الاقتصاد المصري: تحسن محدود.. ومخاطر مستمرة

حمل بيان وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني عن الاقتصاد المصري إشارات متناقضة، بعدما عدل نظرته المستقبلية للاقتصاد المصري من سلبي إلى مستقر، بينما أبقى تصنيفه لسندات الحكومة المصرية عند مستوى «سي سي ايه 1»، وهو يعتبر مستوى ضعيف بالنسبة لتقييم الوكالة ذاتها.

تحسن النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري بنيت على مجموعة من العوامل، من بينها الاستقرار السياسي والأمني الذي شهد تحسناً نسبيا في الفترة الماضية، والقدرة التمويلية التي ظهرت في المجتمع المصري عند جمع التمويل اللازم لمشروع قناة السويس الجديدة (8.5 مليارات دولار تم جمعها خلال ثمانية أيام عبر شراء شهادات استثمار)، فضلاً عن أن مشروع قناة السويس ومشروع تطوير منطقة القناة يمثلان دعما للنمو والتوظيف وفرص الاستثمار، ويعكسان ثقة المستثمرين في الحكومة المصرية وخطواتها.

كذلك اعتمد التقييم على إجراءات الانضباط المالي التي اتخذتها الحكومة المصرية، والتي تمثلت في خفض الدعم وكبح عجز الموازنة، كما اعتمد على استعداد المانحين لدعم الاقتصاد المصري، إذ اعتبرت «موديز» أن التزام الشركاء الخليجيين بدعم الاقتصاد المصري سيمتد لفترة لا بأس بها. أما تثبيت تصنيف سندات الحكومة المصرية عند المستوى الضعيف فاعتمد على الارتفاع الكبير في الدين الحكومي، وارتفاع الفائدة على أدوات الدين الحكومية، وهو ما وصل بأعباء خدمة الدين الحكومي إلى 34 في المئة من الإيرادات العامة، فضلا عن ضعف الإيرادات العامة، والتي تسعى الحكومة المصرية لزيادتها عبر تطبيق الضريبة على القيمة المضافة بدلاً من ضريبة المبيعات.

استقبال الحكومة لتقييم موديز كان حذراً، فقد رحبت وزارة المال بتعديل النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري من سلبي إلى مستقر، واعتبرته «خطوة إيجابية وفي الاتجاه السليم لتحسين مكانة مصر على خريطة الاستثمارات الدولية».

وبحسب البيان الصادر عن وزارة المال فإن «التصنيف الائتماني لمصر ما زال لا يعبر عن التطورات الاقتصادية الإيجابية أو ردود فعل الأسواق العالمية»، حيث إن تعديل درجة التصنيف الائتماني لمصر يتم ببطء للغاية، ولا يتناسب مع السرعة التي تم بها خفض درجات التقييم منذ كانون الثاني العام 2011، حيث قامت «موديز» بخفض درجة التصنيف الائتماني ست مرات متتالية، وتعتبر هذه هي المرة الأولى التى تقوم فيها المؤسسة بتعديل اتجاه التقييم إلى الاتجاه الصعودي منذ العام 2011، كما أورد البيان.

وأشارت وزارة المال، في بيانها، إلى ان «البرنامج الاقتصادي للحكومة متوازن ويستهدف زيادة معدلات النمو الى ستة في المئة على المدى المتوسط»، مؤكدة حرص الحكومة المصرية على «زيادة فرص العمل وخفض معدلات التضخم والفقر وتعزيز شبكة الحماية الاجتماعية»، بما يستهدف خفض عجز الموازنة إلى ثمانية في المئة، مقارنة بأكثر من 12.5 في المئة وفقاً لما كان متوقعاً في العام المالي المنصرم. ما جاء به تقييم مؤسسة موديز للاقتصاد المصري قد لا يكون إيجابيا للغاية، ولكنه يبدو ضروريا، خاصة في ما يتعلق بالنظرة المستقبلية للاقتصاد المصري، يأتي التقييم بعد تقييمات متتالية سلبية، كما انه يسبق انعقاد مؤتمر مصر الاقتصادي، علماً أن الحكومة كانت ستصبح في مأزق حقيقي إذا لم يتضمن التقييم أي تحسن، أو تضمن تراجعاً عن التقييمات السابقة، قبل انعقاد هذا المؤتمر.

وفي حديث إلى «السفير»، يقول الخبير المالي والاقتصادي عمرو حسنين إن «التقرير بالطبع إيجابي، ولكن لا ينبغي المبالغة في إيجابيته. فالتقييم لا يزال متدنيا عموما، ولكننا في الأصل نتحدث عن اقتصاد في الإنعاش».

ويضيف ان «التقرير لا يقول إن الاقتصاد المصري خرج من الإنعاش حتى الآن، ولكنه يشير إلى تحسن على مستوى النظرة المستقبلية». ولا يرى حسنين أن الاقتصاد المصري سيتأثر بالتباطؤ العالمي الذي تتوقعه المؤسسات المالية الدولية، موضحاً ان «الاقتصاد المصري من الضعف الآن بحيث انه خارج دائرة ذلك التأثير، وهو بالفعل في مستوى أدنى من الاقتصاد العالمي حتى إذا تباطأ هذا الأخير».

التحسن الطفيف في النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري كانت مكلفة على المستوى الاجتماعي، فقد سبقته إجراءات قاسية اتخذتها الحكومة المصرية عند وضع الموازنة العامة الجارية، وتضمنت خفض الدعم على الوقود، ما أدى لموجة تضخم قوية، والأهم أن تلك كانت الحزمة الأولى من الإجراءات التي ستستكملها الدولة بالإلغاء الكامل للدعم على مدار خمس سنوات، ما يعني أن ردود أفعال اجتماعية قد لا يمكن تفاديها، خصوصاً مع زيادة معدلات الفقر والبطالة إذا لم تتخذ الدولة إجراءات احترازية لتخفيف العبء عن الفقراء.

وفي هذا الإطار، يقول عمرو حسنين «ما تم من حزمة الإجراءات لمعالجة عجز الموازنة كان 20 في المئة فقط، ويجب استكمال تنفيذ ما تبقى من إجراءات». ويضيف «المشكلة أن الدعم لم يكن رشيداً، وكان القادرون يستفيدون منه أكثر من الفقراء»، مشدداً على انه «يجب على الدولة أن تعوّض الفقراء عن الدعم بنظام محكم في توزيع السلع التموينية والخبز والمواصلات وغيرها».

سؤال الاقتصاد لا يزال هو الأصعب أمام النظام المصري، وبرغم النجاح في تمرير حزمة التقشف الأولى، فإن نتائج الحزم الجديدة ليست مضمونة بالضرورة، وإذا كان تحسن طفيف في النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري قد استدعى إجراءات صعبة، فإن تحسناً كبيراً قد تكون إجراءاته مستحيلة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى