الانقسـام السـوري ليس طائفيـاً فحسـب تصـدعات أيديولوجيـة داخـل المعارضـة

يرجع العديد من المحللين الصراع القائم في سوريا إلى معادلة واحدة بسيطة هي الأزمة بين العلويين والسنة. ولكن هذه المعادلة ليست سوى فكرة سطحية لما يدور فعلاً على الأرض السورية بين صراع طائفي أو حرب أهلية، أو خلاف أيديولوجي بين اليمين واليسار، أو مطالب شعبية أو تدخل أجنبي.
ففي حين لفتت مجلة «أوبن ديموكراسي» إلى وجود تصدعين آخرين غير مرتبطين بالمسألة الطائفية داخل المعارضة السورية تحديداً، يجب أخذهما في الاعتبار من أجل فهم الأزمة السورية، هما الصراع العلماني الإسلامي، والصراع بين اليمين واليسار، ترى الكاتبة ليندسي غيفورد، في ورقة لمؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي»، أن الصراع يتخطى المسألة السنية العلوية، ليمتد إلى مذاهب وإثنيات معقدة تشكل المجتمع السوري.
وبحسب «أوبن ديموكراسي»، «يمكن تقسيم المعارضة في سوريا، إلى معسكرين»، فمن جهة هناك «المجلس الوطني السوري» في اسطنبول، المعترف به دولياً، ويتشكل أساساً من جماعة «الإخوان المسلمين»، ومن ليبراليين مستقلين.
أما المعسكر الآخر، فيتألف أساساً من مجلسين علمانيين يساريين، هما «هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديموقراطي»، و«المنتدى الديموقراطي السوري»، وهما «يعاديان النظام ويهدفان إلى إقصائه عن السلطة. إلا أنهما، على عكس المجلس الوطني، لا يريدان إنهاء كل التشكيلات القائمة للنظام الحالي، بل يشددان على الحاجة إلى الحفاظ على الدولة السورية»، والإطاحة بالديكتاتورية، لأن «انهيار الدولة سيوصل إلى فوضى بين الإسلاميين والعلمانيين»، بحسب المتحدث باسم «المنتدى الديموقراطي» ميشال كيلو. لذلك، فتلك الشخصيات المعارضة تريد الحفاظ وتقوية المؤسسات العلمانية داخل الدولة.
هذا البعد من الصراع لا يمكن تفسيره وفق المنظور السني. فموقف «المجلس الوطني السوري»، لا يمكن فهمه على أنه مطلب جماعي للسنة، بل إنه يعكس رغبة «الإخوان المسلمين» في العودة إلى سوريا. وبالتالي فإن إشكالية التدخل العسكري مقابل الحل التفاوضي لا يمكن فهمها من منظار الانتقام الطائفي، بل من منطلق الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين.
أما الصدع الآخر المهمل في تحليل الوضع السوري، فهو «الصراع بين اليمين واليسار». ففي «المجلس الوطني»، يوجد أشخاص ذوو ميول علمانية، ما يطرح تساؤلاً «لماذا لم ينضم هؤلاء إلى المعسكر العلماني اليساري»، ويكمن الجواب، بحسب المجلة، في «الشقاق اليساري اليميني».
ويقارن مراقبون بين «الإخوان المسلمين» في سوريا وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، «حيث يشترك الإثنان في تبني سياسات ليبرالية مدموجة بنظرة دينية محافظة». ويرى أعضاء «المجلس الوطني» الليبراليون أنفسهم كيمين وسط، لذلك «يشعرون بالراحة أكثر في التحالف مع الإخوان… حيث يعتقدون أنهم يشاركونهم خلفية سياسة كافية للعمل معاً في تحالف واحد».
إلى ذلك، فإن التناقض الواضح في النظرة الاقتصادية لمستقبل سوريا، بين «المجلس الوطني» والإسلاميين من جهة، واليساريين العلمانيين من جهة ثانية، يشكل بعداً آخر للصراع السوري.
وللعلاقات الخارجية دور كبير في تعميق الصدع بين اليسار واليمين داخل المعارضة السورية. فـ«المجلس الوطني» مدعوم بشكل واضح من قطر والسعودية وتركيا والولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي. ويعترف عضو «المجلس الوطني» سمير النشار بأن الدعم المالي الذي تقدمه تلك الدول لا يأتي سوى مع شروط تحد من استقلاليته. لكنه يبرر ذلك بكونه «ليبرالياً يدعم الانفتاح، وبالتالي فإنه لا يمكن تجنب الانفتاح السياسي والاقتصادي في سوريا وخارجها، نظراً للعولمة التي نعيش في ظلها».
على العكس من ذلك، لدى المعسكر العلماني اليساري موقف مغاير من دور الدعم الخارجي. وعبر المصطلحات المعادية للإمبريالية، يعارض أي تدخل عسكري أجنبي وأي تسليح لـ«الجيش السوري الحر». فهو يشدد على أن الدعم الخارجي ليس عملاً خيرياً، وإن من شأنه أن يعرّض استقلال سوريا للخطر. و«هذا الرفض مرتبط بالموقف التاريخي لليسار العربي».
ومن هنا، يبدو واضحاً أن تعقيدات المعارضة السورية لا يمكن إجمالها في شقاق طائفي مبسط، مع أنه يتوقع لسوريا مواجهة تحديات طائفية خطيرة.
وهذه التحديات الطائفية تكمن، بحسب غيفورد، في التنوع المذهبي والإثني التاريخي في سوريا، فضلاً عن العلويين، والسنة، هناك الدروز، والإسماعيليون، والمذاهب المسيحية المختلفة من الروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والبروتستانت، حتى أن «بعض القرى المسيحية لا تزال تتحدّث اللغة الآرامية».
كذلك، «تتداخل الإثنية واللغة والمذهب لدى مجموعات مثل الأرمن الذين ينتمون إلى الطائفة الأرثوذكسية الأرمنية، والأكراد الذين ينتمون في غالبيتهم إلى الطائفة السنّية».
وتلفت الكاتبة إلى تقرير أوردته صحيفة «نيويورك تايمز»، يشير إلى أن «الأولاد السوريين في مخيّمات اللاجئين ينظرون إلى النزاع من منظار مذهبي شديد الوضوح، ويسعون إلى الثأر لإخوتهم السنّة عبر الانتقام من العلويين»، كما «يشتبه عمّال الإغاثة في أن العلويين في المخيمات يخفون هويتهم الحقيقية خوفاً على حياتهم».
ولكن الخطر يزداد مع محاولات جر المجموعات الأخرى إلى الصراع، «فقد وُصِفَت التفجيرات بالسيارات المفخّخة التي شهدتها ضاحية جرمانا ذات الأكثرية الدرزية في 28 آب الماضي، بأنها محاولات صفيقة لزرع المخاوف بين الطوائف والمذاهب».
والأمر لا يقتصر على التنوع المذهبي والإثني، بل إن تلك «الأقليات تحمل إرث مؤسّساتها السياسية والعسكرية والاجتماعية التي تمتعت تاريخياً بالاستقلال الذاتي وكانت تنضوي ضمن مناطق جغرافية معينة، الأمر الذي جعل منها قوى اجتماعية تنظيمية».
لذلك، «من غير المفاجئ أنه كلما كان يحدث فراغ في السلطة في سوريا، كانت سياسة الهوية تؤدّي في معظم الأحيان دوراً أساسياً في توليد الأيديولوجيات والهيكليات».

صحيفة السفير اللبنانية

  
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى