كتب

“التاريخ الجغرافي للقرآن” نستورد إسلامنا بنكهة أجنبية

 

الذي دفعني إلى أن أكتب تقديمًا لهذا الكتاب القامة، هو الوقوف أمام لحظة حقيقية واقعية عقلية منطقية، ولو لمرة واحدة أمام مرآة الحياة كلها، كي أرى حجمي الحقيقي أنا وكثير من المسلمين وبخاصة العرب في هذه المرآة، وكم هو ضئيل ومؤسف جدًّا رؤية حجمنا بجوار قامات غير عربية وليست لغتها العربية، ومع ذلك تكتب كتابات عن الإسلام قرآنًا وحديثًا ومنهجًا ونبوة وسيرة تفوق الواقع بواقع، وبلغة غير العربية، ونحن العرب نتلقى عنهم أعظم ما ألفوا فهمًا عن الإسلام، الذي نزل باللغة العربية في الأراضي العربية، مترجمًا!”.

هذا ما يقوله د. أشرف السعدي في كلمته التي قدم بها كتاب “التاريخ الجغرافي للقرآن” الذي ألفه العلامة سيد مظفر الدين نادفي، وقام بترجمته د.سيد عبدالشافي غنيم، وأعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة طباعته منذ سنوات.

السعدي يرى هنا أننا نستورد إسلامنا بنكهة غير عربية لأننا اعتدنا الانبهار بالآخر. ومما يستغربه السعدي هو أن أول معجم لألفاظ القرآن الكريم تغنّى به علماء العربية واستعانوا به وأفاد منه المفسرون والمفكرون الإسلاميون والوعاظ والدعاة هو كتاب “نجوم الفرقان في أطراف القرآن” للمستشرق الألماني فلوجل، وأن أول من فكر في عمل مشروع معجم تاريخي للغة العربية هو المستشرق الألماني أيضًا ديتريش ينشر.

أما عن الكتاب فيقول السعدي إنه يتناول ما جاء في القرآن الكريم من أمور تتصل بالمعالم الجغرافية والحوادث التاريخية التي جاء ذكرها فيه، وقد اعتمد المؤلف على أهم مصدرين، هما كتاب “أرض القرآن” للعلامة سيد سليمان نادفي، وكتاب “الولايات الكائنة في شبه الجزيرة العربية” الذي ألّفه بالأردية حاجي معين الدين نادفي.

وفي مقدمته لكتابه هذا يقول سيد مظفر الدين نادفي إن ما يسترعي الانتباه ويثير الدهشة أنه لم تُبذل إلى الآن – ويقصد وقت تأليف الكتاب – محاولة جدية لوضع مؤلَّف يتناول ما جاء في القرآن الكريم من أمور تتصل بالمعالم الجغرافية والحوادث التاريخية التي جاء ذكرها فيه للتدليل على صدق روايته ودحض ما أثاره المبشرون من غير المسلمين من تجريح بعيد كل البعد عن الإنصاف.

وممهدًا للكتاب يقول المؤلف إن العرب شعب عريق في القِدم يكتنف تاريخه شيء من الغموض، وهم ينقسمون بصفة عامة قسميْن، الخُلَّص والخليط، وينتسب القسم الأول إلى يقطان أو قحطان بن عابر، بينما ينتسب القسم الثاني إلى سيدنا إسماعيل بن سيدنا إبراهيم عليهما السلام من زوجته السيدة هاجر المصرية، وهناك عدة أدلة في التوراة والآداب القديمة تشير إلى عراقة تاريخهم وماضيهم المجيد.

كما تعرضت الآداب الأوروبية الحديثة لبلاد العرب على لسان شكسبير في سياق حديثه في قصة مكبث الخالدة، حين يقول إن عطور بلاد العرب كلها لن تستطيع أن تُكْسب هذه اليد الصغيرة شذًى يحللها من وزر الجريمة. المؤلف يذكر أيضًا أن بعض المستشرقين الذين تصدوا لترجمة القرآن أو الكتابة عنه زعموا أن سور القرآن وآياته ظلت مبعثرة ومفككة في حياة الرسول ثم جُمعت بعد وفاته تحت رحمة الإسنادات الشفوية للصحابة، مما يجعل أصل القرآن محلًا للقيل والقال والاستفسارات والسؤال، غير أن ذلك الزعم، إن صح، لا يصلح إلا لإظهار جهل الذين ابتدعوه، فليس من الحقيقة في شيء أن يُقال إن آيات القرآن وسوره قد جُمعت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن هناك سندا تاريخيا قويا يدل على أن آيات القرآن قد جُمعت كلها في عهد الرسول، كما أن السور القرآنية قد سُميّت كلها تحت إشرافه وإرشاده وتوجيهه.

لقد كانت عملية الجمع – والقول للمؤلف – تتم بعد نزول الآيات على الرسول وكان يوجِّه بنفسه كُتَّاب الوحي وعلى رأسهم زيد بن ثابت إلى ترتيب الآيات المتفقة في الطبيعة والمعنى، والسور الخاصة بها، وكان الرسول يُسمي بنفسه سور القرآن الكريم.

في القسم الأول من الكتاب يذكر المؤلف أن التعصب الديني الذي ظهر في بلاد العرب في العشرين سنة الأخيرة السابقة للبعثة لم يصل أثره إلى اليمن، مما جعل هذا القُطر غير معرض لأي خطر من هذا النوع، ولذلك كان يستطيع الرحالون التنقل أحرارًا ويتابعون بحوثهم العلمية دون أن يحول بينهم وبينها تدخل الحاكم أو الشعب.

ثم يستعرض المؤلف رحلة اكتشاف اليمن على أيدي العديد من الرحالة، وبعدها يقول إننا لو تتبعنا رحلات الرحالين على المصورات الجغرافية لتبين أنها تتناول النصف الشمالي لشبه الجزيرة شمالي خط يمتد بين مكة والهفوف، وتتبع طرقًا ودروبًا متشابكة قد امتدت بينها أراضٍ شاسعة، إلا أنها من التقارب بحيث لا يغني الرحالة ملاحظة أي معلم من المعالم الجغرافية الهامة بها.

في القسم الثاني والذي عنونه المؤلف بـ “الآثار القديمة” يقول إنه لا يمكن أن يقال إن جزيرة العرب خالية من الآثار، ولكن دراستها لا تزال ناقصة إلى حد بعيد، فالصعاب التي تعترض الرحالين الذين يقومون بالبحث العلمي من الكثرة بحيث إن ما تم منه قليل يوشك أن يكون معدومًا.

وعن الآبار والسدود يقول المؤلف إن بئر زمزم المشهور بالقرب من مكة كانت معروفة من أقدم العصور، حينما كانت التجارة الشرقية تمر من جنوب بلاد العرب إلى شمالها الغربي عبر الحجاز، وقد أعيد كشفه وحفره قبل ظهور النبي محمد. وهناك سد مأرب الشهير الذي يُذكِّر الإنسان بالخزانات التي أعيد استخدامها والتي يراها الكثيرون ممن يزورون عدن. وعن الأمم التي ورد ذكرها في القرآن يتحدث المؤلف عن عاد في بابل ومصر وفي بلاد أخرى، وعن ثمود الأولى وثمود الثانية. إلى جانب هذا يتحدث المؤلف عن العرب خارج نطاق الجزيرة العربية وعن الساميين الأوائل الذين هاجروا إلى بابل وسوريا ومصر.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى