
أشارت التقارير في الأيام الماضية إلى وجود خطط لتوقيع اتفاقية بين إسرائيل وسوريا تركز على القضايا الأمنية، وذلك في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد أكد الرئيس السوري هذا الأمر علنا في دمشق الأسبوع الماضي خلال لقائه مع صحافيين عرب، مشيرا إلى وجود فرصة قوية لإبرام مثل هذه الاتفاقية. وفي الوقت ذاته، زار المبعوث الأميركي توم باراك إسرائيل والتقى بالقيادة الإسرائيلية، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة تشجع إسرائيل على المضي قدما، بما في ذلك باتجاه الساحة اللبنانية.
وتأتي تلك التقارير على الرغم من شن إسرائيل غارات متكررة خلال الأشهر الماضية، كان آخرها مساء الاثنين، استهدفت خلالها محيطي مدينتي حمص واللاذقية.
وستقتصر الاتفاقية، في حال توقيعها، على المسائل الأمنية فقط. فمن وجهة نظر دمشق، تهدف الاتفاقية إلى إعادة إسرائيل إلى خطوط فصل القوات لعام 1974. وقد أوضح الرئيس الشرع أن هذه الاتفاقية لا تعد معاهدة سلام، لأن مرتفعات الجولان لا تزال تحت الاحتلال، رغم تأكيده أنه لن يتردد في المستقبل في قبول أي اتفاق سلام يخدم مصلحة الشعب السوري والمنطقة. وهذا يشير ضمنا إلى أن الوقت لم يحن بعد، لا لسوريا ولا لإسرائيل.
وسيتناول الاتفاق المحتمل، إلى جانب قضايا أخرى، ملفين رئيسين يهيمنان حاليا على المسار السوري الإسرائيلي.
القضية الأولى تتعلق باتفاقية فصل القوات لعام 1974، حيث يسعى الشرع إلى إعادة التأكيد عليها وضمان انسحاب إسرائيل إلى الخطوط التي تم الاتفاق عليها. وسيشكل ذلك اعترافا عمليا ورسميا بالسيادة السورية، مما يعزز شرعية حكم الشرع. في المقابل، ستسعى إسرائيل إلى حماية مصالحها الأمنية عبر الإصرار على إجراءات نزع السلاح، وضمان قدرة النظام السوري على فرض سلطته بفعالية. ومن المرجح أن تطالب إسرائيل بتطبيق الاتفاق على مراحل قبل العودة الكاملة إلى خطوط عام 1974، للتحقق من التزام سوريا. وقد يقبل الشرع بهذا النهج. وربما تصر إسرائيل على الاحتفاظ بجزء من الأرض، مثل منطقة جبل الشيخ، لفترة زمنية محددة، لضمان حماية مصالحها، كجزء من تنفيذ تدريجي أو تعديل حدودي.
القضية الثانية تتعلق بالوضع في السويداء وحماية الأقلية الدرزية، وهو ملف أكثر تعقيدا. تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على علاقاتها المميزة مع الطائفة الدرزية، بالنظر إلى روابطها الخاصة بدروز إسرائيل. كما تسعى إلى تأمين نفوذها على دمشق، وكذلك على أنقرة، في إطار التنافس على النفوذ داخل سوريا. في هذا السياق، يواجه الشرع هامش مناورة ضيقا، إذ لا يمكنه أن يظهر بمظهر المفرط بالسيادة السورية، سواء من خلال السماح بممر إنساني كما طُرح، أو عبر قبول تدخل إسرائيلي علني في توازن القوى بين النظام والأقليات. لذا ستكون هناك حاجة إلى صيغ مبتكرة وترتيبات دقيقة تقوم على توازن مدروس في الأخذ والعطاء.
يعتمد كل من الطرفين على ما يملكه من أدوات ومكاسب في المفاوضات. فإسرائيل تستند إلى تفوقها العسكري على الأرض، الذي يتيح لها الاحتفاظ بأراض سورية ولبنانية بدعم أميركي، وتتصرف من منطلق أنها قادرة على فرض شروطها في الساحتين. كما تسعى إلى ضمان تمكين الشرع من تثبيت نظامه، وتبديد الشكوك حول توجهاته السياسية، والحد من النفوذ التركي.
في المقابل، يستفيد الشرع من الدعم الواضح الذي يبديه المجتمع الدولي لرؤيته. وقد عبر علنا عن استعداده للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، شرط أن يخدم مصالح الشعب السوري. كما يتبنى خطابا منفتحا وبناءً تجاه لبنان، ويصور العلاقات الثنائية على أنها علاقات بين دولتين تتمتعان بالسيادة، بما يوحي بأن نجاحه ستكون له انعكاسات إيجابية على الساحة اللبنانية أيضا، وهو ما يتعين على إسرائيل أخذه في الحسبان.
أما الولايات المتحدة فقد كثفت جهودها ورفعت مستوى التوقعات. وتشير رسائلها الأخيرة إلى إسرائيل إلى أنها تتوقع منها استجابة ملموسة للتطورات الإيجابية في سوريا ولبنان. ويتضح اهتمام واشنطن باستقرار حكم الشرع، كما أن لديها دافعا قويا لدفع توقيع اتفاقية أمنية إسرائيلية-سورية يمكن للرئيس ترمب تقديمها كإنجاز دبلوماسي. وينطبق المنطق ذاته على لبنان، إذ ترى واشنطن أن التوجه اللبناني المعلن نحو نزع سلاح “حزب الله”، وإن لم يبدأ تنفيذه بعد، يتطلب من إسرائيل خطوة مقابلة. قد تتمثل هذه الخطوة في انسحاب من بعض المواقع في جنوب لبنان أو في ضبط أكبر للعمليات العسكرية هناك. وتشير التصريحات الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء في القدس إلى أن الرسالة الأميركية وصلت بوضوح.
من الحكمة أن تمضي إسرائيل قدما في المسار الدبلوماسي المتاح أمامها الآن. إذ يزداد الاعتقاد بأن سياستها تقوم على استراتيجية إضعاف سوريا، مقابل تشدد مفرط تجاه لبنان. ومن الواضح أن فك الارتباط بين الحرب المستمرة في غزة والجبهة الشمالية يشكل إنجازا للأطراف الثلاثة: إسرائيل وسوريا ولبنان. ومع ذلك، فإن الهجوم المحتمل على غزة قد يعقد المشهد الإقليمي. كما أن ترسخ صورة الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة قد لا يخدم مصالح إسرائيل على المدى الطويل. لذا من الضروري أن تواصل إسرائيل تحركاتها الدبلوماسية باتجاه سوريا ولبنان.
مجلة المجلة اللندنية