الاهتمام الروسي المفاجئ والانتقائي بالقضية الكردية (عبدالغني علي يحيى)
عبدالغني علي يحيى
في احدث موقف روسي مساند لكرد سوريا التصريح الذي ادلى به سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي والذي اتهم فيه جبهة النصرة بقتل مدنيين كرد في سوريا وقبل ذلك بأيام نشرت صحيفة كردستاني نوي الناطقة باسم الاتحاد الوطني الكردستاني مواقف مؤيدة لقضية الكرد السوريين صدرت عن روسيا الاتحادية وقبل نحو ثلاثة اسابيع نقل عن موسكو، ضمان مشاركة الكرد السوريين في مؤتمر جنيف (2) على أساس متساو ومنفصل.
ولذلك الأمر أهمية بالغة، كون موسكو إلى جانب واشنطن من الدعاة إلى المؤتمر ذاك، ويفهم منه إضفاء خصوصية على القضية الكردية في أن حركة كردية تحررية تتبناها، حركة لا تشكل معارضة تقليدية.
علماً أن هذه الخطوة من الكرملين، سبقتها وعلى مدى الشهور الماضية خطوات اخرى أوحت بتودد الروس الى الكرد، منها دعوة الرئيس البارزاني مرتين لزيارة العاصمة الروسية ضمن فترة وجيزة.
فزيارة سابقة لمخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسية إلى بغداد وأربيل على رأس وفد رفيع المستوى التقى خلالها بالرئيسين الطالباني والبارزاني وبحسب مصادر موثوقة، ان الوفد وعد الطالباني بايلاء اهتمام أكبر بالقضية الكردية ودعمها، ما يعني ان الاهتمام الروسي بالكرد لا يقتصر على كرد غرب كردستان فقط بل بكرد جنوب كردستان أيضاً ولا بد أن يتعداه إلى شمالها أيضاً وسبق هذه التطورات دخول شركة غاز بروم النفطية الروسية كردستان العراق للتنقيب عن النفط واستخراجه.
ويأتي هذا التطور في السياسة الروسية أصلاً في أجواء تحولات سريعة في سياسة روسيا ترمي إلى استعادتها لهيبتها والدور الذي فقدته لسنوات في الساحتين الدولية عامة والشرق الاوسطية خاصة، وإلى المكانة التي يتمتع بها إقليم كردستان في المنطقة ولدى العالم وثرواته البترولية الهائلة؛ فمزايا اخرى لا تحصى راحت تجذب بالاستثمارات اليها من جهات العالم الأربع. اضف الى ذلك توقع الروس، تقسيم البلدين العراق وسوريا الحتمي.
وعلى الرغم من ان هذا التطور في السياسة الروسية تجاه الكرد ولصالحهم جاء متأخراً نوعاً ما قياساً بالمواقف الأميركية والأوروبية، لكنه يعتبر بمثابة انعطافة كبيرة في السياسة تلك، ومن الأرجح أن تحقق نجاحاً سريعاً لها على خلفية تجارب سابقة لها مع الكرد، فالروس كانوا الأكثر احتكاكاً من القوى العظمى الاخرى بالمسألة الكردية لأسباب مثل تواجد الكرد الملموس في الاتحاد السوفيتي السابق.
فاحتضان نحو 600 كردي عراقي معارض بقيادة مصطفى البارزاني الذي قاد الحركة التحررية الكردية لنحو نصف قرن، وفيما بعد فإن القادة السوفيت لم يبخلوا بالدعم لثورة ايلول الكردستانية 1961 ـ 1975 فمسعى سوفيتي نفذته منغوليا بالنيابة لطرح القضية الكردية في العراق عام 1963 في الأمم المتحدة والذي أحبط لاسباب لا مجال لذكرها هنا. ومع هذا تظل المواقف الروسية السابقة والحالية دون طموح الكرد الذين كانوا وما زالوا يتوقعون المزيد منها. ومع هذا يبدو الموقف الروسي من قضية كرد سوريا يتقدم على الموقف الاميركي الذي اي الاميركي فاجأنا قبل ايام بأنهم لا يعلمون شيئاً عن استهداف الكرد في سوريا.
لقد بلغ الاهتمام الروسي بالكرد مرتبة تثير الانتباه هذه الأيام، تمثلت بتوصية لبوتين بتخصيص 1.5 مليون دولار لإجراء بحوث في القضية الكردية تنفذها أعلى مؤسسة بحثية روسية وفي ضوء نتائجها، فان القيادة الروسية ستوسع من دعمها للكرد وتستمر، والذي قد يدفع بالغرب في النهاية إلى تشديد منافسته للروس وتجاوز ما حققه "الغرب" للكرد في جنوب كردستان من إنجازات، وربما تكون الخطوة التالية له تأسيس دولة كردية لقطع دابر الطريق على الروس في إيجاد موطئ قدم لهم في كردستان، وقد تدخل الصين الحلبة كذلك وهذا متوقع، والتي لها خبرة كبيرة في منافسة واشنطن في القارتين اسيا وافريقيا بالأخص، وعلى الصعيد الاقتصادي على وجه الخصوص، وسيكون الفائز بالمنافسة ذلك الذي ينادي بتحقيق أوسع الحقوق للكرد، بما فيها حق تقرير المصير وإنشاء الدولة الكردية. وكذلك لبقية القوميات المضطهدة المغلوبة على امرها.
بقي ان نعلم ان الموقف الروسي من القضية الكردية يعد ناقصاً في تجاهله للقضية الكردية في كل من تركيا وايران ما يعني ان الروس يمارسون الانتقائية في تعاملهم الذي تتحكم به المصالح قبل كل شيء مع القضية الكردية عامة.