الارهاب هو الوجه الآخر للتشدد الديني

في المسافة التي تفصل بين داعش كونه جماعة دينية متشددة وبينه بإعتباره تنظيما ارهابيا يقع الكثير من التضليل. فهناك مَن لا يزال يعول على أن يعود الشباب الذين ضُللوا إلى جادة الصواب، ليستقيم الامر لـ”الفكر الديني الصحيح” تاركا كل ما تخلله من شوائب التطرف والمغالاة، كما لو أن الارهاب ظاهرة عرضية لم يتم انتاجها داخل المختبر الديني.

ربما يعيننا مؤرخو الظاهرة الدينية (في بعدها الاسلامي وهو ما يهمنا هنا) على النظر إلى تلك المسافة بعين غير مكترثة. فهي مسافة غير مرئية، تم تلفيقها من أجل أن لا يكون التشدد الديني وقد أخذ طابعا مذهبيا موضع شبهة. ذلك لان كل الجماعات الدينية المتشددة كانت مصدر ارهاب وترويع للمجتمع. بل أن ممارسة القمع الديني (المذهبي) هو الوجه الآخر للتشدد.

ما لم تمارس تلك الجماعات القمع في حق الآخر وهو غالبا ما يكون المسلم المختلف الذي لا يخضع لإملاءاتها فإن ذلك يشير إلى عطب في الظرف التاريخي، تحاول تلك الجماعات أثناءه استدراج الهامشيين من الشباب إلى خلاياها النائمة في انتظار اللحظة التي تقوى فيه شوكتها وتكون قادرة على الاعلان عن نفسها بالطريقة التي تؤهلها لتنفيذ برامجها.

ما من تشدد ديني إلا وكانت طريقه إلى الارهاب سالكة، بدليل أن المعتدلين دينيا لا يحتاجون إلى التحزب أو إلى اعلان التضامن في ما بينهم. ذلك لان التدين شيء والتشدد الديني شيء آخر.

حين يكون المرء متدينا فإنه يحمل عناء نفسه. يكون مسؤولا عن شروط حياة لن يكون ملزما على فرضها على الآخرين. إنه يحترم حرية الآخر في الخيار بحثا عن احترام الآخر لحريته.

اما المتشدد دينيا فإنه يلقي باللائمة على ضلالة الآخرين، بإعتبارها سببا في عزلته وعدم قدرته على الانسجام مع المجتمع. لذلك نراه يبحث عما يقوي فكرته المعادية للمجتمع من خلال الانضواء في جماعات، كل أفرادها من شاكلته، وهو ما يشعره بالآمان بما يثبت له صواب نظرته المريضة إلى المجتمع.

يحتاج المتشددون إلى حماية الجماعات الارهابية لكي يشعروا بأن في إمكانهم أن يرسموا صورة الحياة التي ينشدون رؤيتها اما الجماعات التي تستقطبهم فإنها تحتاج إليهم مفخخين لتفيذ مخططها السياسي لتدمير المجتمع القائم.

تقع ثقافة التلغيم والتفخيخ في صلب الفكر المتشدد، وهي ثقافة تستند إلى مبدأ الترهيب ونشر الذعر بين أفراد المجتمع. وهو ما تبنته الجماعات الدينية في العالم العربي منذ عشرينات القرن الماضي مستلهمة في ذلك تاريخا من العنف السياسي المتلفع بعباءة الدين.

لذلك يبدو الحديث عن تخلي جماعات دينية عن الارهاب من غير أن تتخلى عن تشددها الديني الذي توظفه في خدمة مشروعها السياسي نوعا من تشتيت النظر، بعيدا عن جوهر المشكلة المتمثل باستحالة فصل التشدد عن الارهاب.

ما لا يمكن قبوله من قبل المتشدد دينيا انما يقع في الجهة التي يجب أن تُزال بأية وسيلة. وهو ما يعني حتما لجوء ذلك المتشدد إلى العنف، سعيا وراء الوصول إلى ضالته، التي لن تكون بأقل من مجتمع يخضع لشروطه.

ما صار البعض يراهن عليه اليوم لإغراض تدخل في اطار اللعب السياسي انما يقع في محاولة اطالة المسافة التي تفصل بين التشدد الديني والارهاب، كما لو أنهما ليسا الشيء نفسه.

وبالعودة إلى داعش، فإن التنظيم الارهابي الذي لم يدعِ الاعتدال لن يكون وحيدا في ذلك. كل التنظيمات والجماعات الارهابية لا ترى في الاعتدال إلا تهمة سمجة وقناعا زائفا. وهي ذي ذلك انما تصدر عن قناعة راسخة من أن ما تفعله من ارهاب انما هو تجسيد لإخلاصها لموقفها الديني المتشدد.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى