الاخضر الإبراهيمي ومهمته الصعبة (ابراهيم يسري)

 

ابراهيم يسري

الأخضر الإبراهيمي شخصية سياسية عربية ودولية مرموقة وتتمتع بثقة المجتمعين العربي الدولي، ولذلك قوبل ترشيحه بالترحيب والرضا كمبعوث للجامعة العربية والأمم المتحدة للبحث عن حل عاجل وناجز للجريمة الكبرى التي تجري على أرض سوريا قلب العروبة النابض . ولا شك في أن الإبراهيمي سيكتسب المزيد من المعرفة والتعاون من الدكتور نبيل العربي كأمين عام للجامعة العربية وهو دبلوماسي مرموق يتمتع بخبرة سياسية وقانونية متعمقة ، أقول هذا عن ثقة وعن معرفة لأنني سبق أن عملت مع الإبراهيمي كوزيرخارجية الجزائر عندما كنت سفيرا لمصر بالجزائر، كما عملت مع نبيل العربي بالإدارة القانونية بالخارجية المصرية وخلفته في تولي مسؤوليتها وشاركته في العديد من القضايا وآخرها مباحثات تنفيذ حكم هيئة التحكيم الدولية الخاصة بطابا .
يتولى الإبراهيمي مهمته في مرحلة شديدة التعقيد يصعب فيها البحث عن مخرج يرضي جميع الأطراف، فالنظام السوري يمضي في تدمير بلاده وقتل ابناء وطنه بكل عنف وقسوة ودون أدنى مراعاة للجوانب الإنسانية، مما استتبع إدانته من مجلس حقوق الإنسان ومن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن جامعة الدول العربية ذاتها، ولكنه مضى في ممارساته البشعة معتمدا على الفيتو الروسي الصيني والدعم الإيراني وضعف الإرادة الدولية وخاصة أوروبا وحلف الأطلنطي في التدخل المباشر بحجة عدم صدور قرار مجلس الأمن .
ولعل أهم العناصر التي استجدت وتعاصرت مع مهمة الإبراهيمي نشاط قوي للدبلوماسية المصرية بدأ بخطاب الرئيس المصري في قمة عدم الانحياز والتي اعتبرها لبعض القنبلة التي فجرها الرئيس المصري محمد مرسي في خطابه، عندما حدد من على منبر القمة موقف مصر الرسمي من الثورة السورية للمرة الأولى، مؤكداً ضرورة ‘التضامن مع نضال أبناء سورية ضد نظام قمعي فقد شرعيته’.
والحقيقة أن الخطوات السياسية التي اتخذها مرسي منذ توليه الرئاسة تكشف -حتى الآن على الأقل- عن خط سياسي متماسك، ومتوازن، وجريء. والمرتكز الأساسي لهذا الخط هو انفتاح مصر بعد الثورة على الجميع بما يحافظ على مصالحها المتعددة كدولة كبيرة، وبما يحفظ لها استقلال قرارها السياسي، وفي الوقت نفسه يمنحها مساحة كافية للمبادرة في أكثر من اتجاه. ولعل خط زياراته الخارجية الأولى، وخلال أقل من شهرين منذ تسلمه الرئاسة تكشف هذا، حيث اختار أن تكون السعودية هي محطته الأولى. لأن السعودية هي الدولة العربية الكبيرة الوحيدة، والمجاورة لمصر، التي تتمتع باستقرار سياسي مكين، ومن مصلحة مصر، كما من مصلحة السعودية في هذه المرحلة المضطربة، أن يتم التنسيق بينهما كأكبر دولتين عربيتين لضبط التداعيات السياسية والاجتماعية التي تحبل بها هذه المرحلة. ثم إن مصر تعتبر الخليج العربي بموقعه، وبمخزوناته من الطاقة، منطقة حيوية لأمنها واستقرارها، وكما أرسل عبدالناصر قواته عام 1963 إلى الكويت لصد عبدالكريم قاسم، أرسلت مصر قواتها أيضاً عام 1990 إلى السعودية لمواجهة صدام حسين أيضاً في الكويت.
الآن، وفي عهد مرسي في الجمهورية الثانية، تواجه مصر ـ كما السعودية ـ ضرورة التواصل مع ايران للحد عن طريق التفاوض وتوازن المصالح من النفوذ الإيراني، الذي انتقل بعد الاحتلال الامريكي إلى العراق، وهو بوابة الخليج، ويمتــد إلى منطقة الشام، التي تحاذي مصر من الناحية الشمالية الشرقية.
وهكذا واصلت الدبلوماسية المصرية مساعيها للقيام بدور فاعل في القضايا العربية بعد تأكيدها على استعادة وزنها الافريقي والدولي كهدف من أهداف ثورة 25 يناير، فدعت لسرعة عقد اجتماع لممثلي مصر والسعودية وتركيا وايران بالقاهرة للبحث في طرق التوصل الى وقف هذه المأساة .
أما الجامعة العربية فلم تقف مكتوفة اليدين كما كان نهجها في الفترة الأخيرة بل بادرت باتخاذ قرارات أكثر حزما في الشأن السوري، فقررت في ختام اجتماعها الوزاري الاحد12 شباط/فبراير 2012 في القاهرة التوجه مجددا الى مجلس الامن ودعوته الى اصدار قرار بتشكيل ‘قوات حفظ سلام عربية اممية مشتركة’ ترسل الى سورية، كما قررت تقديم الدعم ‘السياسي والمادي’ للمعارضة السورية ورغم تعثر المحاولة السابقة لنقل الملف السوري الى مجلس الامن بسبب الفيتو المزدوج الروسي الصيني، ثم قرر وزراء الخارجية العرب انهاء مهمة بعثة المراقبين العرب و’دعوة مجلس الامن لإصدار قرار بتشكيل قوات حفظ سلام عربية اممية مشتركة للإشراف على تنفيذ وقف اطلاق النار’ في سورية.
وشن وزير الخارجية السعودي في كلمته امام الوزراء العرب حملة عنيفة على النظام السوري داعيا نظراءه العرب الى اتخاذ ‘اجراءات حاسمة بحق النظام السوري بعد ان فشلت انصاف الحلول’. وجاء ايضا في البيان الختامي ان الجامعة قررت ‘فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية وتوفير كافة اشكال الدعم السياسي والمادي لها ودعوتها لتوحيد صفوفها والدخول في حوار جاد يحفظ لها تماسكها وفعاليتها قبل انعقاد مؤتمر تونس’ في اشارة الى اجتماع مقرر في هذا البلد في الرابع والعشرين من الشهر الحالي يحمل اسم مؤتمر اصدقاء سورية.
واعلنت الجامعة ايضا ‘وقف جميع اشكال التعاون الدبلوماسي مع ممثلي النظام السوري في الدول والهيئات الدولية ودعوة كافة الدول الحريصة على ارواح الشعب السوري الى مواكبة الاجراءات العربية في هذا الشأن’.
واكدت كذلك ‘سريان اجراءات المقاطعة الاقتصادية ووقف التعاملات التجارية مع النظام السوري ماعدا تلك التي لها مساس مباشر بالمواطنين السوريين بموجب القرارات الصادرة عن مجلس الجامعة حيال هذه المسألة’.
ونتيجة لتعنت النظام السوري فشلت مبادرة وزراء الخارجية العرب لانهاء الازمة السورية والتي دعت الى تشكيل حكومة وفاق وطني خلال شهرين وتطالب الرئيس السوري بتفويض نائبه صلاحيات كاملة للتعاون مع هذه الحكومة. كما طلبت من الأمين العام للأمم المتحدة تسمية المبعوث الخاص لمتابعة العملية السياسة المقترحة في اطار المبادرة العربية.
وعلى ضوء الفشل الكامل في مواجهة الأزمة السورية، قد نتبين أن الإعتماد على مجلس الأمن أو الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي يبدو كوهم كبير واحتمال منعدم، ويبقى الأمر إذن مسؤولية عربية واقليمية كاملة .
فالخطوة الأولى التي اقترحها على الإبراهيمي هي ألا يعلق الآمال على نظام الأمم المتحدة أو الدعم الدولي أو قرارات مجلس الأمن، وألا يعول على محادثات مباشرة أو غير مباشرة مع الرئيس الأسد واكتفاء بإرسال إشارات بوجود إمكانية لتيسير خروج آمن له ولرجال نظامه .
ولعل أهم النتائج المتوخاة من الاجتماع الرباعي بالقاهرة هو تطويع التأييد الإيراني المطلق لنظام الأسد بالتوصل الى تسوية متوازنة تحتفظ لطهران بالحد المعقول من مصالحها مع الطوائف الشيعية في الشام واتصالها بحزب الله، فيما لا يتعارض مع مصالح وآمال الأمة العربية في الوحدة والتضامن، وذلك كله في إطار من التوازن الدقيق والديناميكي بين القوى الإقليمية الأربع.
وفي كل الأحوال يبقى التحرك المادي على الأرض عربيا بحيث يمتنع على تركيا وايران اتخاذ أي إجراء أو تحريك أي قوات داخل الأراضي السورية .
وهذا يطرح السؤال الهام :
ما هي الأدوات والأسانيد التي يتم على أساسها التحرك الفاعل والناجز لانقاذ شعبنا في سورية من هذه المحنة؟
لعل أهم ما يشار اليه هنا من واقع التضامن العربي وتجاربنا السابقة أن عبدالناصر أرسل قواته عام 1963 إلى الكويت لصد عبدالكريم قاسم، كما شاركت مصر بقواتها عام 1990 إلى السعودية لمواجهة صدام حسين أيضاً في الكويت. كذلك ارسلت الجامعة العربية قوات الى لبنان لوقف الإقتتال بين طوائفه وتكفلت القوات السورية بذلك على أساس تكليف من الجامعة.
والآن، وفي عهد مرسي في الجمهورية الثانية، تواجه مصر مسؤولية حماية سورية وشعبها من الدمار والقتل لأهميتها على مر العصور للأمن المصري كذراع قوي في الشمال يطوق العدو ويتيح لمصر أن تواجه أي محاولة للانفضاض عليها من العدو الإسرائيلي أو القوى الاقليمية بالمنطقة. ولنعد الآن الى أدواتنا وأسانيد التدخل العربي الفاعل داخل الأراضي السورية لحماية سورية وشعبها :
‘ تنص المادة الثانية من ميثاق جامعة الدول العربية على أن الغرض من الجامعة …. وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة فى شؤون البلاد العربية ومصالحها. فإذا نشب بينهما خلاف لا يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها، ولجأ المتنازعون الى المجلس لفض هذا الخلاف، كان قراره عندئذ نافذاً وملزماً.
‘ وتنص المادة الثالثة على أن تتشاور الدول المتعاقدة فيما بينها، بناء على طلب إحداها كلما هددت سلامة أراضي أي واحدة منها أو استقلالها أو أمنها. وفي حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها، تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توحيد خططها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التي يقتضيها الموقف.
‘ وتقررالمادة الرابعة أنه رغبة في تنفيذ الالتزامات السالفة الذكر على أكمل وجه تتعاون الدول المتعاقدة فيما بينها لدعم مقوماتها العسكرية وتعزيزها. وتشترك، بحسب مواردها وحاجاتها، في تهيئة وسائلها الدفاعية الخاصة والجماعية لمقاومة أى اعتداء مسلح.
‘ وتنص المادة السادسة على أنه ‘إذا وقع الاعتداء بحيث يجعل حكومة الدولة المعتدى عليها عاجزة عن الاتصال بالمجلس،… يحق لأي دولة من أعضائها أن تطلب انعقاد مجلس الجامعة للنظر في إجراءات حمايتها.
‘ وهناك نص صريح في الميثاق على ان قرارات المجلس في هذه الأحوال والقرارات الخاصة بالتوسط تصدر بأغلبية الآراء.
من كل تلك النصوص وبمقتضى التفويض الوارد في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة يحق لجامعة الدول العربية اتخاذ تدابير عسكرية داخل وخارج سورية لاستعادة الأمن وارساء حكم ديمقراطي شعبي أصيل بتوصية من الابراهيمي وتحت اشرافه.
ونخلص من كل ذلك الى أن تحرك الإبراهيمي لا يشتمل على مفاوضات مع الأسد للتوصل الى ما يقال عنه من اصلاحات في النظام بل يقتصر على تدبير خروجه وتخليه عن السلطة لأن نظامه فقد الشرعية باعتراف العالم كله، ويبقي عليه الإشراف على تدابير حماية الشعب السوري وتسليم السلطة الى حكومة انتقالية وفي حالة عدم التوافق على تشكيل الحكومة الانتقالية يمكنه تنصيب لجنة ثلاثية عربية برئاسته تتولى اجراء انتخابات حرة لجمعية تأسيسية تقوم بتعيين مجلس مؤقت يمثل الطوائف والتوجهات المختلفة للفترة الانتقالية وتقوم باصدار دستور جديد للبلاد واستفتاء الشعب للموافقة عليه تقوم على اساسه انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة.

 صحيفة القدس العربي اللندنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى