الاستحقاقات الراهنة في سورية: (2) مايتعلق باستحقاقات جنيف..

أضحت ((جنيف)) عقدة جديدة تضاف إلى ملف ((الحرب في سورية))، فبدلا من أن تكون مجرد طريق للوصول إلى حل ما يتعلق بهذه الحرب، أصبحت الحرب في كل جولة من جولاتها طريقا للوصول إلى ((جولة مباحثات في جنيف))..

ومع ذلك، لم يجلس أحد مع أحد من أقطاب الحكومة والمعارضة، ولم يتفق أحد مع أحد من أطراف الصراع، تبدو المسألة وكأنها لعبة شد الحبل، فمن سيقع على الأرض في هذه اللعبة، وماذا سيكسب السوريون منها؟!

في الحقيقة كانت جنيف، بالنسبة للسوريين، منصة إضافية لتوتير الخلافات ودب اليأس ومحطة مفصلية يتبعها أو يسبقها جولات جديدة من العنف والدمار والخسائر وتراكم الأزمات على الشعب السوري بكل أطيافه ..

ومؤخرا، لم تكن المعطيات الجديدة التي راحت تضخها وسائل الإعلام والتصريحات غير الجازمة المتعلقة بوفد الرياض التفاوضي، وإعادة هيكلته، لم تكن لتضيف شيئا جديدا إلى المشكلة يمكن أن ينعكس على الأرض فيغير مافيها، بل على العكس هي تطرح أسئلة من النوع نفسه : فهل سيلجأ محمد علوش إلى تصعيد الهجمات على دمشق من الغوطة، وماذا ستعزف جبهة النصرة على هذه المستجدات، وماذا يريد داعش من توسعه في مخيم اليرموك؟

إذا حزم محمد علوش أمره وعاد من الرياض/جنيف خالي الوفاض وقد استقال من الهيئة التفاوضية، فإنه سيبحث عن مخرج بالدم، وماذا سيكون موقف الرياض عندها، وهل نحن قادمون على مفاجآت جديدة تتعلق بإعادة هيكلة القوى المتصارعة على الأرض نفسها، وكيف سينعكس ذلك على صعيد العمل العسكري المتداخل في الشمال السوري الشرقي والغربي والأوسط؟! ويعود السؤال بالتالي : ما الذي سيجري في جولة جنيف القادمة ؟!

على أرض الواقع لاتنعزل هذه المعطيات عن الوضع الداخلي في سورية في الأراضي الباقية تحت سيطرة الدولة. اتسم هذا الوضع بعدة معطيات في الآونة الأخيرة، وكان يمكن ملاحظتها بيسر ووضوح ، متداخلة مع استحقاقات جنيف، ومن أهمها :

• حركية عسكرية أبرزت نتائجها في أكثر من موقع في المنطقة الوسطى والمنطقة الشمالية، فما أن تمت استعادة تدمر والحديث عن استعادة السخنة ثم الرقة، حتى أعلنت الادارة الأمريكية بدء مشروعها لطرد داعش من الرقة، ثم شرعت تركيا تبحث عن حل لمخاوفها بطروحات كأن تقوم هي بتحرير الرقة مقابل المنطقة الآمنة.. . وما أن أثمرت الضربات الجوية على النصرة عملا بالقرارات الدولية على الارهاب حتى ظهرت احتجاجات تتعلق بالتداخل بين النصرة والفصائل (المعتدلة)، وأدى ذلك إلى توقف الاندفاعة في ضرب النصرة ، وأجل الروس ضرباتهم في مهلة إضافية ..

• حركية سياسية تمثلت بتوجه سياسي أكثر تشددا في البنية السياسية القائمة باعتبارها تمثل آليات السيادة المتبقية، فما يسمونه ب((النظام)) وهو فعليا ((أطر الدولة الباقية)) يقارع بهمة عالية من أجل المسائل السيادية، فيرفض مايجري في الرقة باعتباره عملية(تحرير) متهما أميركا بدعم الارهاب والسعي إلى تقسيم سورية، وينفي علاقته بأي دستور يعد خارج إرادة السوريين!

• حركية تشريعية تتعلق بانتخابات مجلس الشعب، التي ظن كثيرون أنها ستؤجل بانتظار تنفيذ المشروع الدولي القادم والمحدد التواريخ ، فإذا بالانتخابات تجري، وإذا بالمرسوم الرئاسي يدعو إلى الجلسة الأولى للبرلمان في السادس من حزيران ..

• حركية تنظيمية على صعيد معارضة الداخل نتجت أصلا عن الذهاب إلى جنيف، وتؤشر هذه الحركية إلى آلية عمل جديدة، أو إلى نزاعات سطحية في الوقت نفسه وقد سخر أحد أعضاء وفد ((حميميم)) على تسمية الوفد باعتبار أن العبارة جميلة، فماذا لو كان الاجتماع في ((مطار الضبعة)) بدلا من مطار حميميم ، لابد وأن الاسم ((وفد الضبعة)) سيكون موحشا في مفاوضات جنيف؟

• وضع اقتصادي متردي، كان من علاماته المعركة الأخيرة بين الدولار والليرة والتي كشفت عن تهديدات المصرف المركزي للعاملين في الصرافة، وقد نتج عن المعركة خلال اليومين الأخيرين تراجع في سعر الدور وصل إلى 75 ليرة ، لكن الأصوات تتعالى في وجه الجهات المعنية بضرورة انعكاس ذلك على الأسعار التي ظلت مرتفعة !

في ضوء هذه المعطيات، أين ستذهب التوقعات التالية ضمن معطيات اقليمية أكثر تعقيدا، وضمن مستجدات متسارعة على مختلف الصعد ؟!

إن ((جنيف)) وفقا لتصورات كثيرة أضحت صورة باهتة، وستتراجع حدة الاعتماد عليها في الحل أمام محطة جديدة من الصراع يلوح فيها الخطر !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى