التحدث إلى رئيس إيران الجديد بحذر (دينيس روس)

 

دينيس روس
 

أدى انتخاب حسن روحاني رئيساً جديداً لإيران إلى خلق انطباع بأن هناك إمكانيات جديدة لإحراز تقدم حول المسألة النووية؛ وفي هذا الإطار على الولايات المتحدة أن تستجيب لذلك الأمر لكن بحذر. فقد سمح المرشد الايراني الأعلى آية الله علي خامنئي بفوز السيد روحاني في الانتخابات بإدراكه أنه خاض الانتخابات بحملة تتعارض مع السياسات الإيرانية الحالية التي عزلت البلاد وشجعت على فرض عقوبات كارثية من الناحية الاقتصادية. لكن لم يتضح بعد لماذا سمح السيد خامنئي بتلك النتيجة، وهناك بعض النظريات المقترحة:
يرى خامنئي أن انتخاب السيد روحاني يمكن أن يوفر صمام أمان ضد السخط واسع النطاق داخل إيران.
يرى المرشد الأعلى أن السيد روحاني، الرئيس ذو الوجه المعتدل، قد يتمكن من السعي إلى الوصول إلى اتفاق مفتوح حول برنامج إيران النووي من شأنه الحد من التوترات وتخفيف العقوبات القائمة، مع ترك مساحة لإيران لتطوير أسلحة نووية في مرحلة ما في المستقبل.
يرى خامنئي أن السيد روحاني قد يتمكن من بدء محادثات ستعمل ببساطة كغطاء في ظل استمرار إيران في برنامجها النووي.
يرغب المرشد الأعلى في إعادة التوازن بين علاقات القوة داخل الفصائل الإيرانية القيادية، من خلال معالجة شقاقاتهم واستعادة الوزن النسبي للملالي في مواجهة "الحرس الثوري". يشار إلى أن روحاني نفسه ينتمي إلى فئة الملالي لكن يرجح أنه كذلك تصالحي قد يمثل جسراً بين الملالي المتشددين والقوى الأكثر براغماتية.
وأي من ذلك لا يعني أنه سيكون هناك اتفاق نووي. فحتى لو مُنح روحاني سلطة التفاوض فسوف يتعين عليه التوصل إلى اتفاق يحظى بقبول المرشد الأعلى. لذا فمن المبكر جداً التفكير في رفع العقوبات كإشارة حسن نية للسيد روحاني.
وبدلاً من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تضع في الحسبان أنه ربما تكون ضغوط العالم الخارجي على إيران من أجل تغيير مسارها حول برنامجها النووي هي التي دفعت إلى انتخاب روحاني. لذا سيكون من الحماقة التفكير في أن التخلي عن الضغط الآن سوف يحسن فرص السماح له بأن يقدم لواشنطن العرض الذي تحتاجه: إبرام اتفاق أو خطوات إيرانية موثوقة باتجاه إبرام اتفاق تتقيد طهران بمقتضاه بالتزاماتها الدولية حول المسألة النووية. والعامل الرئيسي هنا هو أنه يتعين على إيران أن تكون مستعدة لتغيير برنامجها بحيث لا يتضمن قدرات لتجاوز العتبة النووية في طريقها نحو تطوير أسلحة نووية.
والسؤال الحقيقي الذي على الولايات المتحدة أن توجهه لنفسها هو ما إذا كان ينبغي عليها أن تغير منهجها في الدبلوماسية مع إيران، بعد أن أعرب رئيس إيراني جديد عن رغبته في إنهاء عزلة إيران ووضع حد للعقوبات المفروضة عليها، ومعالجة "الجرح" الذي قال إنه قائماً بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية.
وقد اتبعت واشنطن حتى الآن منهجاً تدريجياً لبناء الثقة من خلال المفاوضات متعددة الأطراف مع إيران، لكن يبدو أن هذا النهج أصبح غير مجدٍ. والواقع أنه في حين تفاوضت الدول الخمس الكبرى + 1 (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا +  ألمانيا) مع إيران بشكل متقطع على مدار السنوات القليلة الماضية دون تحقيق أية نتائج، إلا أن الإيرانيين كانوا يزيدون بشكل هائل من أعداد أجهزة الطرد المركزي التي قاموا بتركيبها لتخصيب اليورانيوم. ولديهم حالياً 17000 جهاز كهذه تقريباً ونجحوا في الترقية إلى جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي الأكثر فعالية.
وقد قللت تلك التطورات من الوقت المتاح للولايات المتحدة لضمان عدم قدرة الإيرانيين على تجاوز العتبة النووية والخروج على العالم بواقع امتلاك قدرات تصنيع أسلحة نووية. لذلك ربما يكون أمام واشنطن وقت للدبلوماسية، لكنه ليس كثيراً.
ينبغي على الولايات المتحدة المضي قدماً الآن لتقديم عرض نهائي — ذلك الذي يركز على النتيجة التي يمكن أن تقبلها واشنطن بشأن المسألة النووية. كما ينبغي عليها أن تفعل ذلك حتى إن لم يكن شركاء واشنطن في المفاوضات — وخاصة الروس —  مستعدين لقبول مثل ذلك التحرك، حيث إن عقارب الساعة آخذة في الدوران. يجب على الولايات المتحدة أن تمنح روحاني فرصة لإنتاج اتفاق مثمر، لكن الوقت لا يمكن أن يكون غير محدد.
وعادة ما يتمخض عن الدبلوماسية في نهاية المطاف عنصرين بسيطين: إبعاد الأعذار لحالة اللافعل وتقديم تفسيرات لاتفاق يمكن إبرامه. وفيما يتعلق بالنقطة الأولى، يقول الإيرانيون إنهم لا يعرفون ما ستقبله واشنطن في النهاية. ويجب أن تكون الإجابة أن الولايات المتحدة ستوافق على امتلاك إيران لطاقة نووية مدنية لكن مع قيود تجعل خطوات إنتاج الأسلحة النووية أمراً صعباً، فضلاً عن إمكانية كشفها بسرعة. ينبغي أن يحظى عرض واشنطن بالمصداقية الدولية، فإذا لم تكن إيران مستعدة للموافقة عليه، فسوف ينفضح أمر الإيرانيين ويظهر أنهم غير مستعدين لقبول ما يقولون إنهم يريدونه. وفي الواقع أنه لو قدمت الولايات المتحدة عرضاً موثوقاً يسمح للإيرانيين بامتلاك قوة نووية مدنية مع قيام قيود معينة، فإن ذلك سوف يسمح لهم حفظ ماء الوجه: إذ بوسعهم أن يقولوا إن العرض هو الذي كانوا يسعون إليه دائماً وأنه تم الاعتراف بحقوقهم.

وهذا لا يعني أن ذلك العرض النهائي يمكن أن يتم بدون مخاطرة. فقد لا يرغب الروس، على وجه الخصوص، في توضيح حقيقة الوضع. إذ إنهم قد يخشون من أن ذلك سيعني نهاية الدبلوماسية لأن الإيرانيين برفضهم هذا العرض سيشيرون إلى أن هدفهم الحقيقي هو الحصول على أسلحة نووية وليس مجرد قوة نووية مدنية. وهذا سيجعل استخدام القوة هو البديل الوحيد المتروك. وقد يفضل الروس نهجاً تدريجياً يمنح الدبلوماسية فرصة مستمرة — حتى بدون تحقيق نتائج.
وليس هناك شك في أنه لو كان لدى الإيرانيين استعداد لتعليق أي تطور إضافي لبنيتهم التحتية النووية مع إفساح المجال للدبلوماسية لكان ذلك نهجاً مقبولاً وما كان عامل الوقت مهماً من الناحية الجوهرية. لكن السيد روحاني كان قد سبق وأن رفض علانية احتمالية ذلك التعليق، حيث قال إن الأمر خضع للتجربة من قبل، لكن في حقبة أخرى. لذا فإن الإيرانيين أنفسهم هم من يغلقون نافذة الدبلوماسية هذه المرة.
وربما يعمل روحاني على خلق نافذة أخرى. لكن ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون منتبهة: إذ يجب أن توضح تلك النافذة ما هو ممكن وأن تختبر النتائج، مع عدم الانخراط في محادثات لا نهاية لها من أجل تلك المحادثات. إن الحفاظ على نهج تدريجي متعدد الأطراف أصبح لا معنى له، أو السماح للروس في هذه المرحلة بتقرير الطريقة التي ستمضي بها واشنطن — لا سيما في الوقت الذي يبدو فيه الروس أقرب إلى التنافسية مع الولايات المتحدة منهم إلى التعاون — فإن تلك لا تعد وصفة تسمح لواشنطن بمعرفة ما إذا كانت هناك نافذة يمكنها استغلالها.
إذا أرادت الولايات المتحدة أن تحقق الدبلوماسية نجاحاً ما، فعليها أن تحدد الآن إن كان بوسعها إنجاز ذلك، ويجب أن تفعل هذا بمبادرة منها.


صحيفة نيويورك تايمز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى