التداعيات العسكرية للحادث الحدودي بين سوريا وتركيا (جيفري وايت, سونر چاغاپتاي, و أندرو جيه. تابلر)

 

جيفري وايت, سونر چاغاپتاي, و أندرو جيه. تابلر

في 3 تشرين الأول/أكتوبر ذكرت التقارير أن القوات العسكرية السورية أطلقت قذائف هاون سقطت في الأراضي التركية وأسفرت عن مقتل خمسة مدنيين وإصابة عشرة آخرين أو أكثر بجراح في البلدة الحدودية أكاكالي. وقد ردت المدفعية التركية على ذلك بقذف المواقع التي أطلقت منها القوات السورية النيران، واستخدمت في ذلك على ما يبدو رادار بطاريات مضادة. وفي اليوم التالي جدد الأتراك قصف أهداف عبر الحدود كما أجاز البرلمان استخدام القوة العسكرية داخل سوريا. ويقال إن بعض الجنود السوريين قد قتلوا من جراء القصف.
وهذا هو الحادث الأكثر خطورة على الحدود السورية منذ بدء الثورة في آذار/مارس 2011. وربما تكون له تداعيات عسكرية خطيرة، تشمل التصعيد إلى صراع تركي سوري أوسع نطاقاً وخلق منطقة عازلة واقعية في شمال سوريا وإضعاف قوات بشار الأسد بصورة أكثر مقارنة بـ "الجيش السوري الحر" المعارض. ومن المرجح أن تتراجع دمشق وتحاول تجنب نشوب قتال مع تركيا، تاركة لأنقرة مهمة التحكم في وتيرة التصعيد. وأياً كان الأمر، فإن هذا التطور سيضيف ثقلاً إضافياً إلى الجدال الخاص بضرورة اضطلاع الولايات المتحدة وحلفائها بدور أكبر في إنهاء النظام والحرب في سوريا.

الخلفية
لقد تصاعدت حدة القتال في الأسابيع الأخيرة ين قوات النظام وقوات "الجيش السوري الحر" في محافظة الرقة الشمالية في سوريا. وكان الحادث الأكثر تأثيراً هو الاستيلاء على معبر تل أبيض الحدودي في 19 أيلول/سبتمبر. ولم تتمكن قوات النظام من إعادة الاستيلاء على المعبر، وتستمر الاشتباكات في المحافظة. لقد اعتمد النظام بقوة على القوة الجوية والمدفعية للهجوم على عناصر "الجيش السوري الحر" والمناطق التي يتواجدون فيها، مما أدى إلى احتمال وقوع حادث خطير على الحدود. ويرجح أن القذيفة التي سقطت على الأراضي التركية وقتلت مواطنين هناك كانت قذيفة بعيدة المدى أطلقتها وحدات النظام التي تستهدف تل أبيض وليست عملاً متعمداً ضد بلدة أكاكالي.

الخيارات العسكرية لسوريا
أمام سوريا عدد محدود من الخيارات العسكرية للرد على الإجراء التركي خاصة على المدى القصير. فعناصر القوات البرية التابعة للنظام في المنطقة تقتصر على فرقة واحدة مُجهدة، يرجح أنها تلقى دعماً من عناصر "الشبيحة" غير النظاميين وميليشيات محلية. كما أن قدرتها على تعزيز هذه العناصر محدودة بشكل كبير. وتلتزم تشكيلات النظام القتالية بالحرب الداخلية بشكل كبير، وأي إعادة توجيه لخوض قتال خارجي سوف يضعف من قدرتها في هذا الصراع الطاحن. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المنطقة المعنية تقع عند المدى البعيد لنظم الصواريخ أرض جو السورية، كما أن المدفعية التقليدية المضادة للطائرات ربما هي محدودة العدد ومنتشرة بشكل ضعيف. وسيمثل استخدام القوات الجوية السورية ضد الأتراك تصعيداً كبيراً، مما يشجع على قيام رد من قبل سلاح الجو التركي الأكثر قوة وعتاداً.
وفي ضوء هذه العوامل، من المرجّح أن يتجنب النظام السوري القيام بعمليات ثأر ويركز بدلاً من ذلك على منع وقوع حوادث أخرى على الحدود. ووفقاً لمصادر تركية، اعترفت دمشق بمسؤوليتها عن القذيفة الضالة ووعدت بإجراء تحقيق، ولم يحدث مزيد من إطلاق النيران عبر الحدود من داخل سوريا.

الخيارات العسكرية لتركيا
قامت تركيا بتعزيز قواتها على طول الحدود منذ إسقاط طائرة استطلاع تركية من قبل الدفاعات الجوية السورية في 22 حزيران/يونيو. وبالإضافة إلى نشرها وحدات مدرعة وأخرى للمدفعية و الدفاع الجوي، وضعت أنقرة قواعد اشتباك تتيح لقواتها مواجهة التهديدات المحتملة من وراء الحدود. وأشارت تركيا بأن ردها على الحادث الذي وقع في 3 تشرين الأول/أكتوبر كان وفقاً لهذه القواعد.
وتلك التعزيزات السابقة وتخويل البرلمان إجراء عمليات داخل سوريا تضع تركيا في وضع قوي نسبياً من الناحية العسكرية. فإجراءاتها تمهد الطريق لقيام المزيد من التحركات العسكرية إذا لزم الأمر، بما في ذلك توجيه ضربات مدفعية إضافية. كما تستطيع تركيا أن تقرر تطبيق قواعد الاشتباك الموضوعة بمزيد من القوة للتعامل مع التهديدات الناشئة من سوريا، مما يحد من قدرة قوات الأسد على العمل على مقربة من الحدود.
وفي الوقت الحالي، أوضحت أنقرة علانية أن الإجراءات التي اتخذتها تهدف إلى تحقيق الردع، وأنه ليس لديها نية في الدخول في حرب. ومن وجهة النظر العسكرية، فإنها التزمت ضبط النفس حتى الآن في التعامل مع ذلك الحادث.

التداعيات
بعيداً عن العوامل المُقيِّدة، فإن الحادث يحمل بعض الإمكانيات للتصعيد. فقد زادت تركيا بالفعل من حدة ردها السياسي والدبلوماسي حيث دعت حلف شمال الأطلسي إلى إجراء مشاورات، وأوردت التقارير أنها تقوم بحشد قواتها، وتهدد بمزيد من الإجراءات في حالة إقدام سوريا على شن هجمات إضافية. كما أن جهود الأسد المرجحة لممارسة قدر أكبر من السيطرة على قواته على الحدود قد لا تنجح نظراً لطبيعة المعركة التي يخوضها النظام مع المعارضة.
ورغم أن هذا هو أخطر اشتباك حدودي حتى الآن، إلا أن هناك أيضاً حوادث وقعت على حدود سوريا الأخرى، بما في ذلك القصف المتعمد لمناطق داخل لبنان، وتبادل إطلاق النار على طول الحدود الأردنية، وإطلاق النار عرضياً على الأراضي الإسرائيلية في مرتفعات الجولان. وفي الوقت الذي يكثف فيه النظام من جهوده لهزيمة المعارضة ويزيد من استخدام القوة الجوية والمدفعية، فإن حوادث كهذه قد تتزايد عدداً وخطورة.
والمسألة الرئيسية تتعلق بما ستفعله أنقرة بعد ذلك. فقذف أهداف سورية لليوم الثاني يشير إلى أن تركيا تريد أن تبعث برسالة إلى الداخل حول مدى خطورة أي إجراء عسكري سوري يصل إلى أراضيها. وإذا صحت التقارير حول التعبئة التركية، فإن هذا سيعكس نية للتصعيد على نطاق أوسع، وربما يشمل فرض منطقة عازلة داخل سوريا. وسيشكل ذلك ضربة نفسية كبيرة للنظام ومؤيديه ودعم كبير للمتمردين. إن تأكيد تركيا لقوتها عبر الحدود قد يحوّل ما أصبح الآن أرضاً متنازع عليها في شمال سوريا إلى أرض محررة؛ وتستطيع قيادة المعارضة حينها العمل من هذه المنطقة عسكرياً وسياسياً في ظل أمان نسبي.
وبدلاً من ذلك، يخشى النظام من رد تركي أوسع نطاقاً عبر الحدود يخلق منطقة عازلة واقعية حتى لو لم يقم الأتراك بإنشاء منطقة صريحة. وهذا يعني أنه لو أصبحت دمشق أكثر حيطة وحذراً بشأن نشر وتوظيف قواتها بالقرب من الحدود، فإنها ستعطي المعارضة فرصة لتعزيز وتوسيع قبضتها على هذه المناطق مع خفض المخاطر.
وإذا تعمقت الأزمة بين تركيا وسوريا فإنها قد تضع عبئاً أكبر على الموارد العسكرية للنظام المجهدة بالفعل جراء الحرب الداخلية. إن نشر أي قوات بعيداً عن مراكز القتال الحالية (على سبيل المثال، دمشق وحلب) سيضعف من موقف النظام في هذه المناطق ويعزز المعارضة. كما أن أعمال إعادة الانتشار في حد ذاتها قد تمثل فرصاً للثوار المسلحين لمهاجمة قوات النظام المكشوفة. وفي الواقع أن نشوب أزمة عسكرية أوسع نطاقاً مع تركيا قد يقرب الجيش السوري من نقطة الانهيار – فاحتمالية قتال تركيا أو حتى الاضطرار إلى الاستعداد والانتشار تحضيراً لصراع كهذا قد يتجاوز قوات النظام المنهكة والضعيفة بالفعل.

الخاتمة
إن الحادث الأخير هو دليل آخر على أنه كلما طال أمد الصراع الداخلي في سوريا، زادت احتمالية أن يتحول إلى صراع خارجي تتورط فيه دول الجوار. وهذا الخطر – إلى جانب الوضع الكارثي للشعب السوري والانجراف نحو حرب أهلية أكثر تدميراً وخطر التطرف المتزايد في صفوف الثوار – يعكس الحاجة إلى التدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة للإطاحة بالنظام وإنهاء الصراع.
وعلى وجه التحديد، إذا لعبت تركيا دوراً أكثر فاعلية من خلال بسط سيطرتها على المنطقة الحدودية داخل سوريا، فينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها والبلدان الأخرى المهتمة بالاستقرار الإقليمي مساعدتها في هذا الصدد. ويشمل ذلك زيادة الدعم العسكري والسياسي والإنساني للمعارضة. ومن جانبها،  يجب على واشنطن أن توفر المساعدة للدفاع عن مناطق في شمال سوريا ودعمها حيث يتمتع "الجيش السوري الحر" بقدر من السيطرة وحيث تظهر فيها مؤسسات سياسية واجتماعية حرة. ويمكن لهذه الإجراءات أن تساعد في إنهاء الصراع  وضمان توفير المساعدات المباشرة والفورية للشعب السوري ومنح الولايات المتحدة فرصة للتأثير على الأحداث بعد سقوط النظام.

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى