الاقتحامات اليومية لا توقف الاشتباك: العدو يدرس اجتياحاً موسّعاً للضفة
الاقتحامات اليومية لا توقف الاشتباك: العدو يدرس اجتياحاً موسّعاً للضفة.. بعدما كان الحديث عنها محصوراً في إطار الدوائر الأمنية، المنقسمة ما بين مؤيّد ورافض لها، انتقلت «العملية العسكرية الموسّعة في الضفة»، إلى حيّز النقاش العلني في دولة الاحتلال، بجعلها من قِبَل وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، شرطاً لعودته إلى جلسات الحكومة و«الكنيست». وعلى رغم أن بنيامين نتنياهو قد لا يجد بدّاً من الإقدام على عملية كهذه من أجل حفظ وحدة ائتلافه، وتدارك شعبيّته التي لا تفتأ تتدهور، إلّا أن دون ذلك حسابات معقّدة كثيرة، أوّلها أن ظروف العام 2002 مختلفة عن ظروف اليوم، وأن اجتياحاً للضفة على غرار «السور الواقي» لن يبقى هذه المرّة محدوداً ضمن الأراضي المحتلّة، بل قد يستدعي انفجاراً واسعاً يشمل الساحات كافة، قدّمت نموذجاً مبسّطاً منه جولة ما بعد الاعتداء على المعتكفين في المسجد الأقصى في شهر رمضان المنصرف
من النقاش المستمرّ حولها منذ أشهر في أرفع الدوائر الأمنية والاستخبارية في دولة الاحتلال، إلى المطالبة بها علانيةً، تحوّلت «العملية العسكرية الموسّعة في الضفة»، والتي يشترط وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، شنّها لإنهاء مقاطعته الحكومة، إلى أحد المفاصل المهمّة التي قد تحدّد مستقبل الائتلاف اليميني. ولا يزال الانقسام حول هذه العملية دائراً داخل سلطات العدو، ولكن الابتزاز الذي يمارسه بن غفير بشأنها قد يدفع إلى إنفاذها بالفعل، خصوصاً أن جهاز «الشاباك» يدعمها، فيما لا يزال موقف وزير الحرب، يوآف غالانت، منها ضبابياً، ويبدي رئيس الأركان، هرتسي هليفي، مرونة إزاءها. ومنذ عملية «نفق الحرية»، وما تبعها من عمليات فدائية في الداخل المحتلّ، وتحديداً منذ آذار 2022 عندما أطلق جيش الاحتلال عملية «كاسر الأمواج»، بقيت مسألة شنّ هجوم على الضفة، وتحديداً على شمالها، على غرار «السور الواقي»، على طاولة النقاش، في حين يزداد الحديث عن قرب تنفيذه في كلّ مرّة تُنفّذ فيها عملية فدائية، لكن ذلك الحديث ظلّ إلى الآن مقتصراً على محاولة طمأنة المستوطنين، توازياً مع استمرار عمليات الاقتحام والاعتقال والاغتيال بشكل شبه يومي.
وبالنظر إلى أن الحديث المتجدّد عن اجتياح الضفة، جاء هذه المرّة بعد ساعات من وقف إطلاق النار مع قطاع غزة، والذي فجّر غضب المستوطنين وأحزاب اليمين، وخلق أزمة داخل الائتلاف الحاكم، فقد يكون التلويح بالاجتياح اليوم بمثابة إبرة تخدير للغاضبين، ووسيلة للتعتيم على الفشل المتدحرج في التعامل مع المقاومة في القطاع، والتي باتت تملك المبادرة لإطلاق الصواريخ وفرض المعادلات، وفق ما أظهرته جولة ما بعد اغتيال الشيخ خضر عدنان، وتلك التي أعقبت اقتحام المسجد الأقصى والاعتداء على المعتكفين فيه في شهر رمضان. ومع ذلك، وأخذاً في الاعتبار أن الدم الفلسطيني كان دائماً هو الثمن الذي يحصد من خلاله قادة العدو شعبيّتهم في صفوف المستوطنين، فإن الإقدام على تنفيذ عملية عسكرية واسعة في الضفة، قد يكون وسيلة لترميم شعبية قادة الاحتلال السياسيين والأمنيين، خاصة في ظلّ تدهور مكانة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وحتى أحزاب اليمين الفاشي، وهو ما أدركه بن غفير الذي تلقّى انتقادات شديدة من أنصاره.
ويأتي التهديد المتكرّر للضفة، في وقت تشهد فيه هذه الأخيرة عمليات عسكرية واسعة يومياً، تتخلّلها اقتحامات للمدن والبلدات واعتقالات واغتيالات، تواجَه بمقاومة تمتدّ في أرجاء الأراضي المحتلّة. فعلى سبيل المثال، شهدت مناطق عدّة في مدينة نابلس، فجر الإثنين، اشتباكات مسلّحة بين المقاومين وقوات الاحتلال التي اقتحمت المدينة لتأمين اقتحامات المستوطنين، توازياً مع اندلاع اشتباكات مماثلة في مناطق عدّة في محافظة جنين. وقبلها بساعات، اغتال جيش العدو مقاومين من «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، في مخيم نور شمس في طولكرم، و3 آخرين في مدينة نابلس، وأعدم فتاة في حوارة. وفي المقابل، تُواصل المقاومة اشتغالها على إدامة الاشتباك على رغم كلّ التحديات؛ إذ أُعلن قبل أيام انطلاق «كتيبة مخيم الجلزون» قرب رام الله، بينما أعلن جهاز «الشاباك» اكتشاف خلية عسكرية في مخيم الدهيشة تتبع لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، كانت لديها بنية تحتية عسكرية، وقامت بوضع عبوات ناسفة قبل أسابيع في حافلات للمستوطنين في مستوطنة «بيتر عيليت»، وتُتَّهم بتلقّي تعليمات من الأمين العام للجبهة، الأسير أحمد سعدات، الذي قامت سلطات السجون باقتحام قسمه، ونقله مع الأسيرَين عاهد أبو غلمة ووليد حناتشة إلى العزل والتحقيق.
وفي حصيلة لأعمال المقاومة في 8 أيار، سُجّلت 4 عمليات إطلاق نار على جنود الاحتلال والمستوطنين، وعملية إلقاء عبوة ناسفة على حاجز حوارة، ومواجهات في 7 مواقع جرى خلالها إلقاء الحجارة والزجاجات على جيش العدو. وكان شهر نيسان الماضي سجّل ارتفاعاً كبيراً في تلك العمليات، لتبلغ 139 حادثة إطلاق نار، و5 وقائع دهس أو محاولات دهس، و4 هجمات طعن أو محاولات طعن، و36 عملية زرع أو إلقاء عبوات ناسفة، و8 عمليات تحطيم مركبات ومعدّات عسكرية، و 14 واقعة حرق منشآت وآليات وأماكن عسكرية، ومئات حوادث إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على المستوطنين وقوات الاحتلال، ليصل المجموع إلى 987 عملية، خلّفت 3 قتلى و41 جريحاً في صفوف الإسرائيليّين.
وإذا كان شنّ عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة يخضع لتقديرات أمنية، فإنه أيضاً يخضع لاعتبارات سياسية، خاصة لدى نتنياهو، الذي يسعى من ناحية إلى الحفاظ على ائتلافه الحاكم، ومن ناحية أخرى إلى استعادة الهدوء تلبيةً لرغبة واشنطن، التي تُحضّر لعقد قمة جديدة في شرم الشيخ على غرار سابقتَيها في شرم الشيخ والعقبة. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن نتنياهو لن يذهب إلى تفجير الأمور، بوصف «الاجتياح» الخيار الأخير أمامه للهروب من أزمات حكومته الداخلية والاحتجاجات المستمرّة ضدّها. وعلى رغم ما تَقدّم، فإن ثمّة الكثير من الحسابات المعقّدة هنا؛ إذ أدركت إسرائيل، قبل أسابيع، أكثر ممّا بدا لها في أيّ وقت مضى، أن معادلة «وحدة الساحات» قد تَكرّست بالفعل، وهو ما يمثّل بالنسبة إليها معضلة قد تقلّل من اندفاعها إلى شنّ عملية واسعة في الضفة، ستعني حتماً اشتباكات مع المقاومين، ومواجهات مع المواطنين، وحصاراً طويل الأمد للمدن والقرى والبلدات، ومعارك قاسية سترتكب خلالها قوات الاحتلال مجازر ستخلّف عدداً كبيراً من الشهداء، في مشهد أقرب إلى الانتفاضة الثانية، وهو لن يمرّ مرور الكرام على بقيّة الجبهات. ذلك أن محور المقاومة وضعَ الضفة، بالنظر إلى أهمّيتها استراتيجياً وعسكرياً وسياسياً وأمنياً، في مكانة لم يَعُد من الممكن التراجع عنها، وهو ما تجسّد في «يوم القدس العالمي»، وبالتالي، فإن اجتياحها قد يقود إلى مواجهة متعدّدة الجبهات، وأكثر زخماً وشراسة من أيّ مواجهة حدثت من قَبل.
وفي خضمّ الجدل المتصاعد حول الأوضاع في الضفة وكيفية التعامل معها، لوّح مسؤول إسرائيلي بإمكانية شنّ هجوم مفاجئ على غزة، قائلاً، بحسب ما نقله عنه الإعلام العبري، إنه «بسبب تهديد حماس بإطلاق الصواريخ في حال مرور مسيرة الأعلام من الحيّ الإسلامي، لا مفرّ من عملية عسكرية ضدّ غزة، الأمر مسألة وقت فقط». وتبدو «مسيرة الأعلام» التي ستشهدها مدينة القدس في 18 أيار المقبل، والتي تسعى المنظّمات الاستيطانية إلى حشد قرابة 5 آلاف مستوطن فيها واقتحام المسجد الأقصى بشكل جماعي في خلالها، وصفة لانفجار الأوضاع بالفعل، على غِرار ما جرى عام 2019 عندما وقعت معركة «سيف القدس». وتعهّدت حركة «حماس» بالمحافظة على المعادلة التي فرضتها المقاومة في ما يتعلّق باستعراض الأعلام في القدس، مؤكّدة أنه «لن يُسمح للاحتلال الصهيوني بتمرير مخطّطات تهويد المسجد الأقصى ومدينة القدس، من خلال التقسيم وتقديم القرابين واستعراضات الأعلام»، في وقت ذكرت فيه مصادر سياسية إسرائيلية أنه «لا يوجد تغيير في مخطّط المسيرة التي ستقتحم الأحياء الإسلامية في البلدة القديمة وتؤدّي الرقصات التلمودية في ساحة باب العامود».