الاعترافات
حين قرأت اعترافات ” جان جاك روسو ” الكاتب الفرنسي ذي الأصل السويسري ( 1712-1778) في أواسط الخمسينات أخذتني الدهشة أن أحد أباء الثورة الفرنسية الكبرى تجرأ على البوح بخطاياه و أخطائه بصراحة مثيرة للإعجاب حقا في كتاب كان الأول من نوعه.
و لكم سألت نفسي في تلك الأيام كيف تجاسر صاحب كتاب (( العقد الإجتماعي )) و روايتي ((أميل و هيلوويز الجديدة )) و كتب أخرى هامة أصدرها قبل إعترافاته أن يعترف بعيوبه و هو صاحب السمعة المجيدة في فتح أذهان البشر على أهم المستندات الفكرية و المنشطات على الثورة في سبيل حرية الإنسان ضد الظلم و الإستبداد ، و من عيوبه التي اعترف بها مثلا بعض السرقات الصغيرة و الإندفاعات المثيرة نحو النساء مدفوعا بالرغبة الجنسية من أمرأة إلى أخرى من دون أن يتزوج إلا في أواخر حياته و كيف تخلص من خمسة أطفال أجنة أنجبتهم إحدى عشيقاته بإرسالهم إلى مؤسسة اللقطاء.
في تلك الأيام خطر على البال أن أصنع مثل روسو فأكتب إعترافاتي بكل ما مر بي من سلبيات و إيجابيات و ها أنذا الأن بعد أن عدت إلى قراءة الإعترافات مجددا أجبر نفسي أمام الوعد الذي ارتبط به في الخمسينات ، فشرعت أراجع سيرتي الذاتية بأكملها في بال ووثائقي فأجدني أمام معضلة لم أجد لها حلا … ما الفائدة التي يجنيها الناس من قراءة هذه الإعترافات مادام الإنسان كما يبدو حتى اليوم هو نفسه في إرتكاب الأخطاء الكبيرة و الصغيرة كما يبدع في القيام بالإنجازات الأدبية و الأخلاقية . إننا نشكوا حتى الأن الشكوى ذاتها من ارتكاب الجرائم بكل أنواعها و نسبة فساد الجنس البشري في معظم البلدان ، فما الجدوى إذن التي جناها البشر من كل الحركات الإصلاحية في حين هم ما يزالون غارقين في بحر أو مستنقعات الموبقات و الشرور؟!
هكذا بدأت أقنع نفسي بأن لا أكتب اعترافاتي مع أن أخطائي بالمقارنة مع الأخطاء التي اعترف بها أمثال “روسو” و ” أندره جيد” و ” يوكيومشيما” هي أخف و طأة منها ، و لكن أليس واجبا على أيضا أن أعترف على الأقل إذا لم أصنع ذلك أن الآخرين كانوا أكثر جرأة مني إذا ما تراجعت عن كتابة سيرتي الذاتية كاملة فهل أكتب إذن إعترافاتي أم لا أكتب ؟ ياله من سؤال محير !..