق وجهات النّظر التركية مع السياسة الأميركية في سوريا والعراق وإيران مع اختلاف الأساليب” كما قال خلال زيارته لتل أبيب عام 2008 “إنّ النووي الإيراني خطرٌ على تركيا ولا بدّ للعقوبات على إيران أن تكون زجريّةً وحازمة حتى تكونَ مؤثّرة”.
ويرى البعض في أبيات الشّعر التي ألقاها إردوغان في باكو، مؤشراً آخر على الفتور المحتمل مع طهران التي لم تخف انزعاجها من نقل المرتزقة السوريين إلى كاراباخ المجاورة لإيران، كما لم تخف قلقها من حديث بعض أوساط القوميّة التركيّة عن حقوق الآذريين في إيران.
ومن دون الحاجة إلى الإيغال كثيراً في التّاريخ القديم والحديث، يفتخر الإسلاميون الأتراك بموقف السلطان عبد الحميد الذي دافع عن فلسطين، وهو ليس صحيحاً تماماً، فالجميع يتذكّر كيف أنّ الإسلاميّين كانوا دائماً ضد القضية الفلسطينية بذريعة “يساريّة عرفات ومنظّمة التحرير”.
ويتذكّر هؤلاء أيضاً أنّ تركيا هي أوّل دولةٍ إسلاميّةٍ اعترفت بالكيان الصهيوني في نيسان/أبريل 1949 وإردوغان هو الذي طلب من حماس إغلاق مكاتبها في دمشق، فخرجت مع بعض المجموعات الإرهابية ضد سوريا، ومعها أنظمة الخليج التي تلهث الآن خلف رضا أميركا و”إسرائيل”. وبات واضحاً أنها ومعها العواصم الأوروبية، لا ولن تترك تركيا “لقمةً سائغة” لروسيا، شريطة أن يُثبت إردوغان لها جميعاً أنّه حليفٌ موثوقٌ به وأنّ كلّ ما قام ويقوم به في سوريا أو ليبيا أو العراق وأيّ مكانٍ آخر، لا يتناقض مع مصالحها.
هذا ما سيراقبه الأوروبيون، وكما قالوا مع الأميركيين حتى آذار/ مارس القادم، وإلاّ فإنّهم “سيكشّرون عن أنيابهم وهي اللّغة التي يفهمها إردوغان”، والقول هنا للمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري الذي كان سفيراً لبلاده في أنقرة لسنواتٍ طويلة كانت كافيةً لمعرفة حقيقة هذا البلد المهم الذي يحكمه إردوغان بمفرده منذ 18 عاماً، كانت كافيةً هي أيضاً لإيصال تركيا ومعها المنطقة إلى ما هي عليه الآن!
الميادين نت