الانتخابات الرئاسية الإيرانية: من سيخوض السباق؟ (مصطفى اللباد)
مصطفى اللباد
تنتظر إيران ومعها المهتمون حول العالم قرار مجلس صيانة الدستور الخاص بأسماء من يحق لهم الترشح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الحادية عشرة المقرر إجراؤها منتصف حزيران القادم، إذ إن هذا القرار سيؤثر في شكل ومضمون هذه الانتخابات بشكل حاسم ومطلق. بمعنى آخر للانتخابات الرئاسية الإيرانية موعدان للحسم: الأول مع قرار مجلس صيانة الدستور الذي يستبعد أغلبية المرشحين ويجيز عددا لا يتجاوز – في العادة – عشر شخصيات، وذلك وفقاً للصلاحيات المناطة به بموجب دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والثاني مع إعلان النتيجة النهائية للسباق الرئاسي وتنصيب رئيس جديد لإيران خلفاً للرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد. ويزيد من حالة الترقب الكبرى حقيقة أن أي شخص خارج مجلس صيانة الدستور لا يملك إدعاء العلم بسير عمله، أو قراراته الأولية، أو حتى مراجعته في قراره النهائي المزمع إعلانه يوم غد الثلاثاء. وحتى لا ينقضي الوقت المتبقي حتى غد في الانتظار، تحاول السطور القادمة الإبحار في لجة ضبابية وتلمس الطريق في صندوق مغلق. لا تدعي السطور القادمة معرفتها بقرار مجلس صيانة الدستور، وإن زعمت أن أهم ملفين شائكين قيد الدرس والنظر في المجلس على الأرجح الآن هما الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني ومساعد الرئيس أحمدي نجاد وصهره المثير للجدل إسفنديار رحيم مشائي، بسبب قدرة كليهما على قلب التوقعات وخلق حالة استقطابية في المشهد السياسي الإيراني. هكذا يضع هذا المقال لنفسه هدفين: الأول إلقاء الضوء على تركيبة هذا المجلس الفائق الأهمية في تشكيلة إيران الدستورية وبالتالي حياتها السياسية، والثاني استنباط معاني ترشح هاتين الشخصيتين، وصولاً إلى الخلاصة في النهاية.
مجلس صيانة الدستور «شوراي نكاهبان»
يمنح الدستور الإيراني صلاحيات واسعة وحاسمة لمجلس صيانة الدستور منها الإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء والاستفتاءات، إضافة إلى الرقابة على التشريعات وتفسير الدستور الإيراني. ويمارس المجلس أيضاً دور المحاكم الدستورية في الدول الأخرى إلى حد ما، مع تفاوت في التركيبة والصلاحيات. يتألف المجلس من إثني عشر عضوا نصفهم من الفقهاء العدول تعينهم قيادة الثورة الإسلامية (آيات الله أحمد جنتي، محمود هاشمي شهرودي، محمد رضا مدرسي يزدي، محمد مؤمن، غلامرضا رضواني، محمد يزدي)؛ إضافة إلى ستة من الحقوقيين يختارهم مجلس الشورى الإسلامي بالتصويت (محمد رضا عليزاده، إبراهيم عزيزي، غلامحسين إلهام، محسن إسماعيلي، عباس كعبي) من مجموعة ترشيحات يقدمها رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، الذي يعين بدوره من مرشد الجمهورية. تستمر ولاية مجلس صيانة الدستور فترة ست سنوات، إلا أنه بعد انقضاء نصف المدة يتم تغيير نصف الأعضاء سواء من الفقهاء أو من الحقوقيين بالقرعة. يدرس المجلس ملفات المرشحين ويمنحهم الإذن بخوض الانتخابات بعد إحراز أهليتهم القانونية التي حددها الدستور الإيراني، ثم يشرف على إجراء الانتخابات وعمليات إحصاء الأصوات. يشترط الدستور الإيراني أن يكون المرشح إيرانياً ومن الشخصيات السياسية، مديرا ومدبرا ومن ذوي السمعة الحسنة ومؤمنا بالمبادئ الأساسية للجمهورية الإسلامية وعلى رأسها «ولاية الفقيه». أما من حيث الأساس القانوني فهو المادة رقم 99 من الدستور الإيراني التي تعطي للمجلس الرقابة الكلية على الانتخابات، في حين دلت الانتخابات السابقة وما رشح عن عمل المجلس في السنوات العشر الأخيرة أن عمل المجلس يتم بطريقة متدرجة تقسم هذه الرقابة الكلية إلى ثلاثة أنواع. الأولى وهي الرقابة الاستطلاعية (نظارت استطلاعي) قبل تقدم المرشحين بأوراقهم، والثانية هي الرقابة المستندية (نظارت استنادي) أي الإثباتات التي تبرز أحقية المرشحين وأهليتهم، وانتهاء بالثالثة أي الرقابة الاستصوابية (نظارت استصوابي) التي تعني قبول ورفض المرشحين. ولتقريب هذه الأهمية إلى الأذهان تكفي ملاحظة أن مجلس صيانة الدستور أجاز ترشح أربعة مرشحين فقط في الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2009 من أصل 476 مرشحاً تقدموا بأوراقهم إلى المجلس. وإذ يمنح القانون مجلس صيانة الدستور خمسة ايام لدراسة ملفات المرشحين، تبدأ بمجرد انتهاء مهلة تسجيل أسماء الراغبين بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية، ويحق للمجلس أن يمدد المهلة لخمسة أيام أخرى، فقد استفاد المجلس من المهلة الإضافية ما يعني أن عملية القرار النهائي لا تبدو سهلة على الإطلاق.
رفسنجاني ومشائي… رستم وإسفنديار
تقدم كل من الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني (79 عاماً) ومساعد أحمدي نجاد وصهره المثير للجدل إسفنديار رحيم مشائي (53 عاماً) بأوراق ترشحهما في الدقائق الأخيرة من إغلاق باب التقديم، ما أطلق عاصفة من التكهنات. كلاهما يملك القدرة على طريقته في قلب ميزان التوقعات، عبر توجيه المعركة الانتخابية في حالة نادرة من الاستقطابية السياسية. يبدو ترشح النقيضين عمرياً وفكرياً وسياسياً أشبه بصراع رستم وإسفنديار الوارد في كتاب الملاحم التاريخية الإيراني المعروف باسم «شاهنامه». الأول خارج مؤسسة الرئاسة منذ العام 1997 وإن لم يخرج من الحياة السياسية. خسر رفسنجاني الانتخابات الرئاسية عام 2005 لمصلحة المرشح المغمور وقتذاك محمود أحمدي نجاد، ودعم من وراء الستار ترشيح مير حسين موسوي عام 2009، فخسر معنوياً مع خسارة موسوي الانتخابية. أما إسفنديار رحيم مشائي فلا باع طويلا له في الحياة السياسية الإيرانية، وارتبط اسمه باسم أحمدي نجاد الذي خاض معارك مختلفة للدفاع عن صهره. لم يستطع أحمدي نجاد تعيين مشائي نائباً له بسبب رفض المرشد، فعينه مديراً لمكتبه، ثم أسند إليه مهام في السياسة الخارجية على الضد من رغبة وزير الخارجية وقتها منوجهر متكي. صك مشائي مع أحمدي نجاد مصطلح «الإسلام الإيراني» الذي أثار حفيظة المرشد وكبار رجال الدين. ثم عاد مشائي وأحمدي نجاد ليروجوا لفكرة «المهدوية»، ما اعتبره البعض يضرب في أساس الجمهورية الإسلامية ويخرج من الدين والمذهب. تقدم مشائي بأوراقه للترشح وإلى جواره أحمدي نجاد، في إشارة إلى كونه امتدادا لأحمدي نجاد. يريد أحمدي نجاد تكرير السيناريو الروسي بوتين – ميدفيديف في إيران مع مشائي، ويهدد بفتح ملفات فساد كبيرة في حال حجب صهره عن السباق. يأمل مشائي في دعم الفقراء ومحدودي الدخل الذين استفادوا من الإعانات النقدية لأحمدي نجاد، إذ أدى الإصلاح النقدي الذي قام به أحمدي نجاد إلى قطع الدعم العيني على السلع الأساسية والمحروقات واستبداله بدعم نقدي لكل شخص بما قيمته خمسة وأربعون ألف ريال إيراني شهريا ولكل شخص، ما أدى بالنهاية إلى شبه انهيار في النظام المصرفي الإيراني بفعل التضخم. ولكن ذلك الدعم النقدي ومن ناحية أخرى ربط شرائح إيرانية شعبية به، حتى مع انحدار قيمة هذه الإعانة مقومة بالدولار من ما قيمته خمسة وأربعون دولارا وقت إقرار الإعانة، إلى مستوى عشرين دولارا الآن بسبب تدهور سعر صرف العملة الإيرانية.
ومع ارتفاع معدلات البطالة الى مستويات قياسية، سيؤدي إلغاء هذه المعونة إلى ضغوط حياتية لا تطاق على هذه الشرائح الشعبية، وبالتالي يأمل أحمدي نجاد ومشائي في الحصول على أصوات هذه الشرائح.
يحظى رفسنجاني بدعم الإصلاحيين وخاتمي الذي ناشد أنصاره بالوقوف مع رفسنجاني، (أطالب الأصدقاء بفهم اللحظة التاريخية والوقوف إلى جانب هاشمي) الذي يستطيع بسهولة نسبيا، نظرا إلى قدراته المؤسسية، تغيير المسار الذي انتهجته إيران تحت رئاسة أحمدي نجاد، ومثال إعادة بناء ما دمرته الحرب العراقية – الإيرانية 1980 – 1988 حاضر وناجز. كما يحظى رفسنجاني بدعم رجال الأعمال الذين يأملون في الخروج من الضائقة الاقتصادية التي سببتها العقوبات الدولية وسياسات أحمدي نجاد النقدية التوسعية.
خربط ترشح رفسنجاني حسابات وأوراق خصومه من معسكر المحافظين، الذين بادروا إلى فتح النار عليه. وتبارى مرشحو «التحالف الثلاثي» في الهجوم على رفسنجاني، إذ اعتبر محمد باقر قاليباف القائد السابق بالحرس الثوري عودة رفسنجاني بأنها عودة إلى العسكرة. أما حداد عادل فقد اعتبر أن رفسنجاني كان متورطا في «فتنة» بالإشارة إلى انتخابات عام 2009. من ناحيته اعتبر علي أكبر ولايتي، وزير رفسنجاني السابق، أن رفسنجاني لم يكن إلى جوار المرشد في انتخابات عام 2009. ومن الواضح أن صمت المرشد يفتح الباب أمام انتقاد رفسنجاني بهذه العلانية. بدوره شدد رفسنجاني على شعار حملته الوسطية التي أسماها «اعتدال علوي» نسبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، في تشديد على مقارعته أساساً لمعسكر أحمدي نجاد المتشدد.
الخلاصة
غداً يميط مجلس صيانة الدستور اللثام عن قراراته النهائية. هل سيجيز ترشح مشائي المثير للجدل والذي يتهمه خصومه بالفساد، أم سيحجبه عن السباق؟ سيعني الاحتمال الأخير أن أحمدي نجاد سيخرج من الحياة السياسية الإيرانية ومن مؤسسات الدولة مثلما خرج فعلـيا من المعــادلة السياســية الإيرانية قبل سنة على الأقـل، أما إجازة مشـائي فسـتعني سخونة غير اعتيادية في الانتخابات الرئاسية. هاشمي رفسنجاني أو «سيزيف» الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي تقلب في مناصبها السياسية الهامة كلها، باستثناء منصب المرشد، هو رقم صعب في معادلات إيران السياسية، سواء جلس في مقعد الرئاسة أم لا. هل سيجيزه المجلس فيواجه مشائي، أم أن المجلس سيجيزه ويحجب الثقة عن مشائي، فينسحب هاشمي من السباق ساعتها كما يتوقع البعض؟ هل سيقضي مجلس صيانة الدستور على آمال أسفنديار مشائي مبكرا فيحجبه عن الترشح، أم يهزمه رفسنجاني في الانتخابات كما هزم رستم إسفنديار في «الشاهنامه»؟ ولا ننسى أنه إذا حجب المجلس كلا المرشحين رفسنجاني ومشائي فسيبقى السباق الرئاسي في دائرة الوسط وعدم الاستقطاب. في كل الأحوال، سيحمل الغد إجابته عن كل هذه الأسئلة.