البارزاني يستعد لإعلان الدولة الكردية المستقلة قريبا بمباركة أمريكية

السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق لم يخف مطلقا طموحاته الانفصالية عن العراق، وإقامة دولة كردية مستقلة، وكان يدرك، مثل والده دائما، أن العقبة الرئيسية التي تحول دون ذلك هو العراق القوي، ولهذا لم يتردد مطلقا في الانضمام إلى المشروع الأمريكي لغزو العراق، واحتلاله والإطاحة بنظامه المركزي، كخطوة أساسية في هذا المضمار.

أطلق السيد البارزاني تصريحات على درجة خطيرة من الأهمية تعكس طموحاته هذه دون أي تردد أثناء زيارته التي قام بها إلى جبهات القتال قرب الموصل، واجتماعه مع قادة البشمرغة.

يمكن استخلاص بعض النقاط الأكثر أهمية التي تسلط الأضواء على الخطط المستقبلية للزعيم الكردي التي وردت في هذه التصريحات.

النقطة الأولى: تأكيده انه بحث مسألة استقلال إقليم كردستان بوضوح خلال زيارته الأخيرة لبغداد، (قبل شهرين)، ولقائه مع السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء، حيث أكد له، أي للسيد العبادي، على وجوب التفاهم، وحسن الجوار، وتجنب الصراعات، وقال “إذا لم نتوصل إلى حل مع بغداد فالاستفتاء هو الحل”.

النقطة الثانية: تشديد السيد البارزاني على انه اتفق مع أمريكا على عدم الانسحاب من “المناطق الكردستانية” التي “حررتها” قوات البشمرغة “بدماء 11500 شهيد وجريح، ومن غير الممكن بعد كل هذه التضحيات أن نقبل بالتعامل المباشر للمركز مع المحافظات”، وسنحتفظ بكل هذه المناطق المحررة.

ما يمكن فهمه من هاتين النقطتين أن هناك تفاهما أمريكيا بارزانيا على إعلان استقلال إقليم كردستان فور القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” في الموصل، وضم جميع الأراضي التي “ستحررها” قوات البشمرغة إلى الدولة الجديدة المستقلة، بما في ذلك كركوك الغنية بالنفط، والقرى المحيطة بالموصل، وأي أحياء من المدينة يتم السيطرة عليها، علاوة على جبل سنجار.

كان لافتا أن السيد البارزاني، وهو السياسي المخضرم، لم يحدد ما هي المناطق الكردستانية التي اتفق مع الأمريكان، وليس الحكومة العراقية، على عدم انسحاب قوات البشمرغة منها، وستصبح ضمنيا جزءا من الدولة الكردية، وترك هذه المسألة مفتوحة، لان الحرب ما زالت مستمرة، وتقدم قواته مستمر أيضا، ولكنه لمّح إلى أن حدود هذه الدولة ستترسم في النقطة التي ستتوقف عندها هذه القوات في نهاية الحرب عندما قال “دخلنا مرحلة جديدة، فنحن نبعد الآن بضعة كيلومترات عن الموصل، وان شاء الله ستتحرر هذه المدينة قريبا، و داعش يتجه إلى هزيمة كبرى”.

كلام السيد البارزاني هذا يعني أن احتمالات الحرب القادمة، التي من المتوقع أن تشتعل كبيرة جدا، وربما تكون أكثر شراسة ودموية من الحرب الحالية لإخراج “الدولة الإسلامية” وقواتها من الموصل، والرجل لم ينف ذلك، وقال بالحرف الواحد “لا نعلم ما هو “البلاء” القادم بعد داعش وعلينا أن نبقى على أتم الاستعداد لمواجهة التهديدات المتلاحقة، فإقليم كردستان سيبقى مهما طالما بقي داعش في الموصل”.

“البلاء” الذي قال السيد البارزاني انه لا يعلمه نحن نتطوع بأن نشرحه له، وهو اشتعال حرب أهلية بين العرب والأكراد، أو بالأحرى بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان، وهي حرب يمكن أن تجر دولا مثل تركيا وسورية وإيران، ومن غير المستبعد أن يتم توحيد العرب، سنة وشيعة، في جبهة واحدة، ضد القومية الكردية التوسعية الجديدة.

قلنا في هذا المكان بأن قوات البشمرغة الحليف الأوثق لواشنطن لن تخوض حرب استعادة الموصل من “الدولة الإسلامية”، إلا إذا ضمن السيد البارزاني مكافأة كبرى من واشنطن تتمثل في ضم كركوك وجبل سنجار إلى الدولة الكردية، التي حصل على ضوء اخضر أمريكي بإعلان استقلالها، وإلا لماذا يضحي بدماء وأرواح جنوده، وخلق عداوة مع جيرانه العرب، وربما الإيرانيين والأتراك أيضا؟

العداء لـ”الدولة الإسلامية” في الموصل حقق “معجزة” إقامة جيش طويل من الأعداء في حلف واحد، الأكراد، والعرب الشيعة، والعرب السنة، والأتراك والإيرانيين، تحت قيادة عسكرية أمريكية، وربما يمتد الحلف جزئيا بعد ذلك في حرب الرقة، وقطعا سيتفكك هذا التحالف، ويتحول الحلفاء إلى أعداء متقاتلين لاقتسام الغنيمة، أو بالأحرى البقرة العراقية ونظيرتها السورية، وبتحريض أمريكي أوروبي.

الأمريكان يتحدثون هذه الأيام عن خطأ كبير ارتكبوه عندما تخلوا عن “معاهدة سيفر” (1920)، التي أعطت الأكراد دولة مستقلة، لمصلحة معاهدة لوزان (1923) وبضغوط من أتاتورك، التي وضعت حدود تركيا الحالية، ونقضت التعهد بقيام الدولة الكردية شمال العراق وسورية وإيران وجنوب شرق تركية، وهم الآن يحاولون، بدعم من حلفائهم الأوروبيين، إصلاح هذا الخطأ، وهذا ما يفسر اختيارهم الأكراد ودعمهم لهم عندما خيرهم الرئيس رجب طيب أردوغان بين تركيا والأكراد في ذروة غضبه من وقوفهم إلى جانب قوات سورية الديمقراطية، وتقدمها في شمال سورية.

سيطرة “الدولة الإسلامية” على الرقة والموصل، وبعض الأماكن الأخرى في العراق وسورية لا يزيد عمرها عن ثلاث سنوات، والحرب لإخراجها منها، بالنظر إلى حجم القوات والأسلحة والدول المشاركة فيها قد لا تطول أكثر من عام، ولكن لا نستبعد أن تستغرق الحرب التي قد تنفجر في المنطقة في حال انجاز هذا الهدف، سنوات، أو حتى عدة عقود.

كلام السيد البارزاني مهم جدا، ويستحق التأمل والتحليل لفهم ما تواجهه المنطقة من خطط وحروب مستقبلية، وتفتيت للدول القطرية الحالية، ونكتفي بهذا القدر في هذه المرحلة، ولنا حتما عودة، أو عودات في الأيام والأشهر المقبلة، ولم نستغرب إذا ما ترحم البعض على أيام “الدولة الإسلامية” وكل لأسبابه، ليس حبا فيها، وإنما خوفا مما سيأتي بعدها.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى