الانتلجنسيا العراقية ودورها الثقافي في العهد الملكي (د. مفيد الزيدي)

 

د. مفيد الزيدي

• مقدمة:

بقيت بغداد حاضرة العراق وعاصمتها، والتي وصفت من كبار المؤرخين العرب والمسلمين امثال اليعقوبي والمسعودي والخطيب البغدادي بانها أم الدنيا وجنة الارض، وتميزت بكثرة علمائها واعلامها ودور العلم والمكتبات والمدارس، وبروز التعليم والمعلمين وبمرور الزمن ثم التحقت بها السينما والاذاعة والتلفزيون، والاصوات المطالبة بتحرر المرأة، وانتشار الازياء العصرية، وظهور الصحافة الرسمية والاهلية وحركة الطباعة والمطابع، والتأليف والنشر والترجمة.
وبهذا تبلورت الانتلجنسيا العراقية منذ العشرينيات والثلاثينيات والاربعينيات من القرن العشرين مع ظهور نخبة من الادباء والكتاب امثال الرصافي والزهاوي والشبيبي والجواهري والسياب ونازك الملائكة ومصطفى جواد وجلال الحنفي وعبدالرزاق الحسني وعلي الوردي ومهدي المخزومي وعلي جواد الطاهر وعبدالجليل الطاهر وانستاس الكرملي وجواد علي وعبدالجبار عبدالله وابراهيم شكر وفهمي المدرس ونوري ثابت ومحمود السيد وجعفر الخليلي وسلمان شكر وحضيري عزيز والقبانجي وسليمة مراد ورضا علي وصديقة الملاية وزهور حسين والعشرات غيرهم ممن وضعوا لمساتهم في المشهد الثقافي.
ومن اجل تنشيط الذاكرة التاريخية العراقية اعود لاسهم بتواضع في الكتابة عن دور الانتلجنسيا العراقية في تاريخ هذا البلد العريق من اجل تواصل الحاضر مع الماضي، واعطاء فكرة للجيل الجديد عن دور المثقفين العراقيين الاوائل الرواد الذين عانوا واجتهدوا في ظل ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية صعبة لكي يقدموا عصارة وافكارهم وثقافتهم كل في مجاله الادبي والفني والتعليمي والاكاديمي.

• البيئة العربية للمنجز الثقافي:

يواجه العرب اليوم على أعتاب الألفية الثالثة العديد من الأزمات المجتمعية والفكرية والاقتصادية بعضها ذو جذور قديمة وبعضها متفاعل مع حركة التاريخ، وعلى الرغم كثرة الكتابات حولها في سبيل تشخيصها، وبيان مسارتها، فإن حلولها باتت مستعصية. تطرح إشكالياتها الكثير من التساؤلات أمام المفكرين العرب، وتدور بشكل جوهري حول سؤال محوري:
لماذا أخفقنا بينما نجح الآخرون؟ وكيف نستطيع تجاوز الإخفاق نحو النهضة واكتساب الرفعة في المستقبل؟.
لا يمكن الحديث عن نهضة دون التوقف عند تجارب الماضي ،ومحاولة استذكار مسيرة قرنين من الزمن بكل نجاحاتها وإخفاقاتها، ودروسها وتجاربها، ومحاولة فحص مرجعياتها الفكرية وأدواتها الثقافية بدءا من النهضة الأولى في القرن التاسع عشر باعتبارها الانطلاقة المؤسسة بعد طول سبات وركود في الذهنيات العربية بحكم التسلط الأجنبي، ثم محاولة أخذ الدروس من النهضة الثانية بعد الحرب العالمية الثانية وما تعرف بمرحلة الاستقلالات العربية والخلاص من الحكم الأجنبي المعاصر، وبداية مرحلة التنمية والتحديث في المجتمع العربي.
وبذلك فإن عملية المقارنة واستشفاف العبر بروح متفهمة وعقل متنور يدعو للإصلاح ويسعى للنهوض ويحقق وظيفة التاريخ الذي يقدم الدروس للشعوب والأمم الحية كما مرت أوروبا من قبل بمرحلة من الانقطاع الفكري والصراع الاجتماعي والسياسي أخذت تبحث عن النهضة فحققت ما أرادت على الرغم من أنها قدمت الكثير إلا أنها تجاوزت ذلك، وحققت نهضتها بشكل متصاعد.
لقد مر العرب بمرحلة من الاحتكاك مع الغرب في إطار البحث عن فرص الانعتاق من حال السبات والسكون، وحصل التقدم مع الحملة الفرنسية على مصر، وصحوة الفكر العربي على مقولات الحرية والإخاء والمساواة، وحصل نوع من التجاذب الفكري والحضاري بين أمة تسير نحو الحداثة، وأخرى تستعمر فتؤثر وتثير هواجس النهضة وإرهاصاتها وكأنها تقول له انك تعيش في زمن غير زمنك وعصر غير عصرك، فتنكسر العزلة بين مصر والعرب من جهة وفرنسا والغرب من جهة أخرى، وبدأت مسيرة الاقتباس من الغرب التي لم تنته في نمط المعيشة وروح الحضارة، حتى بدا وكأن عدم قدرة الشعوب على عدم اللحاق بالغرب واكتسابها علومه ومعارفه يطيح بكل طموحاتها وجهودها من أجل النهوض والنمو.
وأخذت بوادر النهضة الفكرية طريقها في مصر لتحدث تأثيرها الواضح من خلال الآراء والمفاهيم الجديدة التي جاءت بها الثورة الفرنسية بشكل خاص والتي تؤكد على الليبرالية وانتشارها في البلاد العربية الخاضعة آنذاك للدولة العثمانية، وبدأت النخب الاجتماعية والسياسية تطلع على الثقافة العربية والفكر الليبرالي للمرة الأولى.
فأفاق العرب من مرحلة الرتابة والسكونية في ظل التحكم العثماني المستمر وبروز رد فعل إصلاحي من قوى سلفية وليبرالية في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين تبلورت بالنهضة الحديثة، وشكلت الكتابات الأولى للمفكرين العرب دعوات إصلاحية لتأسيس خطاب نهضوي عربي يستوعب التحدي الذي حمله الجانب الحضاري في توسع الغرب وإمبرياليته، والحوار الذي تم على أساسه الخروج من التقليدية إلى الاستنارة في الفكر العربي .وقد وجد المفكرون العرب الذين شددوا على الفكرة القومية والسعي من أجل الوحدة على أساس اللغة والإقليم، وإحياء العربية وآدابها، ودور العلم والعقل، والسعي للتحديث بناء على قاعدة ليبرالية أوروبية ،واعتبار الحداثة إلحاقا بركب الحضارة الأوروبية الذي يجسد التقدم الغربي الرأسمالي.
أما رواد النهضة العرب الذين أكدوا على جانب الحداثة من النهضة فقد حذوا حذو أوروبا وحاولوا تطبيق نماذجها بهدف التقدم والنهوض تعبيرا عن إعجابهم بالتقدم الأوروبي والذي جسده رفاعة رافع الطهطاوي وخير الدين التونسي وأديب إسحق والرافعي وغيرهم، وتأكيدهم على الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة والاستفادة من دروس التجارب الأوروبية وعناصرها ونماذجها التي صيغت على أساسها نماذج الحرية والمساواة والتقدم، ومحاولة تجاوز العصور الوسطى والإقطاع والمسلك الكنيسي والاستبداد الأباطري، فتبنى رواد النهضة وفلاسفتها حتى في المراحل اللاحقة بمختلف اتجاهاتهم الفكرية وتياراتهم السياسية صورة فلاسفة التنوير الذي مهدوا للثورة الفرنسية كصورة مثالية للحرية والعقل والعدالة الاجتماعية والعلم والديمقراطية والدستور والحياة البرلمانية.
فشكلت النهضة عصرا جديدا في الواقع العربي خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين في حالة وعي جديدة لدى الأنتلجنسيا حول إشكاليات تم صياغتها كثنائيات مقارنة بالآخر الغربي الأوربي وهي التأخر والتقدم، الديني والعلماني، الجهل والعلم، الاستبداد والديمقراطية، القومية والعالمية، وهذه الإشكاليات كانت قد شغلت النهضويين العرب في المشرق العربي حينذاك. وعلى الرغم من ذلك الإعجاب الكبير من لدن النهضويين العرب نحو الغرب في ظل توسعه الرأسمالي إلا أنه مثل نموذجا للتقدم والعلم من جهة أخرى، فانقسم المفكرون العرب والسياسيون بين أعداء للغرب ومعجبين به، وكان أمل النهضويين هو الاستقلال إلى جانب العلم، والعدالة إلى جانب التنمية، والتقدم إلى جانب الحرية.
ولكن ظل السؤال المطروح بعد كل هذه الفترة هل تحقق كل ذلك؟
على الرغم مما تحقق في الجانب الآخر (الغربي) من تقدم هائل وثورة في الاتصالات والمعلوماتية والمواصلات والإعلام والمعارف والعلوم عموما بحيث يصف المفكر محمد عابد الجابري الواقع العربي الراهن بأنه شبيه بما رفعوه الرواد النهضويين العرب الأوائل في باريس ولندن في الوحدة العربية، أو الوحدة الإسلامية، كالوقوف أمام الغرب وتدخلاته، وتحرر المرأة، ونشر التعليم، وامتلاك الصناعة والتكنولوجيا، ومحاربة التخلف، والوقوف أمام الاستبداد والظلم والمطالبة بالشورى والديمقراطية، وكأن عجلة التاريخ تعود من جديد حيث لازالت هذه القضايا تتفاعل عربيا وهي قوام عنوان النهضة في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرون وما زالت مطروحة وقائمة وتفعل فعلها المؤثر في الراهن العربي على مختلف الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
في ضوء ما تقدم فان العراق لم يكن بعيدا عن تلك المؤثرات الثقافية والسياسية والفكرية ،وكان لهذه التطورات الأثر الكبير في ظهور (الانتلجنسيا العراقية) في العهد الملكي بين (1921-1958) الا أنها استمدت جذورها الفكرية بعد إعلان الدستور العثماني عام 1908 حيث أصبح لها وزن سياسي وفكري ،ومع التحولات السياسية الجديدة التي أعقبت ثورة العشرين والتي بدأت برفض الانتداب البريطاني، وأصبح للنخبة المثقفة دورهم وحضورهم الفاعل والمؤثر في معظم الأحداث السياسية المهمة التي شهدها العراق في تلك المرحلة ،وعلى الرغم من سعي بريطانيا لتحجيم دورهم هذا عزز تطورهم تأكيدهم على التجديد الفكري والسياسي ،وربطوا لأول مرة بين الاقتصاد والنضال الوطني كما عبر الواقع بنفسه من خلال إيجاد أدوات اجتماعية وتنظيمات سياسية من أجل تحقيق مصالحهم وطموحاتهم في اقامة النظام الذي حلمت به الانتلجنسيا العراقية عقود طويلة.

• ماهية الانتلجنسيا العراقية:

ان الانتلجنسيا هم الطليعة ومقياس التجدد هو آراؤهم وطروحاتهم الفكرية والسياسية ونظرتهم الى المجتمع من منظور حضاري. وان هناك فكرا جديدا ظهر في العراق نقيض الفكر التقليدي السائد يدعو للإصلاح الجذري والثوري، ولكنه بقي محصورا بين المجالس الثقافية والمقاهي التي يرتادها المثقفين المتنورين، ويعزى ذلك الى أن الطبقة الوسطى لم تكن قد تبلورت بعد لتكون حلقة الوصل بين الانتلجنسيا والشعب، وان الأجواء السياسية في العهد الحميدي في السلطة العثمانية دفعتهم الى الهرب الى الخارج علما ان الانتلجنسيا العراقية لم يستهدفوا الا الاصلاح العثماني وليس الانفصال عن الحكم العثماني .وحققت النخبة المثقفة العراقية تطورها الفكري والسياسي بعد اعلان الدستور العثماني عام 1908، وتحول دورها للاندماج بالتيار الاصلاحي الاجتماعي بعده جزءا من تيار التجديد في التعليم والصحافة.
وعندما جاء الاحتلال البريطاني للعراق في عام 1914 فان الانتلجنسيا قبلوا الأمر الواقع بسبب خيبة الأمل بالسياسة العثمانية لكن سياسة الاحتلال جعلتهم يتجهون نحو الأفكار الثورية، ومهدوا مع أبناء الشعب لقيادة ثورة العشرين .ومع التحولات السياسية الجديدة التي أعقبت الثورة برفض الانتداب أصبح لهم دورهم وحضورهم الفاعل في الأحداث السياسية التي شهدها العراق في تلك المرحلة.
وان هناك فكرا جديدا قد ظهر نقيض الفكر التقليدي السائد يدعو للإصلاح الجذري والثوري، ولكنه بقي محصورا بين المجالس الثقافية والمقاهي التي يرتادها المثقفون المتنورون ،ويعزى ذلك الى أن( الطبقة الوسطى) لم تكن قد تبلورت بعد لتكون حلقة الوصل بين الانتلجنسيا والشعب.

• عوامل بلورة الانتلجنسيا العراقية:

من بين العوامل التي بلورة الانتلجنسيا العراقية ظهور الصحافة والتعليم والطباعة والاذاعة والتلفزيون تلك الادوات التي تتشكل بها الانتلجنسيا في مراحلها الاولى. وعلى مستوى الصحافة فقد ظهرت اول صحيفة عراقية هي الزوراء في السادس عشر من يونيو/حزيران عام 1869 كبداية لتأسيس الطباعة العراقية التي عدت مرحلة جديدة للطباعة والصحافة في العراق في العهد العثماني ونواة للمرحلة التي تلتها في العهد الملكي.
ثم اخذ التعليم في العراق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الى بلورة نخبة جديدة طابعها ترسخ على اسس ثقافية من خلال ظهور المدارس الحديثة على الرغم من العثمانيين وضعوا اسس التعليم الرسمي الحديث الا انه لم يصل الى مرحلة التأثير الفكري والثقافي في بنية التعليم في العراق.وتعد ثورة الاتحاديين عام 1908 مهمة في تاريخ الولايات العربية التي تطلعت لنيل حريتها من الاستبداد العثماني، وقد اسهمت المتغيرات في تلك المرحلة الى ظهور تيارات فكرية وسياسية جديدة في المجتمع العراقي وكان المثقفين في طليعتها. ومن سماتها ايضا ظهور التطلعات من الانتلجنسيا العراقية لحرية الفكر وتحرر المرأة والتنوير والمتنورين وبواكير الفكر الاقتصادي ومعالجاته قبيل الحرب العالمية الاولى. ثم ظهور النزعة الوطنية لدى الانتلجنسيا والتحرك القومي بين( 1908-1914)، وعندما اندلعت الحرب في عام 1914 كانت الانتلجنسيا العراقية بين عهد التخلف السابق وبين حرب كونية انتقلت شرارتها الى العراق والمنطقة واحتمالات الاحتلال البريطاني لبلادها.
في مرحلة الاحتلال البريطاني كان عدم الاهتمام بالتعليم الثانوي والعالي خشية ظهور الانتلجنسيا الواعية ومواجهة التطلعات الوطنية والعربية في المجال التعليمي وفي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين اتجهت الجهود المحلية للنهوض بالتعليم والسير من خلال الكوادر التعليمية بخطوات نشطة ومن خلال الاحزاب والصحافة والبرلمان والمثقفين واهمية التعليم في بناء الدولة الحديثة ،وارتفاع مستوى السكان ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا مع بروز مدارس انكليزية او تتحدث وتعتمد اللغة الانكليزية قد بلورة نخبة تعليمية طبقية انعكس في ظهور انتلجنسيا في العهد الملكي تأثرت بعد ذلك بتلك الثقافة الاجنبية. وتأثرت الانتلجنسيا بالأفكار الثورية والديمقراطية الحديثة، ثم دور المثقفين الريادي في المدن العراقية واثرهم في قيام ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني الى جانب الشرائح الطليعية الاخرى. وكانت للانتلجنسيا العراقية مواقفها من اقامة العرش الملكي الجديد ومجيء حكم الملك فيصل الاول عام 1921، ثم من معاهدة 1922 والمجلس التأسيسي والتحاقهم بالحركة الطلابية في الكليات والمدارس التعليمية ودورهم الثقافي في الاندية والجمعيات الثقافية والسياسية في مرحلة الانتداب وموقفهم من قضايا الاقتصاد والفلاحين والعمال.
الا ان التعليم في واقع الحال لم يفسح المجال على نطاق اوسع لبلورة انتلجنسيا وطنية بحيث لم يظهر نظام تعليمي وطني له فلسفة اجتماعية او سياسية موحدة او ظهور جامعة عراقية محلية وبحق كان تعليما طبقيا خلال تلك المرحلة من تكوين العراق المعاصر.
من بين عوامل بلورة الانتلجنسيا الاذاعة وظهورها في المجتمع العراقي ممثلة اولا بإذاعة قصر الزهور في عام 1937 اسهمت في الجوانب الاخلاقية والثقافية ومساهمة الممثلين والفنانين والهواة والمثقفين فيها، واستمرت الاذاعة في الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي في بلورة البنى السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية في الوسط الثقافي العراقي، والتي تعد من عوامل بلورة الانتلجنسيا في تراكمها المعرفي واكتشاف طاقاتها ومواهبها في المسرح والسينما والاذاعة والتلفزيون وانطلاقها نحو افاق اوسع في المجال الثقافي العراقي والعربي.
وعلى سبيل المثال فان القضاء كان له دوره في تكوين الانتلجنسيا العراقية ومنها (كلية الحقوق) ببغداد التي يقول الدكتور سيار الجميل بانها تأسست على ايدي العثمانيين في السنة الاخيرة من حكم السلطان عبد الحميد الثاني (1876 – 1909) الذي شهد عهده نهضة تعليمية واسعة ولمناسبة ذكرى مرور مائة سنة على تأسيسها عام 1908 ومضيها مع حياة العراق حتى اليوم، اذ درس فيها الالاف، وتخرج في اروقتها اهم رجالات الحياة المدنية في العراق، ومنهم قادة ورؤساء حكومات ووزراء وقضاة والساسة والاداريين ورجال القانون من القضاة والمدعين العامين والمحامين العراقيين الذين كان لهم ادوارهم المختلفة في حياة العراق السياسية والاجتماعية والادارية والقضائية.
من جهة اخرى يرى الدكتور الجميل ان المثقفين العراقيين الذين قاموا بتأسيس "الرابطة الثقافية" في العراق، وهي واحدة من التجمعات الثقافية والسياسية التي حفل العراق بها إبان الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، وهم مثقفين عراقيين حقيقيين كانوا يؤمنون بالعمل الجمعي سواء كانوا ليبراليين أم راديكاليين أم قوميين، وكانت فكرة الرابطة قد انبثقت في سني الحرب العالمية الثانية، وكان المؤسسون يأملون ويتطلعون ويحملون همومهم السياسية والاجتماعية ضمن نزعة وطنية عراقية، ويحلمون بأهداف وتطلعات في التطور والتقدم للعراق.

• الخاتمة:

ان عملية التحديث والنهضة العربية أصابها الاختلاف في واقع الحال وارتباك فهي لم تستطع تحقيق النهضة الصناعية والتكنولوجية كالنموذج الياباني ولا الثورة الجذرية الشاملة واعتناق عقيدة جديدة كالنموذج الصيني، ولا الدول الديمقراطية العصرية مع الحفاظ على التراث الروحي كالنموذج الهندي، وكلها أمم آمنت بالوحدة القومية وحققت التحديث، فالوحدة العربية أساس عملية النهضة والحديث وبدونها لا يمكن الحديث عن ذلك بشكل عقلاني وسليم. ثم استمرار معركة ما بعد الحداثة على الرغم من التناقضات الفكرية الواسعة المطروحة والاختلاف في أجنحتها حول المبادئ التي تسعى إلى إرساءها في الممارسة لا سيما بعد محاولات هدم تجارب المشروع الحداثي الغربي.
فضلا عن أن المشكلة التي واجهت المثقفين العرب ومنها الانتلجنسيا العراقية في النصف الاول من القرن العشرين وما بعدها تتعلق بالتجديد الأصيل والإبداع والاستجابة لتحدي الغرب من نقد أوضاع العرب المتخلفة لبناء مجتمع عصري بثقافة عصرية، ويفترض ذلك تجديد الثقافة العربية وتمثل التجديدات التكنولوجية، والاهتمام بالتعليم العالي والبحث العلمي، والإنتاج الأصيل والإبداع، ووقف هجرة الأدمغة العربية إلى الخارج.
وثبت أن الديمقراطية ضرورة حقيقية للانتلجنسيا العراقية في مواجهة الأزمات المجتمعية والسياسية والاقتصادية والتحديات الخارجية وعلى الرغم من التشاؤم المطروح في الخطاب الثقافي العربي حيال تجسيد الديمقراطية في الوطن العربي إلا أن العمل المدني في المجتمع يمكن أن يقصر الفجوة ويجسر الهوة بين الرافضين والداعين إلى الديمقراطية.
إن المثقفين العرب عامة ومنها الانتلجنسيا العراقية سواء قبلوا أم لم يقبلوا سيدخلون العقود القادمة أمام تحديات من نوع جديد وهي ثورة المعلومات والتقنيات والتي أصبحت عنوانا للنهضة في مفتتح القرن الواحد والعشرين تحتاج إلى ضرورات الإنتاج وامتلاك العقل والعلم والاتصال مع شبكة المواصلات والاتصالات العالمية والمساهمة في صياغة العالم الجديد في ظل التنمية والديمقراطية والتقدم والتكنولوجيا إنها أصبحت المقومات والأسس للنهضة ،وبالتالي بات واضحا أن بغير وحدة العرب واستقلالية قرارهم الاقتصادي والتنموي، وعدالة مجتمعاتهم، والمشاركة الشعبية والسياسية، والتجدد الحضاري لا يمكن دخول القرن الجديد ونحن نبحث عن النهضة، فالنهضة حسب أولوياتها وشروطها كل واحد أما إن تقبلها أو ترفضها جميعا. وتلك هي التحديات التي تواجه العرب والانتلجنسيا العراقية عامة.


مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية – جامعة بغداد

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى