الاقتصاد المصري يستقر في عهد السيسي … لكن التضخم ما زال مرتفعاً
تمكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من إنعاش النمو في البلد ومعالجة المشكلات الملحة المتعلقة بالكهرباء وإمدادات الغاز، لكن عليه وهو يتجه إلى الفوز بفترة رئاسية ثانية، المضي قدماً في إجراءات التقشف في إطار برنامج لصندوق النقد الدولي مع الحاجة إلى كبح التضخم.
ورث السيسي اقتصاداً متداعياً حينما تولى منصب رئيس الجمهورية عام 2014، ما استلزم إصلاحات عميقة أوقفت نزيف الاقتصاد بشكل كبير لكنها في الوقت ذاته أضرت معظم المصريين من خلال خفض قيمة العملة المحلية وتقليص الدعم.
وقالت ريهام الدسوقي، وهي خبيرة اقتصاد مستقلة مهتمة بالشأن المصري، «إنه الآن عند مفترق الطرق الذي وجد كل رئيس مصري نفسه فيه… فهو في حاجة إلى المضي قدماً في إصلاحات مكثفة من أجل مواصلة بناء الخدمات والقطاع غير النفطي وتحويل مصر إلى بيئة صديقة للاستثمار بمعنى الكلمة».
وسيكون أداء السيسي في ما يتعلق بتعزيز المكاسب خلال السنوات الأربع المقبلة محل متابعة وثيقة خارج البلد. ومن المنتظر أن يفوز السيسي في الانتخابات الرئاسية التي بدأت أمس.
وتبدي الدول الأوروبية خصوصاً، قلقاً من أن أي تعثر في الإصلاحات قد يفاقم مشكلة البطالة ويشجع الشباب على الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، ما سيزيد مشكلة تدفق المهاجرين المتفاقمة بالفعل.
وانتُخب السيسي رئيساً لمصر بعد سنة من إعلانه حين كان قائداً للجيش، عزل أول رئيس منتخب ديمقراطياً عام 2013 بعد فترة طويلة من الاحتجاجات التي تسببت في عزوف الكثير من المستثمرين والسياح الأجانب عن البلد. وأدى إحجام الحكومات المتعاقبة عن خفض قيمة العملة المقومة بأعلى من قيمتها الحقيقية إلى أزمة حادة في النقد الأجنبي، ما أدى بدوره إلى تراجع الواردات وزيادة كلفة الصادرات المصرية إلى الأسواق الخارجية.
ومن بين إنجازات السيسي الاقتصادية اتفاق برنامج قرض مدته ثلاث سنوات مع صندوق النقد الدولي في 2016. وفي هذا الإطار، رفعت الحكومة سعر الوقود المدعوم لتخفيف عبء كبير عن الموازنة وزادت ضريبة القيمة المضافة إلى 14 في المئة وخفضت قيمة الجنيه المصري في مقابل الدولار إلى أقل من النصف.
ويقول كثيرون إن تلك الإصلاحات كانت ضرورية لتحقيق الاستقرار في مصر وهي تتعافى من الفوضى وتواجه هجمات يشنها متشددون. لكن إصلاح العملة أضر كثيراً بالطبقة المتوسطة خصوصاً، في وقت لا يزال التضخم مرتفعاً، ويتزايد الفقر بينما لا تنخفض معدلات البطالة بالسرعة التي كان يرجوها الناس.
ويرى خبراء اقتصاد بعض بواعث للأمل. فنمو الناتج المحلي الإجمالي بلغ 5.3 في المئة على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة حتى كانون الأول (ديسمبر)، من 2.1 في المئة في 2012-2013، وفقاً لبيانات البنك المركزي. وقال الخبير الاقتصادي في المجموعة المالية «هيرميس» محمد أبو باشا «أعتقد أننا سنرى النمو يواصل الصعود… السياحة لديها مجال للتعافي، ومن المنتظر أن يتواصل تعافي الاستهلاك والاستثمار على مدى السنوات القليلة المقبلة».
وكافحت مصر، التي كانت فيما مضى مصدّراً صافياً للطاقة، للحصول على ما يكفي من الوقود لتشغيل محطات الكهرباء القديمة وقت كان البلد البالغ تعداد سكانه 97 مليوناً يعاني من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر. وفي عهد السيسي، وقعت الحكومة عقوداً لبناء محطات جديدة، ووضعت ترتيبات لمرافئ عائمة للغاز لإتاحة المجال أمام مزيد من الواردات. وتوقفت تقريباً انقطاعات الكهرباء بعد وقت قصير.
وعمد السيسي أيضاً إلى فتح الطريق أمام التنقيب عن الغاز وتطوير حقوله، كما تحرك صوب تقليص المتأخرات المالية الضخمة المستحقة لشركات النفط والغاز العالمية، ما شجع الشركات على العودة للنشاط في مصر، وتحقيق اكتشافات للغاز كان من بينها حقل «ظُهر»، أكبر حقل للغاز في البحر المتوسط. وأنتج الحقل الذي تديره «إيني» الإيطالية أول شحناته من الغاز في نهاية 2017. ومن الحقول الأخرى التي بدأ تشغيلها، «أتول» و «غرب دلتا النيل» لـ «بي بي». وترى الحكومة إن مصر ستحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز بنهاية السنة.
لقد دشن السيسي سلسلة من مشاريع البنية التحتية الضخمة التي صُممت لأهداف كان من بينها تشغيل المصريين. وحاز الكثير منها على الإعجاب، مثل مشاريع الطرق الجديدة وزيادة طاقة إنتاج الكهرباء. وكان من بين الأمور الأكثر إثارة للجدل إطلاقه العمل في مشاريع ضخمة، يقول خبراء اقتصاد إن بعضها لن يحقق عائداً فورياً كبيراً، ومن بينها حفر قناة جديدة موازية لقناة السويس.
وأصر السيسي على استكمال المشروع خلال سنة، ما رفع كلفته، لكن إيرادات قناة السويس لم تشهد تغيراً يذكر نظراً لتباطؤ التجارة العالمية.
وبدأ السيسي بناء مدن جديدة في الصحراء من بينها العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة بكلفة تصل إلى 45 بليون دولار. وتتفاوض مصر أيضاً مع روسيا لبناء محطة للطاقة النووية كلفتها 20 بليون دولار. ويُبدي الكثير من المستثمرين وخبراء الاقتصاد قلقهم من أن الجيش أصبح منخرطاً بشكل كبير جداً في تلك الماريع وغيرها، ما يهدد بمزاحمة مستثمري القطاع الخاص.
ودفعت الإجراءات التقشفية في إطار صفقة صندوق النقد الدولي، معدل التضخم السنوي إلى الارتفاع عند مستوى 33 في المئة في آب (اغسطس)، لكنه تراجع إلى 14.4 في المئة بحلول الشهر الماضي. كما ان مزيداً من الإجراءات المزمعة سيجعل من الصعب خفض التضخم أكثر، اذ يتوقع على نطاق واسع أن ترفع الحكومة أسعار الوقود مجدداً مع بداية السنة المالية الجديدة في الأول من تموز (يوليو).
وقال أبو باشا «يتمثل التحدي الآن في خفض التضخم إلى رقم في خانة الآحاد… نعلم أنهم سيلغون معظم الدعم على الوقود بنهاية برنامج صندوق النقد الدولي في 2019»
صحيفة الحياة