الانفجار يقترب كثيرًا من قطاع غزة
يبدو أن على سكان قطاع غزة “المحاصرين” منذ أكثر 15 عامًا، أن يستعدوا جيدًا لجولة تصعيد عسكرية قادمة في أي لحظة قد تكون هذه المرة الأعنف والأقوى من سابقاتها، وأن يتركوا جانبًا حطام ودمار جولة التصعيد الأخيرة كما هو، فكافة الأوراق السياسية في القاهرة و”تل أبيب” قد تبعثرت واستبدلت معظمها بأوراق الحرب.
فمنذ انتهاء جولة التصعيد الأخيرة على القطاع التي استمرت 11 يومًا قبل أشهر وخلفت مئات الشهداء والجرحى، ودمارًا هائلاً في البنية التحتية، لم ينجح الوسيط المصري حتى اللحظة في التوصل لاتفاق صارم وواضح، يُنهي حالة الاحتقان المتصاعدة بين حركة “حماس” وإسرائيل ويوقف رياح التصعيد القادمة من كل مكان والتي تحمل معها رائحة الحرب والدمار.
إسرائيل لم تتوقف عن لغة التهديد والوعيد بشن “الحرب الطاحنة” على رؤوس سكان قطاع غزة للحظة واحدة منذ أخر جولة تصعيد، لكن هذه المرة كان الملفت آخر تصريح صدر عن قيادات حركة “حماس” والذي أكد فيها صراحةً أن الحركة بدأت فعليًا تدرس الآن خيارات التصعيد، وتوجيه الانتقاد المباشر للوسيط المصري.
قيادي في حركة “حماس” قال إن حركته “تدرس خيارات التصعيد مع إسرائيل في ظل حصار غزة وتباطؤ إعادة الإعمار”، مضيفًا لقناة “الجزيرة”، أن “الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى واستهداف الأسرى ستفجر الأوضاع مجددا، لن نسمح باستمرار الوضع الحالي والمرحلة القادمة ستثبت مصداقية ما نقول”.
وتابع “نعبر عن استيائنا الشديد من سلوك الوسيط المصري وتلكئه إزاء وعوده تجاه غزة”، قائلاً “مصر لم تلتزم بما تعهدت به لحماس والفصائل من إعادة الإعمار والتخفيف عن غزة”، مضيفا “مصر تواصل التنغيص على المسافرين الفلسطينيين إلى قطاع غزة”.
وقال أيضا “مصر تواصل منع الآلاف من السفر من قطاع غزة دون مبرر سلوك مصر تخل عن تعهدها بإلزام إسرائيل مقابل التزام المقاومة بالتهدئة”.
التهديد بالتصعيد لم يتوقف فقط عند حركة “حماس”، فكان لحركة الجهاد الإسلامي نصيب منها، حين حذر القيادي في الحركة أحمد المدلل، من مغبة تلكؤ العدو واستمرار مماطلته في فك الحصار.
وقال إن استمرار التلكؤ في رفع الحصار، “سيقود الأوضاع لانفجار وشيك في وجه العدو”، مؤكدًا أن المقاومة “لن تسمح باستمرار الحصار مطبقا على شعبنا بهذه الطريقة”.
ودعا القيادي في حركة الجهاد الإسلامي إلى ضرورة فتح المعابر وإعادة الاعمار ورفع القيود بما يتيح لشعبنا العيش بكرامة، مطالبًا في الوقت ذاته الوسطاء بسرعة التدخل لإنقاذ الوضع، والضغط على الاحتلال لتنفيذ اتفاقات وقف اطلاق النار بعد معركة سيف القدس.
كما أكد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسؤول فرعها في قطاع غزة جميل مزهر، أن الحديث عن تهدئة طويلة الأمد مقابل تسهيلات هو أمر غير ممكن، ولا يمكن القبول به.
وقال مزهر في حديث متلفز: “التهدئة ممكن أن تترجم كاستراحة مقاتل للتجهيز أو غيره من الأسباب، وغير ذلك غير مقبول منا ولا من أيّ فلسطيني”، مضيفًا “هذا الأمر لم يطرح علينا من قبل المصريين، وبالنسبة للملف الأساسي الذي يطرح علينا هو ملف الانقسام السياسي”.
وأشار مزهر إلى أن المصريين لديهم تقدير أن الجبهة يمكنها لعب دوراً في نجاح ذلك الأمر، باعتبارها قوة قابلة على التأثير والفعل والبحث عن مخارج، لافتًا إلى أن النقاشات مع المصريين كانت منحصرة في قضايا الناس وهمومها في ظل الحصار والدمار، لا سيما ما بعد معركة سيف القدس، مضيفًا “بحثنا كيفية تسهيل حركة المسافرين من وإلى مصر”.
وأكد أن عنوان معاناة الناس في السفر كان موضوعاً أساسياً ناقشه الوفد مع المصريين، مردفًا “تلقينا وعودًا جدية من المصريين بتسهيلات على حركة المسافرين”.
وأضاف “نحن تحدثنا مع المصريين حول الوضع السياسي، وقالوا لنا إن المطروح على الشعب الفلسطيني هو السلام الاقتصادي، وهو في مضمونه رشاوي معيشية واقتصادية للسلطة وغزة، بمعنى المال مُقابل الهدوء والأمن”.
وجدد مزهر التأكيد على أن العدو لن يستطيع تحريف غزة، لأنها جزء من القضية والمقاومة، وهي جزء من الاستراتيجية والرؤية الفلسطينية.
لابيد إلى القاهرة
وتقابل الاستعدادات الفلسطينية استعدادات إسرائيلية للتصعيد، وقال مصدر عسكري إسرائيلي مسؤول، إن غياب التقدم على جبهة قطاع غزة واستمرار التصعيد في الضفة الغربية، يُعجّل من فرص اندلاع مواجهة جديدة. ونقلت قناة “كان” العبرية عن المصدر قوله، إن “المنطقة على صفيح ساخن”.
وذهبت إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى الاتجاه نفسه، وقالت إنه “رغم التسهيلات التي دخلت حيز التنفيذ في قطاع غزة، فإن المؤسسة الأمنية تقدّر بأن فرصة التصعيد آخذة في الارتفاع”.
وعلى ضوء التطورات القائمة، من المقرر أن يتوجه وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، الخميس المقبل، إلى العاصمة المصرية القاهرة، لعقد لقاءات رسمية مع كبار المسؤولين في البلاد، وبحسب موقع واي نت العبري، فإن هذه الزيارة الثانية ستكون لوزير الخارجية الإسرائيلي، إلى القاهرة، بعد أن كان زارها بالفعل الصيف الماضي.
وسيركز لابيد خلال اللقاءات التي سيجريها هناك على خطته المعروفة باسم “الاقتصاد مقابل الأمن” والخاصة بالوضع في قطاع غزة، إلى جانب مناقشة عدد من القضايا الإقليمية ومنها الملف الإيراني.
وسيلتقي لابيد مع نظيره المصري سامح شكري، وقد يلتقي بالرئيس عبد الفتاح السيسي، إلا أنه لم يتم حتى اللحظة الحصول على موافقة مصرية لهذا اللقاء، بحسب ما ذكر الموقع العبري.
وبنظرة تحليلية للواقع “الغامض” القائم في غزة، وفرص التصعيد التي تكبر يومًا بعد يوم والتي تغذيها تهديدات إسرائيل من كل جانب، يرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، أن تباطؤ الاحتلال في استكمال الالتزامات المتعلقة بإعادة الإعمار وغياب دور الوسيط المصري بإلزام الاحتلال، سيساهم في تصعيد الأوضاع خلال المرحلة المقبلة، خاصة وأن تهديدات المقاومة الأخيرة تحمل في طياتها الوضوح من طبيعية الدور الضعيف والمنحاز الذي يلعبه الوسيط بما يتعلق بملفات القطاع.
وقال المحلل الصواف إن “مصر تعلم أن ما تقوم به من تضيق على غزة وعدم الضغط على الاحتلال وعدم الشروع بعملية الإعمار وتبني الرواية الصهيونية هو مدعاة للتصعيد، لأن المقاومة لن تقبل به، وقالت إذا إستمر الحصار والتضييق على المعابر وعدم الإعمار سيؤدي إلى حالة من التصعيد الذي لم تحمد عواقبه”.
وأضاف: “أن مصر هي الدولة العربية الكبيرة من المفترض أن تكون على الحياد على الأقل وأن إلا تنحاز إلى الجانب الصهيوني، ولكن بكل أسف الوسيط المصري ليس منحازا فقط بل يتبنى الرواية الصهيونية، والعمل على الضغط على المقاومة في غزة وحماس تحديدا كي تقبل بها وتعمل على تنفيذها”، موكداً بأن دولة مصر إذا أرادت الوصول إلى حالة من الهدوء بين المقاومة والاحتلال عليها أن تكون وسيطا نزيها يعمل على ما تريده غزة والمقاومة، وإلا ستفلت الأمور من يديها وسنشهد تصعيدا غير مسبوق تفقد فيه ثقة الوساطة المصرية.
وأكد الكاتب السياسي، أن الجانب المصري لم يلتزم بما تعهد به أمام حماس والفصائل الفلسطينية سواء في تعاملها السيئ مع المسافرين إلى مصر عبر معبر رفح أو القادمين من مطار القاهرة ، فلا زال التعامل سيء والعذابات مستمرة ، وكذلك موضوع الإعمار واستعداد مصر بالمشاركة في إعادة ما دمره الاحتلال خلال معركة سيف القدس.
وأشار إلى أن تصريحات الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة الأخيرة، فيما يخص الدور المصري تؤكد وضوح وموقف المقاومة الصريح من المماطلة المصرية ومحاولة الضغط عليها للقبول بما يريده العدو الصهيوني.
وكانت مصر تعهدت -عقب الحرب الأخيرة على غزة- بمبلغ 500 مليون دولار إسهاما منها في عملية إعادة الإعمار، وأرسلت وفودا هندسية وعمالا أسهموا في إزالة الركام والتهيئة لهذه العملية، فضلاً عن تعهدها بإلزام الاحتلال بإعادة إعمار القطاع وإزالة كافة العقبات لذلك.