نوافذ

البطل

البطل … بسبب أزمة ارتفاع الدولار وسقوط الليرة السورية واللبنانية… فكرت، لأول مرة بفضول صبياني، بالتعرف على هذه الشخصية الورقية الخضراء، عن أصلها وفصلها وقيمتها ثم… جريمتها.

وتذكرت رحلة الطائرة من قبرص إلى دمشق في إحدى سنوات الثمانينات. جاء مضيف وسيم وسألني إذا أمكن أن يستبدل ورقة بمائة دولار بقطع صغيرة… عشرينات، وعشرات. وتبرعت وتورطت وأعطيته، وقلت مازحاً، إذا مزيفة يا ويلك!

طبعاً كانت مزيفة جداً.

وذات يوم دعيت لمهرجان الشعر العربي الفرنسي في معهد العالم العربي. وكانت لدي قطعة من مائة دولار… ذهبت متسلحاً بها، ومتمترساً وراء فكرة: “استغن عن الشيء لا به”. فأنا لن أحتاج شيئاً ما دمت ضيفاً، ولا أريد أن أشتري هدايا ولا عطورات.

في العودة قررت أن من العار العودة بهذه الورقة… فصرفتها.

كل مصائب الدنيا كانت وراء هذه الورقة الخضراء. كل ثروات الأغنياء تُقيم بالدولار. وكل فقر الدنيا يقيّم بخط الفقر حين يعيش الفرد بأقل من دولار في اليوم.

وتساءلت بيني وبين جهلي… ألا يمكن العودة باقتصاد الدول والتجارة بين الدول إلى عصر السلعة، وتبادل القيمة العينية؟ ألا يمكن التبادل بالعملات المحلية والاقليمية والدولية بعيداً عن الدولار؟

رحت أقرا الاتفاقية المؤسسة للخراب الكوني، وأرجو أن أكون فهمتها كما هي معروضة الآن، وهي اتفاقية “بريتون” التي تتعهد أمريكا بموجبها بتغطية كل الدولارات الموجودة في جيوب وبنوك العالم بالذهب.

أي أن كل من يملك 35 دولاراً في جيبه يمكنه أن يستبدلها بأوقية من الذهب من البنك المركزي الأمريكي.

ومنذ تلك اللحظة سمي الدولار “عملة صعبة” وبناء على هذا التعهد… بدأت الدول والأفراد بجمع أكبر قدر من الدولارات في الخزائن على أمل تحويلها الى ذهب في أي وقت. واستمر الاطمئنان على هذه الحال إلى السبعينات من القرن الماضي، حيث وقف الرئيس نيكسون، وفاجأ العالم بما لا يمكن تصديقه، في كابوس حين أعلن: بأن الولايات المتحدة لن تسلم خازني الدولارات مقابلها من الذهب.

وليكتشف العالم بأن الولايات المتحدة كانت تطبع ما تشاء من الدولارات  بعيداً عن الذهب المخزون لديها. وبأنها اشترت، ولسنوات طويلة معظم ثروات الشعوب والدول بحفنة من الأوراق الخضراء التي لا قيمة لها.

من “جملة لا قيمة لها” تبدأ الورطة “لابد من الدولار لإنقاذ الدولار”. أما الذهب فلينم هانئاَ مكدساً على شكل مستطيلات في البنك المركزي الأمريكي.

في فيلم “من أجل حفنة من الدولارات” يشتبك الكاوبوي، مع عصابة، فتصيبه رصاصة في صدره في منطقة القلب، ويرى المتفرج كيف صدمته الرصاصة بوضوح، ثم  نكتشف أن الرجل لم يصب بأذى… لأن الرصاصة اصطدمت بدولار فضي في جيب قميصه الأيسر.

البشع في الدولار أنه آلة لشراء الضمائر .

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى