التحالف الشيعي الكردي..الجيش والبيشمركة وجهاً لوجه (عبدالغني يحيى)

عبدالغني يحيى

اذا كانت المواجهات الشيعية الكردية تنتهي دوماً بصراع مرير، فليس ببعيد ان ينتهي التحالف بينهما الى مصير أسوأ هو وقوع حرب مدمرة بين الطرفين.

لم تعرف المعاجم السياسية تحالفاً بين شعبين أو اكثر، فالشائع قيامه بين الحكومات والاحزاب وغالباً ما يكون محكوماً بسقف زمني، والذي زين لي الخوض في هذا الموضوع، ما تردد عن تحالف شيعي كردي على اكثر من لسان في معظمه كردي وفي مسعى لدرء نشوب صراع مسلح بين الجيش العراقي والبيشمركه الكردية مقابل نفي رموز شيعيه للتحالف.
واغلب الظن انهم يقصدون بالتحالف الشيعي الكردي، التحالف الرباعي بين الحزبين الشيعيين: الدعوة والمجلس الاسلامي الأعلى، والحزبين الكرديين: الديمقراطي والوطني الكردستانيين، والذي هو يقيناً تعبير يفتقر الى الدقة وناقص في آن معاً.
فثمة اطراف كبيرة من الجانبين لم تنضو تحت لوائه، كالتيار الصدري الذي يحوزعلى 40 مقعداً في مجلس النواب العراقي، وحزب الفضيلة…الخ من الجانب الشيعي، وحركة التغيير الكردية التي تتمتع بـ(25) مقعداً في البرلمان الكردستاني والحزبين الاسلاميين الكرديين الاتحاد الاسلامي والجماعة الإسلامية.
ما يعني ان ليس هناك تحالف بين الشيعة والكرد بل بين اربعة احزاب لا غير من كلا للمكونين، وبالرغم من القاعدة الجماهيرية لأحزاب هذا التحالف، ولكن ليس من الصحيح اعتباره ممثلاً شرعياً ووحيداً للمكونين المذكورين، والانكى من هذا ان الوجه الآخر لهذا التحالف قد يفيد بالعداء للعرب السنة، وبتراجع مصطلح التآخي العربي الكردي، والذي لا يقل وهماً عن التحالف الشيعي الكردي والذي ساد الأدب السياسي سيما الكردي لعقود من السنين.
دع جانباً القول ان التحالف الرباعي موضوع البحث، يعد من أشد التحالفات والجبهات السياسية هشاشة وهزالاً في تأريخ التحالفات والجبهات السياسية والحزبية العراقية، كون الخلاف قد دب فيه وهو ما زال قائماً، اضف الى ذلك غيابه عن التطورات الكبيرة والمتسارعة في الحياة السياسية العراقية وعلى امتداد الاعوام الماضية وإلى يومنا هذا ولقد كان حصول ذلك متوقعاً، وذلك بمراجعة عابرة لهشاشة وعقم الجبهات السياسية التي سبقته (التحالف الشيعي الكردي).
فعلى سبيل المثال، تأسست في عام (1957) جبهة الاتحاد الوطني في العراق من الاحزاب: الشيوعي والبعث والوطني الديمقراطي والاستقلال بهدف اسقاط الملكية، التي اسقطت على يد مجموعة من الضباط وليس على يد تلك الجبهة، ما يدل ان الجبهة تلك كانت عاجزة عن تحقيق هدفها في اسقاط الملكية، وعلى أثر انقلاب 14 تموز 1958 الذي اسقط الملكية، فقد انفرط عقد الجبهة بعد مرور أقل من عام على تأسيسها، وتحول طرفاها الرئيسيان الشيوعي والبعث الى التخندق ضد بعضهما بعضا وقتل من الجانبين خلق كثير، ومما يجدر ذكره، ان الشيوعي والديمقراطي الكردستاني كانا قد دخلا في تحالف ثنائي نتيجة رفض اطراف من تلك الجبهة قبول الكردستاني عضواً فيها، غيرأنهما الشيوعي والكردستاني كانا مختلفين بشدة فيما بينهما على مر اعوام العهد الجمهوري الأول 1958-1963.
في عام 1959 تشكلت الجهة القومية لإسقاط حكومة العهد الجمهوري الأول ومقاومة المد الشيوعي والطموحات القومية الكردية، وذلك من أحزاب البعث وحركة القوميين العرب والرابطة القومية وحزب الاستقلال وتعاون الاخوان المسلمون معها، بيد ان اطرافها دخلت في مواجهات دموية مع حزب البعث الذي كان يشكل قوة رئيسة في الجبهة واخذ بمطاردة حلفائه بعد استيلائه على السلطة عام 1963. وهكذا فان عمر هذه الجبهة كعمر سابقتها كان قصيراً.
وبين عامي 1970 و1974 تردد مصطلح "الحزبين الحليفين" أي البعث والديمقراطي الكردستاني وذلك بعد صدور بيان 11 آذار عام 1970 الذي أقر بحقوق واسعة للكرد واشرك الديمقراطي الكردستاني في الحكم، وفوق هذا فان "تحالفهما" كان زاخراً باشكال من التآمر نفذها البعث ضد حليفه بلغ حد السعي إلى تصفية قائد الثورة الكردية مصطفى البارزاني ونجله ادريس جسدياً، اضافة الى مواقف عدائية اخرى لاتحص سادت العلاقات بينهما والتي توجت عام 1974 بحرب رهيبة بين الجانبين جلبت باضرار جسيمة عليهما في آن معاً.
والى جانب ذلك التحالف الهش والمزيف عقد البعث والشيوعي تحالفاً بينهما سمي بالجبهة الوطنية والديمقراطية..الخ ووقع على ميثاقه كل من رئيس الجمهورية العراقية آنذاك أحمد حسن البكر عن البعث وعزيز محمد عن الشيوعي، ولاحت بوادر فشلها سريعاً، ففي ظلها تعرض العديد من الشيوعيين الى تصفيات جسدية واضطهادات جمة تكللت بلجوء الحزب الشيوعي الى جبال كردستان لخوض الكفاح المسلح ضد حليفه بالأمس أي البعث.
وفي اثناء الكفاح المسلح للمعارضين الكرد والعراقيين ضد حكومة البعث، فقد تشكلت عدة جبهات سياسية حملت اسماء "جود" 1979 و"جوقد" و"الجبهة الكردستانية" 1987 وانتهت الجبهتان "جود" و"جوقد" الى الانهيار والاحتراب بين اطرافها، ومن دون ان تحققا ولو نصراً ضئيلاً باتجاه اسقاط حكومة صدام حسين بل اضعافها أيضاً.
ولعل اطول الجبهات عمراً في كردستان كانت الجبهة الكردستانية 1987-1992 ومع هذا لولا هزيمة العراق في حرب الخليج الثانية لما تمكنت تلك الجبهة من التحول الى المدن وتأسيس حكومة اقليم كردستان عام 1992، بفضل تلك الحرب والاندفاع العفوي للجماهير التي انتفضت ضد حكومة صدام حسين ولا ينكر دور الجبهة الكردستانية ولقد كان مصير هذه الجبهة كمصير تلك التي سبقتها فبعد مرور اقل من سنتين على حلها فقد دخل الحزبان الكرديان الرئيسيان الحاكمان: الديمقراطي والوطني الكردستانيين في قتال دموي عام 1994 ودام 4 سنوات الى انتهى عام 1998 بتدخل اميركي فرض الصلح عليهما.
مما تقدم، نخلص الى القول، ان الجبهات العراقية كانت ذات عمر قصير، وانتهت جميعها بمصادمات دموية بين اطرافها الرئيسية، كما انها كانت مرصعة بخروقات ومؤامرات ضد بعضها بعضا حتى قبل انفراطها، فعجزها البين في غرس روح التعاون والتضامن بين اعضائها، واخفاقها عن اسقاط اي من الحكومات العراقية بغض النظر عن ضعفها وهزالها، فاسقاط الحكومات كان من مهام العسكر أو التحالف الدولي الذي ازاح حكومة البعث عام 2003.
أعود إلى التحالف الشيعي الكردي الذي يمارسه الكرد بدرجة رئيسة من طرف واحد على غرار ممارستهم لاعوام طويلة ومن طرف واحد للأخوة العربية الكردية، لأقول اذا كانت الجبهات السابقة على "التحالف الشيعي الكردي" الموهوم تنتهي بصراع مرير بين اطرافها الحزبية، فليس ببعيد ان ينتهي التحالف الشيعي الكردي..الى مصيرأسوأ من مصيريها، ألا وهو وقوع حرب مدمرة بين الشيعة والكرد في نهاية المطاف، وكل الدلائل تكاد تجمع على ذلك.
فعلى امتداد خط التماس، نجد الاصبع على الزناد سواء في الجيش العراقي أو البيشمركة وفوهات البنادق موجهة الى صدور بعضهما بعضاً، وان حادث اطلاق البيشمركة للنار يوم الثلاثاء: 18-12-2012 على طائرة من نوع هيلكوبترعراقية لمنعها من تصوير مواقع البيشمركة، لا بد وان يتكرر كماً ونوعاً في القادم من الأيام ويؤدي الى ما لا يحمد عقباه، ومرحى للتحالف الشيعي الكردي.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى