الاحتلال مزّق القطاع إلى 4 أقسام، ولكل منطقة معبرها الخاص
رغم عدم إعلان الاحتلال الإسرائيلي خطته النهائية لليوم التالي للحرب على غزة، إلا أن تحركاته تكشف عن تقسيم قطاع غزة إلى محاور برية، لكل قسم معبره الخاص، في خطوة من شأنها تعزز التوجه إلى حكم عسكري إسرائيلي للقطاع.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” ذكرت في 29 يونيو/حزيران الماضي، أن من بين الخطط التي ناقشتها الحكومة الإسرائيلية هي “خطة الفقاعات” والتي تهدف إلى إنشاء مناطق منفصلة عن بعضها يسهل السيطرة عليها تضم فلسطينيين غير مرتبطين بحركة حماس.
لكن هذه الخطة، والواقع الذي طبقه الاحتلال من خلال تقسيم القطاع حتى اللحظة إلى أقسام، يذكرنا بـ”خطة الأصابع” لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرائيل شارون، والتي على إثرها أنشأت المستوطنات والمحاور التي قسّمت القطاع حتى الانسحاب الإسرائيلي عام 2005.
ما هي خطة الأصابع؟
في العام 1971، عرض شارون عندما كان قائداً للقطاع الجنوبي في الجيش الإسرائيلي، “خطة الأصابع” أمام اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان في عهد حكومة غولدا مائير، وكانت تهدف إلى إحكام السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة.
ووقف شارون فوق الكثبان الرملية التي أقيمت عليها “مستوطنة نتساريم” لاحقاً، وشرح وجهة نظره القائمة على ما أسماه “القضاء على الإرهاب” يتطلب ثلاثة عناصر ضرورية وهي:
- التفوق العسكري.
- الاستيطان اليهودي.
- إعادة تأهيل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
وتضمنت تلك الخطة القديمة (خطة الأصابع) تقسيم قطاع غزة إلى أربعة أجزاء، تأتي على شكل خمسة أصابع من الشمال إلى الجنوب.
ووفق خطة الأصابع، فإن الإصبع الأول في شمال قطاع غزة يتشكل من خلال ثلاث كتل استيطانية هي: (إيلي سيناي، ونيسانيت، ودوغيت)، وكان هدفها “توسيع عسقلان” حتى حدود بيت حانون.
أما الأصبع الثاني حسب خطة الأصابع، يتمثل بإنشاء “محور نتساريم” حتى منطقة “ناحل عوز”، بحيث يفصل مدينة غزة عن مخيمات وسط القطاع.
والأصبع الثالث حسب خطة الأصابع، هو “محور كيسوفيم” الذي يفصل منطقة دير البلح وباقي مخيمات وسط القطاع، عن مدينتي خانيونس ورفح.
وأقيم على الأصبع الثالث، المستوطنات في جانبه الغربي، والتي كانت تعرف بالكتلة الاستيطانية “كفار داروم” وتجمعات “غوش قطيف” قبل الانسحاب من القطاع عام 2005.
والأصبع الرابع في خطة الأصابع، يمتد ما بين خانيونس ورفح عبر “محور صوفا”، الذي أقيم عليه العديد من المستوطنات جنوبي “غوش قطيف”.
أما الأصبع الخامس في خطة الأصابع، وهو الذي يفصل بين مدينة رفح وشبه جزيرة سيناء، وعقب “اتفاقية السلام” بين إسرائيل ومصر عام 1979، تم إنشاء محور فيلادلفيا بين قطاع غزة ومصر.
هل يطبق الاحتلال خطة الأصابع بغزة؟
بدأ الجيش الإسرائيلي فعلياً خطة تقسيم القطاع منذ الأسابيع الأولى للحرب على القطاع، فيما أكدت صحيفة “هآرتس”، نية إسرائيل إعادة احتلال القطاع عقب تقسيمه إلى 4 محاور منفصلة عن بعضها.
واستعرضت الصحيفة المحاور الأربعة التي اكتمل جزء منها، وتشبه إلى قدر كبير “خطة الأصابع”، وشكل قطاع غزة ما قبل الانسحاب عام 2005.
أولاً: محور نتساريم
أنشأ الاحتلال “محور نتساريم” الذي يفصل محافظة الشمال ومدينة غزة عن بقية وسط وجنوب القطاع، والذي كان يُشكِّل الأصبع الثاني لـ”خطة الأصابع” لشارون.
ومنذ التوغل الإسرائيلي بالقطاع، قام الجيش الإسرائيلي بتحويل “نتساريم” إلى ممر عرضه 8 كيلومترات وطوله 7 كيلومترات، وتبلغ مساحته 56 كيلومتراً (15% من مساحة القطاع برمته).
وخلال الأسابيع الماضية، كشفت وسائل إعلام عبرية عمليات توسيع وبناء المحور، حيث تم تشييد طرقات ومواقع عسكرية وتزويده بأنظمة اتصالات وخطوط مياه وكهرباء ومعتقلات ومرافق سكنية للجنود مما يشي بتأسيس لوجود استيطاني مستقبلي داخله.
ويحتوى “نتساريم” على “معبر 96” الذي افتتحه الجيش في مارس/ آذار الماضي تحت إطار الأغراض الإنسانية، لكن منذ تأسيسه لم يُستخدم لأجل ذلك إلا مرات محدودة.
ثانياً: محور فيلادلفيا
وفي مايو/ أيار 2024، اجتاح الجيش الإسرائيلي مدينة رفح جنوبي القطاع، وسيطر على معبر رفح ومحور فيلادلفيا، وعزل القطاع عن العالم الخارجي، بشكل مشابه لـ”الأصبع الخامس” من خطة الأصابع.
بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الجيش منذ بداية احتلاله للمحور شرع بأعمال توسعة وشيّد طرقاً سريعة ومواقع عسكرية ونقاط مراقبة.
كما دمّر من أجل توسعة المحور أجزاء واسعة من مدينة رفح جنوب القطاع، واستدعى شركات إسرائيلية مدنية لإزالة الركام بعد عمليات نسف يومية يقوم بها لتوسيع المنطقة العازلة الخاصة بالمحور.
ويمتد “فيلادلفيا” على طول 14 كيلومتراً، وزعمت تل أبيب أن سبب سيطرتها على المحور والإصرار على البقاء فيه “منع عمليات تهريب السلاح إلى الفصائل الفلسطينية التي كانت تتم عبر شبكة أنفاق ضخمة بنيت أسفل المحور”.
ثالثاً: محور مفلاسيم
ومع اجتياح شمال قطاع غزة في عملية ما زالت مستمرة منذ أكثر من 50 يوماً، قام الاحتلال الإسرائيلي بتهجير السكان قسراً، وسط عمليات نسف وتفجير وتجريف لمنازل المواطنين في بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا.
وأظهرت وسائل إعلام إسرائيلية في 10 نوفمبر/ تشرين الأول الجاري، خريطة جديدة تظهر شق محور جديد يفصل بين محافظة شمال قطاع غزة ومدينة غزة.
ويُطلق على المحور اسم “مفلاسيم” ويبدأ من أقصى شرق بلدة جباليا ويصل إلى ساحل البحر المتوسط أقصى غرب بلدة بيت لاهيا.
وجاء إنشاء المحور، بعد أسابيع من الترويج لـ”خطة الجنرالات” التي تهدف لتفريغ شمال قطاع غزة من الفلسطينيين، تمهيداً لعودة الاستيطان إليه، رغم أن الجيش الإسرائيلي يزعم عدم تنفيذه الخطة.
وفي 11 نوفمبر/ تشرين الأول الجاري، كتب المعلق العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل مع زميله ينيف كوفوفيتش أن “الجيش الإسرائيلي يتنصل من العلاقة مع خطة الجنرالات، التي حظيت بانتقاد دولي، لكنه في الواقع ينفذ جزءاً كبيراً منها”.
وخلص المعلقان إلى أن “الواقع على الأرض يدل على أن الجيش الإسرائيلي ينفذ عملية تقسيم لشمال القطاع قسمين، في المرحلة الأولى قسم كل القطاع قسمين في منطقة ناحل عوز (عبر محور نتساريم). والآن القسم الشمالي يقسمه الجيش قسمين. لا يسمح للسكان بالعودة إلى المناطق التي تم إخلاؤها، وحتى في المناطق التي انتهت فيها نشاطات الجيش الإسرائيلي”.
إلى ذلك قام الاحتلال الإسرائيلي بتشكيل منطقة عازلة على امتداد المنطقة الشمالية لبيت حانون وبيت لاهيا، بما يمثل الأصبع الأول لخطة الأصابع.
رابعاً: محور كيسوفيم
في 12 نوفمبر/ تشرين الأول الجاري أعلن جيش الاحتلال إعادة فتح معبر كيسوفيم بعد إعادة تأهيله فنياً ولوجستياً لإدخال مساعدات إلى جنوب القطاع.
وكان معبر كيسوفيم محورا مركزياً لمستوطني مستوطنة “غوش قطيف” التي كانت جنوب القطاع، لكن أُغلق منذ انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005.
ورغم أن ما يجري بالقرب من كيسوفيم يشير إلى أن مشروع تطهير المنطقة لم ينتهِ بعد، جاء الإعلان الإسرائيلي لفتح المعبر الذي يغذي المحافظة الوسطى بالمساعدات الإنسانية.
بحسب صحيفة “هآرتس”، فإنه بهذه المرحلة، لا يُعد هذا الطريق سوى طريق قصير وضيق ينتهي بمنطقة تجمع غير كبيرة، ولكن وفقاً لمسؤولين ميدانيين، فإن هذا المكان أيضاً يُخطط الجيش الإسرائيلي فيه لتحقيق هدفه ليشبه إلى حد ما “محور فيلادلفيا”.
حيث سيصبح محور تقطيع رابع يضاف إلى “مفلاسيم” و”نتساريم” و”فيلادلفيا”، وما يعزز من هذه النظرة أن الجيش الإسرائيلي نفذ خلال الأشهر الماضية هجمات جوية مكثفة وعمليات عسكرية برية واسعة في المنطقة المقابلة لمعبر “كيسوفيم” ضمن خط متعرج وصولاً إلى شاطئ البحر غرباً، ودُمرت غالبية المنازل في المحور الذي كان يشكل “الأصبع الثالث” من خطة الأصابع.
وعقب اكتمال المحاور الأربعة، فإن أكثر من 2 مليون فلسطيني سيتوزعون على شكل فقاعات أو جيوب في المناطق المحدودة المتبقية داخل القطاع، ولن يتمتعوا بحرية التحرك خارج فقاعاتهم بسبب التقسيم الإسرائيلي.
لكل قسم معبره الخاص
ووفقاً للتقسيم الإسرائيلي، فإن عدد المعابر التي يدخل الاحتلال من خلالها المساعدات الإنسانية الشحيحة، بلغت 3 معابر بالإضافة إلى معبر رابع يجري الحديث عن إمكانية فتحه بالفترة المقبلة، والمعابر هي:
- معبر “إيرز الغربي” والذي يقع شمال غرب شمال قطاع غزة الذي يمثل القسم الأول من القطاع، وافتتحه الاحتلال في مايو/ أيار 2024.
- معبر كرم أبو سالم، والذي يقع جنوب شرقي قطاع غزة، على بعد 4 كيلومترات إلى الغرب من رفح.
- معبر كيسوفيم والذي يقع شرق مدينة دير البلح، وأُعيد فتحه قبل أيام بعد إغلاق منذ عام 2005.
- معبر كارني التجاري، والذي يقع شرق مدينة غزة التي تم فصلها عن محافظة الشمال عبر “محور مفلاسيم”، وعن المحافظة الوسطى عبر “محور نتساريم”.
وكشف موقع “وللا” العبري مؤخراً، عن رسالة إسرائيلية إلى الولايات المتحدة، تعهدت فيها بإعادة فتح معبر كارني “المنطار” شرق مدينة غزة لإدخال المساعدات إلى الفلسطينيين، والذي تم إغلاقه عام 2005.
هل يفكر الجيش الإسرائيلي بمغادرة غزة قريباً؟
بينما ذهبت صحيفة “هآرتس” بأن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب قبل العام 2026، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أخرى أنه وفقاً لتحليل نشاطه وأماكن تمركزه بالقطاع، فإنه لن يغادر في السنوات القليلة المقبلة.
حيث ذكرت القناة 12 العبرية، أنه من الناحية العملياتية ينتشر الجيش حاليًا حول القطاع، وفي مناطق واسعة داخله عبر مناطق عازلة، ويبدو أنه تم اتخاذ قرار بالبقاء لفترة غير محدودة بهذه المناطق.
وأوضحت القناة الإسرائيلية أن تل أبيب أمام سيناريوهين في قطاع غزة:
- حكم عسكري إسرائيلي، وهو سيناريو فعال من الناحية التكتيكية، ولكنه مكلف من حيث الميزانية وتخصيص الأفراد.
- فوضى متعمدة، (استمرار الوضع القائم عملياً)، لا تعيد فيه إسرائيل احتلال القطاع.
من جانبها قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إن المؤسسة الأمنية بدأت في الأيام القليلة الماضية العمل بنشاط مع شركات خارجية خاصة بشأن مسألة المساعدات الإنسانية في قطاع غزة.
وتابعت بأن الأمر يتعلق أيضا بالانتقال إلى تعميق الجيش الإسرائيلي سيطرته على الأراضي في القطاع وتوسيع المحاور التي يسيطر عليها، وإنشاء ما يشبه “المواقع العسكرية” بهدف تطبيق الحكم العسكري ميدانياً.
عربي بوست