الاتفاق الروسي-الأمريكي حول سوريا.. بارقة أمل دونها شياطين التفاصيل

يمهد الاتفاق الروسي-الأمريكي حول وقف إطلاق النار في سوريا الأجواء لإطلاق عملية سياسية، لكن شياطين التفاصيل تحتاج إلى عمل مكثف حتى لا يتعرض الاتفاق لنكسات كبيرة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أشار إلى أن الاتفاق يمثل خطوة حقيقية نحو إيقاف حمام الدم في سوريا، وأنه يمكن أن يكون نموذجا للعمل المشترك ضد الإرهاب، كما يمكن أن يغير وضع الأزمة السورية بشكل جذري. ولا شك في أن توافق واشنطن وروسيا يعَـدُّ الخطوة الأولى المهمة من أجل وضع حد للحرب المدمرة، التي تشهدها سوريا منذ سنوات.

بارقة أمل

ويعد اتفاق الهدنة بارقة أمل لبدء حل سياسي للأزمة، والتركيز على محاربة الإرهاب، واجتثاث تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة” من سوريا. ويمثل الاتفاق نموذجا لتحرك القوى العظمى بالاعتماد على الحوار والقانون الدولي، وعدم التفرد في اتخاذ أي إجراءات لا تستند إلى تفويض أممي.

ومؤكد أن الاتفاق يستمد قوته من موسكو وواشنطن، اللتين توصلتا إليه؛ وفي الوقت نفسه فإنه يمثل، على حد سواء، اختبارا للقوى الإقليمية الداعمة للمعارضة، والحكومة السورية.

ومن الواضح أن اتصالات موسكو المكثفة في اليومين الأخيرين كانت تهدف إلى الحصول على ضمانات إقليمية لتنفيذ الاتفاق؛ فالرئيس بوتين أجرى شخصيا اتصالات مع العاهل السعودي والأمير القطري، وأجرت الخارجية الروسية اتصالات مكثفة مع الجانبين الإيراني والسوري؛ ومن المتوقع أن يوفد الرئيس السوري بشار الأسد مبعوثا شخصيا للوقوف على تفاصيل الاتفاق.

وبعيداً عن الحرب الإعلامية، فإن حدة التصريحات السعودية والقطرية والتركية خفت كثيرا في الأيام الأخيرة، كما توقف الحديث عن تزويد “المعارضة” بمضادات جوية أو أسلحة نوعية، أو تدخل بري إلا بموافقة دولية وضمن تنسيق مسبق.

ومن الطبيعي أن يتمتع الاتفاق الأمريكي الروسي بحظوظ أكبر بكثير من اتفاقات سابقة لوقف إطلاق النار رعتها الجامعة العربية والأمم المتحدة. لكن عقبات كثيرة قد تعطل الهدنة المؤقتة لمدة أسبوعين، وتحوُّلَها إلى وقف دائم لإطلاق النار يستثني “داعش” و”النصرة”.

مواقف الأطراف الإقليمية

ونظرا للتدخلات الإقليمية الكبيرة، وتحول سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة بين أطراف إقليمية عدة، فإن مواقف تركيا وإيران والسعودية تلعب دورا مهما في تحديد مصير الهدنة، ويمكن أن تعطل تنفيذها. وقد يكون الجانب التركي هو الخاسر الأكبر في حال وقف “الأعمال العدائية” والتركيز على محاربة “داعش” و”النصرة”؛ فهو مع قطر من داعمي “الجبهة” الأساسيين. كما أن أنقرة لا يمكنها القبول باستمرار سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، التي يشكل الأكراد عمودها الفقري، على مساحات واسعة من الشريط الحدودي، يمتد من الحسكة إلى الفرات، ويقطعه جزئيا وجود الفصائل المدعومة منها في مناطق غرب الفرات شمال حلب.

ومعلوم أن القوات الحكومية السورية وحلفاءها تمكنوا بمساعدة الغارات الروسية من السيطرة على مناطق واسعة في الريف الشمالي لمحافظة اللاذقية، حيث كان التركمان يحاربون في صفوف قوات المعارضة.

ويثير صمت السعودية، وعدم ترحيبها بالاتفاق، أسئلة حول موقف الرياض من الهدنة والعملية السياسية، خاصة أنها ما برحت تشدد على أنْ لا دور للرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية ومستقبل سوريا.

وبنظرة أولى، تبدو إيران مرتاحة للاتفاق؛ فهو لا يختلف كثيرا عن طرحها في مبادرة لوقف إطلاق النار ومحاربة الإرهاب والبدء بحوار سوري–سوري، للتوصل إلى حل سياسي. ولكنها، حسب مراقبين، قد لا تكون راضية عن التوافق الأمريكي الروسي، لأنه يجعل دورها ثانويا، وغير مقرر في تطور الأحداث مستقبلا.

مواقف الحكومة وقوى المعارضة

وداخليا، ستكون للجيش السوري وحلفائه اليد العليا بعد التقدم الكبير في ريف درعا، وغوطة دمشق الغربية، والقنيطرة، وشمال اللاذقية، وحلب. لكن الحكومة السورية كانت تفضل أن تُحكم الحصار على الجزء الخاضع لفصائل مسلحة في مدينة حلب، ما يمنحها أفضلية أكبر على الأرض. ومؤكد أن غياب تفاصيل الاتفاق فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية أمر يهم دمشق، بخاصة مع التصريحات الأخيرة الصادرة من موسكو حول ضرورة التنسيق، وتنفيذ التوافقات في شأن وقف إطلاق النار، والبدء بعملية سياسية للخروج من الأزمة.

وتجد الفصائل المسلحة نفسها مجبرة على تجرع الاتفاق بعد خساراتها الميدانية الكبيرة، وعدم حصولها على دعم عسكري من الأطراف الداعمة لها، لصد هجوم “قوات الحماية الكردية” والجيش السوري والقوات الرديفة له، ما ضيق الخناق عليها في أكثر من منطقة، وقد يجبرها ذلك على القبول بالعودة إلى طاولة المفاوضات من دون شروطها المسبقة حول الفترة الانتقالية، أو تنفيذ البندين 12 و13 من قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

صعوبات عملياتية

وعلى الصعيد العملياتي، فإن اتفاق الجانبين الروسي الأمريكي على اقتصار العمليات العسكرية على “داعش” و”النصرة” والتنظيمات الإرهابية، التي يحددها مجلس الأمن، وفتح خط ساخن بين مسؤولي البلدين.. كل ذلك يعد خطوة مهمة؛ لكن الاختلاف لا يزال قائما حول تصنيف التنظيمات الإرهابية مع غياب قرار أممي بذلك. ما قد يفتح المجال أمام خلافات مستقبلية حول أهداف القوتين العظميين والقوى السورية المتصارعة على الأرض. فالحكومة السورية تصنف في خانة الإرهاب كل من حمل السلاح، فيما ترى الجماعات المسلحة المعارضة استهداف قوى داعمة للقيادة السورية مثل: “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني والمتطوعين العراقيين هدفا مشروعا لها.

ومن المستبعد أن تجد روسيا والولايات المتحدة، وأي قوات ترغب في محاربة “داعش”، صعوبة في ذلك؛ نظرا لأن غالبية المناطق، التي تسيطر عليها، واضحة ومحددة في منطقة الجزيرة شمال شرق سوريا وريف حلب الشرقي، وتقتصر تداخلاتها على مناطق محدودة في ريفي حمص الشرقي والجنوبي مع الفصائل المسلحة، بالإضافة إلى “جبهة النصرة”.

وفي المقابل، فإن استهداف “جبهة النصرة” ليس بالأمر السهل؛ نظرا لتداخل مناطق نفوذها مع مجموعات مسلحة أخرى في إدلب وريفها، وغرب حلب، كما أنها توجد بشكل أقل في ريفي درعا والقنيطرة.

تقاسم تجرع السم للخروج من الأزمة

وبالرغم من تعقيدات المشهد السوري، فإن التوافق الأمريكي الروسي على وقف إطلاق النار قد يكون فاتحة لوقف الحرب في سوريا. وتأمل موسكو في أن يكرر الاتفاق تجارب ناجحة سابقة، مثل: حل قضية الكيماوي السوري في 2013، والملف النووي الإيراني.

ولا شك في أن الاتفاق يمثل بارقة أمل للشعب السوري، الذي اكتوى بنار الحرب، وذاق مرارة فقدان الأهل وظل الوطن، وعاش تجربة اللجوء الصعبة. ولكن تنفيذ الاتفاق يحتاج إلى تعاون إقليمي كبير، وقناعة لدى جميع الأطراف السورية المتحاربة بضرورة تقاسم تجرع السم من أجل مستقبل سوريا، والمحافظة على ما تبقى منها.

روسيا اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى