الانقلاب في السياسة الخارجية السعودية.. لماذا وإلى أين؟ (عامر راشد)

 

عامر راشد


أرسلت الحكومة السعودية رسالة جديدة، على لسان سفيرها لدى المملكة المتحدة محمد بن نواف بن عبد العزيز آل سعود، تؤكد على انزعاج المملكة من المواقف الأميركية والأوروبية الغربية إزاء الأزمة السورية والملف النووي الإيراني. السفير محمد بن نواف، وهو من الأسرة الحاكمة، اعتبر في مقالة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول، أن "الكثير من سياسات الغرب حيال إيران وسورية تجازف باستقرار الشرق الأوسط وأمنه.."، وأكد أن حكومة بلاده لا يمكنها لزوم الصمت حيال المواقف الأميركية والغربية، ولن تقف مكتوفة الأيدي، لأن تلك المواقف، حسب وصفه، "مجازفة خطيرة"، معللاً ذلك – وفق رأيه – بالقول: "بدل أن يواجهوا الحكومتين السورية والإيرانية، فإن بعض شركائنا الغربيين امتنعوا عن القيام بتحركات ضرورية ضدهما.. إذ أن الغرب يسمح لأحد النظامين بأن يستمر في البقاء وللآخر أن يواصل برنامجه لتخصيب اليورانيوم، مع كل ما يتضمن ذلك من مخاطر عسكرية..".
ويخلص السفير نواف بن محمد في مقالته إلى نتيجة مؤداها "لا خيار أمام السعودية سوى أن تصبح أكثر حزماً في الشؤون الدولية، وأكثر تصميماً من أي وقت مضى على الدفاع عن الاستقرار الحقيقي الذي تعتبر منطقتنا بأمس الحاجة له..". ويمضي إلى القول إن بلاده سوف تتحرك "للاضطلاع بهذه المسؤوليات بالكامل، سواء بدعم شركائنا الغربيين أو بدونه". والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف ستتحرك الحكومة السعودية وفي أي إطار وسياق؟ وما هي الوسائل التي ستتبعها والإمكانيات المتوفرة لديها؟
السفير أجاب في مقالته في شكل معوم على السؤال بأن بلاده تتحمل مسؤولية دولية، ومن هذا المنطلق عليها أن تشتق سياساتها وتتحرك. وليس من قبيل سوء النية أن يفهم من ما قاله السفير بأن حكومة بلاده لا ترى جدوى من معالجة الملفين السوري والنووي الإيراني بوسائل دبلوماسية كالتي توافقت عليها القوى الدولية الكبرى، بالنسبة للملف السوري من خلال الدعوة لعقد مؤتمر "جنيف 2" الشهر المقبل على أساس "بيان جنيف 1"، الصادر في حزيران/ يونيو 2012، وبالنسبة للملف النووي الإيراني مواصلة المباحثات على أساس الاتفاق التمهيدي الذي وقع بين مجموعة (5+1) وإيران الشهر الماضي. بمعنى آخر، المملكة السعودية ليست مع عقد مؤتمر "جنيف 2" بالصيغة المقترحة من حيث الأساس والقوى التي ستشارك فيه، وليست مع الاتفاق التمهيدي الذي وقع في جنيف بشأن الملف النووي الإيراني. إذن ما هو البديل الذي تسعى إليه الرياض؟
فيما يتعلق بالأزمة السورية يقترح محمد بن نواف ضمنياً، من خلال انتقاده للمواقف الأميركية والأوروبية الغربية، تقديم "مساعدات حاسمة" لـ"الجيش السوري الحر والمعارضة السورية عموماً"، ويستدرك بأن الأميركيين والغربيين يتذرعون بتنظيم "القاعدة" كحجة لعدم تقديم الدعم المالي والمادي للمعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي، ويرى أن إضعاف الجهات المتطرفة في المعارضة العسكرية السورية يكون بدعم الجهات المعتدلة. أما بخصوص كيف ترى الحكومة السعودية الحل الأمثل لمعالجة الملف النووي الإيراني، فلا نجد في المقالة المشار إليها ما يفيد في استيضاح الموقف السعودي من الاتفاق التمهيدي في جنيف بين مجموعة (5+1) وإيران، سوى أن "المفاوضات الجارية قد تضعف الغرب في مواجهة طهران، ليس في الملف النووي الإيراني فقط إنما في الملف السوري أيضاً.
الواضح أن السفير السعودي لدى المملكة المتحدة يعتقد، وهو في اعتقاده يعبر عن موقف حكومة بلاده أو هكذا يفترض إلا إذا قالت بغير ذلك، أن الحل في سورية يكمن في استمرار الصراع العسكري، ودعم المعارضة المسلحة كي تحقق الغلبة فيه، وبالتالي لا يجب التعويل على تسوية سياسية يمكن أن يخرج بها مؤتمر "جنيف 2" في حال انعقاده. وإزاء إيران حسب ما يفهم من أقوال السفير يجب تشديد العقوبات السياسية والاقتصادية على طهران لإجبارها على القبول بالشروط الغربية حول برنامجها النووي. وكل ما سبق يضعه محمد بن نواف تحت مسمى "الدفاع عن الاستقرار الحقيقي" في المنطقة والعالم.
إن الاستفاضة في قراءة سطور المقالة، وما خلف تلك السطور، غايته تلمس حالة الهياج والفوضى التي تعاني منها السياسات الخارجية السعودية، وتقود إلى معادلات صفرية لا ينتج عنها سوى إرباك الذات وتحميلها ما لا قدرته لها على تحمله. لكنها بالتأكيد من زاوية رؤية من يرسمون القرار السياسي السعودي مبرمجة ومقصودة، القصد منها الضغط على الحلفاء التقليديين للمملكة، الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية، ويخطئ من يظن أن الحكومة السعودية في ذهنها البحث عن حلفاء جدد، فهذا يتناقض مع توجهات الأسرة الحاكمة، التي ترى أن استمرارها مع ضمان مصالحها يكمن في الحفاظ على علاقاتها مع الغرب.
وعليه؛ إن الانتقادات الحادة التي ارتأت الحكومة السعودية أن توجهها للغرب في الآونة الأخيرة، ومنها على شكل قرارات احتجاجية مثل رفض شغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي، ما هي إلا محاولة إيصال شكوى لصناع القرار في واشنطن والعواصم الأوروبية الغربية، تحمل في طياتها دعوة لمراعاة المواقف السعودية على الأقل بما لا يشكل إحراجاً لدولة إقليمية محورية مثل السعودية.
غير أن أشكال التعبير عن الاحتجاج التي تنتهجها المملكة للتعبير عن عدم رضاها عن التوجهات الأميركية والأوروبية الغربية، والدولية عموما، حيال الملفين السوري والإيراني، ومثال ذلك مقالة السفير محمد بن نواف، تعطي مفعولاً عكسياً، بإظهار التصريحات والمواقف الرسمية السعودية، في هذا الخصوص، كنوع من أنواع الشغب السياسي ليس إلا، ولا يصلح كأساس لمراجعة المواقف الدبلوماسية السعودية التقليدية، التي كانت وما زالت تصب في طاحونة الارتهان للسياسات الخارجية الأميركية.
وإذا كان مما لا ريب فيه أن مراجعة السياسات الخارجية السعودية باتت ملحة، لاسيما في الإطارين العربي والإقليمي، إلا أن المراجعة المطلوبة يجب أن تنطلق من الوعي بسلبيات الانخراط كتابع في الإستراتيجية الأميركية، التي أضرت بالمصالح السعودية والمصالح العربية ومصالح الكثير من دول المنطقة، وأن تنطلق أيضاً من حقيقة أن أقصر السبل وأقلها ثمناً لتسوية الأزمة السورية هي تسوية سياسية يقبل بها السوريون، وأن الخيار البديل لحل الملف النووي الإيراني بوسائل دبلوماسية هو حرب ستكتوي بنارها كل شعوب المنطقة، وستؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار إلى فترة طويلة قادمة.

وكالة أنباء موسكو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى