بصورة “مفاجئة”، أعلنت الإمارات العربية المتحدة، أواخر الشهر الماضي، انسحابها من “القوات البحرية المشتركة”، وهو تحالف تقوده الولايات المتحدة الأميركية في نطاق البحر الأحمر ومنطقة الخليج. وبغض النظر عن دلالات هذه الخطوة، التي ترتبط بطبيعة الحال بالتطورات الأخيرة في العلاقات الإيرانية – الإماراتية، وانعكاساتها على العلاقات بين أبو ظبي وواشنطن، إلا أن هذا الإعلان أعاد تسليط الضوء على جانب مهم من جوانب الانخراط الأميركي في منطقة الخليج، حيث ظل هذا الانخراط مقترناً بصورة أساسية بالوجود الدائم عبر قواعد بحرية وجوية، على نحو جذب الأضواء بصورة شبه كاملة إلى هذا الوجود، من دون غيره من الأشكال الأخرى التي تضمن واشنطن من خلالها احتفاظها بتأثير عملي في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
بصورة عامة، تحظى منطقة البحر الأحمر والخليج بأهمية وتأثير كبيرين، وفق المنظور الاستراتيجي، وخصوصاً منطقة البحر الأحمر التي تمثل نقطة التقاء ثلاث قارات، ونقطة تواصل بين ثلاث مناطق إقليمية، هي الشرق الأوسط والقرن الأفريقي والخليج، حيث تطل ثماني دول على هذا البحر، في حين تطل ثماني دول على الخليج، على نحو يشمل النطاق الممتد من خليج عمان جنوباً حتى شط العرب شمالاً، بطول 965 كيلومتراً، وبينها ساحل تمتلكه الدول العربية بطول 3.490 كيلومتراً، في حين تملك إيران ساحلاً على الخليج يبلغ طوله 2.440 كيلومتراً.
أهمية هذا النطاق لا تقتصر فقط على الجانب الاستراتيجي، فالأهمية الاقتصادية لها، كونها ممراً أساسياً ورئيساً للتجارة العالمية والنفط، جعلتها خلال العقود الماضية مسرحاً لعدد من النزاعات العسكرية، والمواجهات الجوية والبحرية المحدودة، وخصوصاً تلك التي تمت على مدار هذه الفترة بين القوات الإيرانية والأميركية. وتركّزت هذه المواجهات بصورة كبيرة في نطاق مضيق هرمز أو بالقرب منه. بداية هذه المواجهات كانت خلال ثمانينيات القرن الماضي، وتوقفت فترة خلال تسعينيات القرن الماضي، إلا أنها عادت مع بداية القرن الحالي، بصورة شبه دورية.
خلفيات الوجود البحري الأميركي في البحر الأحمر والخليج
بصورة عامة، بدأ الانخراط العسكري الأميركي في منطقة الخليج والبحر الأحمر عام 1948، عبر وجود عدة قطع بحرية أميركية – ضمن ما عُرف حينها باسم “فرقة العمل المشتركة 126” – داخل نطاق الخليج، لمرافقة ناقلات النفط التي تعبر في الخليج، وهي القوة التي يمكن عَدُّها أساساً تم عليه تأسيس ما يمكن وصفه بـ “فرق العمل البحرية المشتركة”، التي تُعَدّ حالياً ضمن الأشكال الرئيسة للوجود العسكري الأميركي في منطقة البحر الأحمر والخليج.
خلال الحرب العراقية الإيرانية، ظهرت بوضوح المخاطر الجدية التي يمكن أن تتعرض لها حركة الملاحة التجارية في الخليج وخليج عُمان ومضيق هرمز، وفي البحر الأحمر بصورة عامة، وخصوصاً أن هذا النطاق يشهد الحركة التجارية الأكبر عالمياً، والتي تتضمن النفط ومشتقاته. وشكّلت هذه الحرب بداية الاحتكاكات العسكرية المباشرة بين القوات الإيرانية والأميركية، سواء على خلفية “حرب الناقلات” بين عامي 1984 و1987، أو خلال الاشتباكات المباشرة، والتي تمت بين الجانبين، خلال عمليتي “نيمبل آرتشر” في تشرين الأول/أكتوبر 1987، وعملية “فرس النبي” في العام التالي.
من الخلاصات المهمة، التي توصلت إليها البحرية الأميركية من المواجهات والاحتكاكات التي تمت مع البحرية الإيرانية خلال الثمانينيات، ضرورة إيجاد صيغة تسمح بوجود دائم للبحرية الأميركية في المنطقة، وكانت النقطة الأبرز على المستوى التاريخي للانخراط البحري الأميركي في هذا النطاق، هي تأسيس “القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية” في كانون الثاني/يناير 1983، ضمن تشكيلات القيادة الوسطى الأميركية، بهدف تنسيق الدعم للقوات البحرية الأميركية في الخليج، إدارياً ولوجستياً. وتشمل قطاعات مسؤولية هذه القيادة البحرية، مسطحات مائية تبلغ مساحتها ما يقارب 2.5 مليون ميل مربع، تشمل الخليج وبحر العرب وخليج عُمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي، وهو نطاق يضم 21 دولة وثلاث نقاط عبور بحري استراتيجية، هي مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب. ويُعَدّ الأسطول الأميركي الخامس إلى جانب فرق العمل المشتركة التابعة له، بمثابة القوة الضاربة لهذه القيادة، وشكّلت القوات البحرية الأميركية في العام التالي لتشكيل هذه القيادة – 1984 – قوة بحرية مشتركة “موقتة”، ضمت قطعاً بحرية من بريطانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا، مهمتها كسح الألغام ومراقبة التحركات البحرية، في نطاق البحر الأحمر والخليج. وظلت هذه القوة نشطة في هذا النطاق حتى نهاية الحرب العراقية – الإيرانية عام 1988.
النقلة النوعية في مهمّات القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، بدأت عملياً في شباط/فبراير 2002، بتأسيس “القوات البحرية المشتركة” أو “CMF”، بهدف تنسيق التعاون مع الدول الأخرى عبر شراكة بحرية دولية توفر الأمن للحركة البحرية المدنية، من خلال القيام بمهمّات مكافحة القرصنة ومكافحة الإرهاب في مياه الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوبي آسيا، بما في ذلك البحر الأحمر والخليج وخليج عدن وبحر العرب. تتحكم هذه القيادة، من مقرها العام في البحرين، في خمس فِرَق بحرية وجوية مشتركة رئيسة، تشارك فيها نحو 38 دولة من جميع أنحاء العالم. وتعمل هذه الفِرَق، جنباً إلى جنب، مع الأسطول الأميركي الخامس وفِرَق المهمّات البحرية والجوية التابعة له. وتضم هذه القيادة، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، كلاً من أستراليا، البحرين، بلجيكا، البرازيل، كندا، الدنمارك، جيبوتي، مصر، فرنسا، ألمانيا، اليونان، الهند، العراق، إيطاليا، اليابان، الأردن، كينيا، كوريا الجنوبية، الكويت، ماليزيا، هولندا، نيوزيلندا، النرويج، عمان، باكستان، الفلبين، البرتغال، قطر، المملكة العربية السعودية، جزر سيشيل، سنغافورة، إسبانيا، تايلاند، تركيا والمملكة المتحدة.
تقسيمات الفِرَق البحرية الأميركية ومهمّاتها المشتركة
تنفذ الفرق البحرية الخمس التابعة لهذه القيادة، مجموعة من المهمّات الموزعة فيما بينها، وتتركز بصورة أساسية على مكافحة المخدرات والتهريب والقرصنة والإرهاب، والاستجابة السريعة في حالات الطوارئ. وتتكامل هذه الفرق مع الوجود الدائم للقطع البحرية الأميركية في القواعد البحرية المتعددة في دول الخليج، ومع التمركزات العسكرية الأميركية القريبة من البحر الأحمر، وعلى رأسها قاعدة “ليمونير” في جيبوتي، والتي تُعَدّ حلقة وصل مهمة للوجود الأميركي، بحرياً وجوياً، في الخليج. كما تنسق هذه الفِرَق الخمس مع “التحالف الدولي لأمن الملاحة البحرية وحماية الحرية فيها”، والذي تم تأسيسه في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، ومقره البحرين، بهدف حماية الملاحة الدولية وضمان التدفق الحر للتجارة ومحاربة الإرهاب والرد على التهديدات التي تواجه الملاحة البحرية في المنطقة الممتدة من الخليج حتى البحر الأحمر، مروراً بمضيق هرمز وبحر عُمان ومضيق باب المندب. ويضمّ هذا التحالف في عضويته كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأستراليا والسعودية والإمارات والبحرين وألمانيا.
فيما يتعلق بالفِرَق البحرية الخمس الخاصة بهذه القيادة، تم تشكيل الفرقة الأولى منها عام 1990 تحت اسم “فرقة العمل المشتركة الـ150″، وكانت في بداية تشكيلها عبارة عن فرقة قتالية بحرية تعمل في نطاق الخليج كجزء من القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، لكن تم تعديل مهمّاتها بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، لتتحول إلى قوة مشتركة متعددة الجنسيات، لمراقبة الشحنات البحرية وتفتيش السفن المشتبه فيها، والمشاركة في جهود مكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي وشمالي المحيط الهندي.
حتى الآن، ساهمت كل من أستراليا وكندا والدنمارك وفرنسا وباكستان واليابان وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وإيطاليا والهند وماليزيا وهولندا ونيوزيلندا والبرتغال وسنغافورة وإسبانيا وتايلاند وتركيا والمملكة العربية السعودية في هذه الفرقة المشتركة، ويتم التناوب في قيادة هذه الفرقة بين الدول المشاركة فيها، كل ستة أشهر، بحيث تقودها حالياً المملكة العربية السعودية. تتكون القوة الضاربة في هذه القوة من نحو خمس عشرة سفينة قتالية متنوعة، تقوم بمواجهة محاولات القرصنة على السفن المدنية، وتمارس حق التفتيش والزيارة للسفن المشتبه في نقلها مواد خطرة أو ممنوعة، بما في ذلك الأسلحة والذخائر، وخصوصاً في نطاق خليج عدن. ونفذت هذه القوة أول اعتراض وتفتيش لسفينة شحن مدنية في كانون الأول/ديسمبر 2002.
الفرقة الثانية هي “فرقة العمل المشتركة الـ151″، والتي تم تأسيسها أوائل عام 2009، بعد تزايد عمليات القرصنة التي تستهدف سفن الشحن المدنية. وتولّت هذه الفرقة مكافحة أعمال القرصنة البحرية في نطاق مسؤولية الأسطول الأميركي الخامس، بالتعاون مع فرقة العمل البحرية المشتركة الـ150، والقوات البحرية للدول الأخرى العاملة في هذا النطاق، وخصوصاً القوة البحرية للاتحاد الأوروبي في الصومال. الميزة الإضافية التي تميزت بها هذه القوة، هي أن نطاقها الجغرافي كان غير محدد بصورة فعلية، بحيث بدأت أنشطتها بناء على تفويض منحتها إياه قرارات مجلس الأمن أرقام 1816 و1838 و1846 و1851 و1897. تألفت هذه القوة، في بداية تشكُّلها، من ثلاث مدمرات فقط، لكن انضمت إليها لاحقاً قطع بحرية وجوية أخرى متنوعة. وشاركت في هذه القوة حتى الآن، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، كل من تركيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وباكستان والدانمارك وتايلاند ونيوزلندا وتايلاند والمملكة المتحدة واليابان والبحرين والكويت والبرازيل. ترتبط هذه الفرقة بأخرى تسمى “فرقة العمل البحرية المشتركة الـ152″، والتي تم تأسيسها عام 2004، من أجل تنسيق مختلف العمليات الأمنية البحرية في نطاق الخليج، بالتنسيق مع القوات البحرية وخفر السواحل لدول الخليج. وشاركت فيها حتى الآن كل من الولايات المتحدة الأميركية وإيطاليا والبحرين والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة والكويت والأردن.
تُعَدّ “فرقة العمل البحرية المشتركة الـ153” القوة الرابعة في قائمة الفِرَق البحرية المشتركة العاملة في مكافحة عمليات تهريب الأسلحة والذخائر عبر الزوارق والسفن التجارية، ضمن نطاق البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن. وتولّت سفينة الإنزال البرمائي الأميركية “USS Mount Whitney” تنسيق عمليات هذه القوة، التي بدأت ضمن نطاق مسؤولية الأسطول الخامس الأميركي، وتم تدشينها في نيسان/أبريل 2022، بهدف أساسي، هو القيام بدورياتها بالمشاركة مع فرقاطة تابعة للبحرية المصرية من فئة “أوليفر هازارد”. وتضم فرقة العمل هذه ما يصل إلى 15 فرداً عسكرياً من الدول الأعضاء في القوات البحرية المشتركة.
سد الثُّغر عبر التقنيات البحرية والجوية المسيرة
النقطة الأهم فيما يتعلق بهذه القوة، أن تأسيسها تزامن مع بدء الأسطول الأميركي الخامس في التوجه نحو سد الثُّغَر في التغطية البحرية الحالية لكل النطاقات البحرية التي يعمل بها، عبر مجموعة من الأنظمة البحرية المسيرة، التي تم تخصيص فرقتين أساسيتين خلال الفترات الماضية، لتشغيلها، هما فرقة العمل “الـ99” الخاصة بالأنظمة الجوية غير المأهولة، وفرقة العمل “الـ59” الخاصة بالأنظمة البحرية غير المأهولة. وتم تأسيس فرقة العمل الجوية “الـ99” في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بهدف تشغيل الأنظمة الجوية غير المأهولة المخصصة للعمل في نطاق مسؤولية الأسطول الأميركي الخامس، بحيث تتخذ من قاعدة العيديد الجوية في قطر، مقراً أساسياً لها، مع احتفاظها بمقر في قاعدة علي السالم الجوية في الكويت.
يعمل في هذه الفرقة ضباط ينتمون إلى جناحي الاستطلاع الجوي الـ386 والـ379 في سلاح الجو الأميركي. وتتألف بصورة أساسية من ثمانية طيارين، إلى جانب مجموعة من الفنيين والمهندسين. وتتمثل مهمتها بالاستفادة من التقنيات الرقمية وغير المأهولة، من أجل مساندة الفرق البحرية المتعددة والعاملة في نطاق مسؤولية الأسطول الخامس، بالإضافة إلى التعاون مع فرق العمل الأخرى التابعة للقيادة المركزية الأميركية. وقامت واشنطن حتى الآن بدعوة نحو 17 دولة إلى الانخراط في هذه الفرقة والتعاون معها على المستوى العملياتي.
فيما يتعلق بفرقة العمل “الـ59″، تم تشكيلها فعلياً أوائل أيلول/سبتمبر 2021، وهي فرقة فريدة من نوعها، استهدفت – للمرة الأولى – إدخال أنظمة بحرية غير مأهولة في نطاق عمليات الأسطول الأميركي الخامس. وشرعت هذه القوة في بحث هذه القدرة عبر عدة مناورات بحرية، تمت خلال الفترة بين تشرين الأول/أكتوبر 2021 وشباط/فبراير 2022، بما في ذلك مناورات “الأفق الجديد” المشتركة، ومناورات “Cutlass Express 2022″، والتي شاركت فيها نحو 60 دولة، واستمرت على مدار 18 يوماً في البحر الأحمر، ناهيك بتنفيذ هذه القوة مناورات مع بحرية الاحتلال الإسرائيلي في أيلول/سبتمبر 2022 وأيار/مايو 2023، تم فيها التدرب على استخدام الأنظمة البحرية المسيرة، وعلى مناورة مماثلة مع عدة دول خليجية في تشرين الأول/أكتوبر 2022.
يعمل على تشغيل المركبات المسيرة الخاصة بهذه القوة، فريقان من الضباط والفنيين يتمركزون في ميناء العقبة الأردني وقاعدة الأسطول الخامس في المنامة في البحرين. وتستهدف هذه القوة نشر نحو مئة مركبة بحرية غير مأهولة في نطاق عمل الأسطول الخامس، بحلول منتصف عام 2023. لتحقيق هذه الغاية، اختبرت هذه القوة خلال الأشهر الماضية، عدة أنواع من المركبات البحرية غير المأهولة، منها “Saildrone Explorer” و”MANTAS T-12″ و”T38 Devil Ray”. وتعتزم خلال الفترة المقبلة إضافة أنواع أخرى من المركبات البحرية المسيرة، إلى جانب الاستعانة بأنواع من الطائرات المسيرة مثل “MQ-9B SeaGuardian” و”MQ-8B Fire Scout”.
من زاوية أخرى، يمكن النظر إلى التوجهات الأميركية فيما يتعلق بإدخال الأنظمة المسيرة ضمن قوتها البحرية المأهولة الموجودة في نطاق الشرق الأوسط، ضمن جهود واشنطن دمج أجهزة استشعار متعددة في شبكة واحدة أكبر، الأمر الذي قد يساعد فرق العمل البحرية المشتركة المتعددة على زيادة معدلات المراقبة والرصد، ناهيك بإمكان تسليح هذه الأنظمة على نحو سهل وسريع، وفي واقع الأمر لا تستهدف فرقة العمل الـ59 فقط مراقبة السفن التي تنقل الأسلحة والذخائر في نطاق البحر الأحمر والخليج، بل تستهدف ايضاً ضمان الأمن البحري عن طريق إنهاء أي إمكان لتنفيذ هجمات تستهدف الملاحة المدنية في نطاق البحر الأحمر وخليج عدن، وخصوصاً بعد أن تكررت هذه الهجمات خلال الأعوام الماضية.
تُضاف إلى هذه الأهداف فرصة اختبار الأنظمة البحرية المسيرة، في ظروف ميدانية شبه قتالية، الأمر الذي يسمح بتحسين أداء هذه الأنظمة، على المستويين التكتيكي والعملياتي، وإظهار نقاط الضعف والقوة فيها، واختبار إمكان التنسيق بينها وبين الأسلحة المأهولة، بحيث تعمل ضمن منظومة واحدة. المسعى الأميركي في هذا الصدد يرتبط بصورة أساسية بالمزايا النوعية التي تتسم بها الأنظمة البحرية غير المأهولة، مقارنة بالأنظمة البحرية المأهولة، ومنها رخص تكاليف تصنيعها وتشغيلها، وقدرتها على تحمل السرعات العالية وتنفيذ المناورات البحرية الحادة، ناهيك بمعدلات استمرار التشغيل والعمل العالية التي تتمتع بها، وإمكان تشغيلها فترات طويلة من دون الحاجة إلى التزود بالوقود أو إعادة الإمداد.
النقطة الأهم في هذا الإطار، تتعلق بالرغبة الأميركية في توسيع دائرة المعلومات المحدّثة والمتوافرة للقيادة البحرية الوسطى، بشأن التحركات البحرية المتعددة في نطاق مسؤولية الأسطول الخامس، بحيث سيتيح انتشار المنظومات البحرية غير المأهولة، تحقيق هدف توسيع نطاق المراقبة البحرية، وتوفير المعلومات الآنية، بحيث يتم تكوين خريطة شاملة ومحدثة للمسارات البحرية، الأمر الذي يساهم بالتبعية في الكشف السريع عن الأنماط غير المعتادة من التحركات البحرية، مثل الصيد غير المشروع أو عمليات التهريب، وهو ما أشار إليه نائب الأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، تحت اسم “المحيط الرقمي”، بحيث توفر المعلومات المحدثة للميدان البحري من جانب المركبات البحرية غير المأهولة، للقطع البحرية المأهولة التفاعل بسرعة وكفاءة أكبر مع التهديدات المتعددة.
خلاصة القول إن “التقنيات البحرية المسيرة”، جنباً إلى جنب مع “الفرق البحرية المشتركة”، قد تكون الأدوات الأميركية الأساسية خلال المرحلة المقبلة، لتحقيق الهدف الذي أعلنته واشنطن في أيار/مايو الماضي، بشأن تعزيز “موقفها الدفاعي” في الخليج، لكن يبدو أن هذه الأدوات قد تواجه عدة تحديات في المدى المنظور، وخصوصاً ملف “الفِرَق البحرية المشتركة”، والذي فتحت الإمارات العربية المتحدة باب الخروج منه، وقد تتبعها دول أخرى في المنطقة، تعمل على تعديل مقارباتها السياسية والاستراتيجية، أو تسير في مسار مؤدٍّ إلى ذلك.
الميادين نت