الانتصار في معركة الحشود (وائل عبد الفتاح)

 

 
وائل عبد الفتاح

ـــ 1 ـــ

… جولة جديدة هُزم فيها الإخوان.
جولة الحشود والصناديق. لم تعد اللعبة لعبتهم وحدهم. ولم تعد مفاتيح الجماهير معهم كما قالت أساطيرهم. و«عرس الديموقراطية» عاد لمن كانوا يقدّمونه من دون جماهير، أو بجماهير مصطنعة. اليوم فاز السيسي في معركة الحشود، وجماهيره استجابت للنداء الذي وجّهه قبل يومين: «لا تخذلوني…».
البطل الشعبي هزم الإخوان وحده، من دون قوة سياسية ولا حلفاء 30 يونيو (حزيران) ولا حتى منظمي زفة المستبد الى كرسيه.
الحاسم كان ظهور السيسي قبل يومين من الاستفتاء، وبخطابه العاطفي الحنون، الخالي تقريباً من السياسة والمعتمد على صنع علاقة مباشرة، أو شيفرة مع الجماهير من دون «وسطاء» من الأحزاب والمنظمات والنقابات.
الهزيمة في معركة الحشود ستغيّر حسابات السياسة، ليس فقط على مستوى استكمال خارطة الطريق، أو عودة «الأمل في الجيش…» ولكن إلى اكتشاف أن السحر في الصناديق لا يدوم.

ـــ 2 ـــ

الاستفتاء لم يكن على الدستور.
وربما ليس على السيسي، لكن ضد الإخوان.. أو في الحقيقة ضد أسطورتهم التي بدت أنها لا تقهر.. أو بدت طوال 80 سنة أكبر من حجمها.
والحشود في اليوم الأول كانت رسالة بأن الشعب في «احتفال… مكايدة»، ليس مهماً اتساقه حول هدف واحد ولكن ضد عدو واحد الآن.
هذه الرسالة وصلت بعد أن انتهى تحالف 30 يونيو على صورة مركز وحيد فيه الجيش والسيسي، على القرب منه شريحة من جناح حكومي سياسي، محسوب على أحزاب الثورة، أو ما تسمّى الآن، أحزاب يناير… هذه الشريحة دفعت إلى إثبات «سلطويتها» لتكون تعبيراً عن القوة والجدارة بالحكم.
هذه المجموعات المقيمة على هامش «السلطوية»، لعبت دور أداة عزل لأحزابها ولقوة شعبية غير منظمة تعيش حالات غضب مكبوت وإحباط من تسرّب شعور قوي بعودة «الدولة القديمة».
وأجهزة الدولة القديمة تفعل كل ما في وسعها لإثبات أو تأكيد هذه المشاعر لتخلي الساحة أمام أوهامها بالعودة.
الجماهير لم تر هذه الخريطة وهي تتوجّه إلى «عرس الديموقراطية».. الجماهير خرجت أو «نزلت» من بيوتها.. لأنها مذعورة، وهناك أجهزة في الدولة عطّلت العقل عندها لتبقي غريزة الخوف وحدها تتكلم… هؤلاء في حرب دفاعية عن «مصر» التي كانت ستضيع على ايدي الإخوان والمرسي .
وماذا بعد؟

ـــ 3 ـــ

بعد العرس الديموقراطي حسابات أخرى.
هل سيكمل السيسي مسيرته إلى قصر الرئاسة؟ أم أنه سيحتفظ بالشعبية في عزها وينسحب إلى «مؤسسته»؟
الإشارات القادمة من كواليس المؤسسة العسكرية تشير إلى موقف أقرب إلى رفض الترشيح، وكذلك فإن الحليف الخليجي أظهر إشاراته القلقة في تصريح محمد بن راشد آل مكتوم رئيس حكومة الإمارات وحاكم دبي، وغيرها من رسائل في مقالات لا ترحّب بعبور السيسي من الثكنة إلى قصر الرئاسة في هذه المرة على الأقل .
الرسائل قد تكون صدى للموقف الأميركي، وقد تكون تخوفاً من انتشار موديل «الرئيس الجنرال» في المنطقة استلهاماً لمصر، وهو ما يمثل قلقاً لطبقات مالية واجتماعية يمكنها أن تستفيد من فرملة التغيير الذي انطلق في يناير لكنها لا تريد عودة عبد الناصر ولو كان بمذاق ساداتي، أو بمعنى آخر لا تريد دولة تقهر الإخوان وتحتكر الشعب ثم توزع المواقع في خريطة الثروة والنفوذ بمزاج جديد.
ماذا سيحدث بعد عبور أول مرحلة من خارطة الطريق.. وهزيمة الإخوان في معركة الحشود…؟ هل سيبدأ تمهيد الطريق أمام «دولة البطل وجماهيره»؟ أم ان هناك قوة في المؤسسة العسكرية ستكبح هذه الرغبة باعتبارها مغامرة خطرة على المؤسسة.. لأنها ستواجه بمطالبات اجتماعية أكبر من طموح الرئيس وحده..؟
ولأن الرئيس لن يكون غالباً المعركة، بعد تقلص صلاحياته في الدستور الجديد وتحوّله من مركز النظام والدولة، إلى مدير للسلطات… فإنه من المتوقع أن ينفجر الصراع بين مَن يريدون تحويل الدستور إلى ورقة، مجرد ورقة إثبات شرعية، لا تنفذ أو يمكن تعديلها، وبين مَن يريدون تفعيل مواد الحريات أو تلك التي تقلّص صلاحيات الرئيس، ليكون مثل دستور 1923 الذي كان ضد مَن كتبوه ومرّروه، ولمصلحة مَن عملوا ضده.

صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى