الترجمة .. تؤدي إلى إزالة الجفوة الثقافية وتحاشي الصدام (حامد أبو أحمد)
حامد أبو أحمد
الترجمة علم وفن لها اشتراطات علمية. وبرادة يؤكد أن جهود المسلمين ضعيفة جدا في ترجمة القرآن للغات الأخرى.
لا تزال قضية ضعف وكسل الترجمة من اللغة العربية وإليها من أهم القضايا الساخنة على الساحة الثقافية العربية والعالمية، ولا يكفي الإيمان بأهميتها في الحوار مع الآخر والمشاركة بفاعلية مع مختلف الثقافات في المنجز الحضاري الإنساني، بل لا بد من آليات تحفز أنشطة الترجمة وفق معايير علمية تضمن الدقة والأمانة؛ ليحقق هذا الجسر الممتد بين اللغات والثقافات أهدافه في إزالة الجفوة الثقافية، وبالتالي تحاشي الصدام بينها، ونحن العرب بحاجة إلى هذا الناقل الحضاري والموصل المتاح.
يقول د. حامد أبو أحمد أستاذ اللغات والترجمة بجامعة الأزهر: الترجمة علم وفن لأنها تعتمد على اشتراطات علمية وإبداع المترجم، وهي من أهم الأدوات المباشرة للاتصال بالحضارات وتبادل المعلومات والخبرات في شتى العلوم والآداب والفنون إلا أنها ليست عملا سهلا؛ فما كل من أتقن لغة أجنبية يستطيع أن يترجم ترجمة صحيحة، فلهذا الفن شروط يجب أن تتوافر في من يضطلع بإنجازه والإبحار فيه من أهمها: أن يجيد المترجم اللغة التي يترجم منها، وأن يتمكن من اللغة التي يترجم إليها، وأن يكون متخصصا في العلم أو الفن الذي يترجمه، ملما به، وأن يكون قادرا على الصياغة الأسلوبية الرفيعة.
وعن الطريقة المثلى للترجمة يقول: هي أن يقرأ المترجم الفقرة في لغتها الأصلية، ويفهمها، ويستوعبها جيدا، تنطبع بها نفسه ثم يعبر عنها بأسلوبه باللغة التي يترجم إليها، فالمترجم كأنه يؤلف أو يبدع، ولا يترجم.
• الأمانة والدقة
ويؤكد د. صلاح السروي أستاذ الأدب المقارن بجامعة حلوان أن الترجمة عملية إبداعية، وتتطلب من المترجم فهم محتوى النص فهما دقيقا قبل البدء بعملية الترجمة له؛ من خلال تجزئة النص إلى أفكار أساسية وجمل رئيسية وليس مجرد نقل حرفي للنص، فعملية الترجمة عملية متكاملة تبدأ من الكل (فهم النص ومحتواه) إلى الجزء (العبارات والكلمات). أما النقل فهو يبدأ من الجزء إلى الكل، ويجب على المترجم أن يعي ثقافة المجتمع الذي يتحدث عنه كاتب النص ليحيط بمصادر الثقافة المرافقة المختلفة؛ وهناك عنصران رئيسيان لتحقيق الترجمة الحقيقية، تلك الترجمة التي تنقل الوجه الحقيقي للآخر ذي القيمة المماثلة لنا في الخبرة البشرية ومنجزاتها، وهذان العنصران: "الأمانة والدقة" هما صمام الأمان الذي يعصم من الوقوع في سوء الفهم والتروي في منزلقات الادعاء والافتراء والتخلف لأن السطو على الأفكار والانحراف بها يسلبها روحها وخصوصيتها وبالتالي يحرمنا من لذة الكشف عن فكر الآخر.
وتحدث د. صلاح السروي عن المعوقات الحائلة دون أخذ الترجمة دورها الحضاري في الحراك الثقافي في العالم العربي مقسما إياه إلى قسمين: معوقات نفسية وفكرية، ومعوقات مادية تنظيمية مشيرا بأنها نتاج تخاذل ثقافي وعلمي وسياسي عربي فيقول: "المعوقات النفسية الفكرية تضم حملات التهريب التي تتعرض لها الأمة الإسلامية عامة والعربية خاصة إذ يقال: إنها لغة عاجزة عن التعبير عن مستجدات العلوم، وهذا محض افتراء، إذ يمكن من حيث المبدأ لأي لغة تعبر عما يستجد من علوم بشرط أن يقوم أبناؤها بذلك. اللغة وسيلة ولا بد لمن يستخدم تلك الوسيلة من أن يكون ملما بذلك. فاليهود أعادوا الحياة للغة ميتة منذ آلاف السنين وجعلوها لغة المجتمع برمته بما في ذلك كافة أنواع العلوم، والعربية تموت بفعل أبنائها، فما على المرء سوى التمعن بذلك ليكتشف كم نحن مقصرون، وينبغي أن يعي أصحاب الشأن مدى تقصيرهم في هذا الشأن، وأن يصدروا قرارات تفضي إلى تعريب العلوم كافة وتوطينها أسوة بما تفعله الأمم الأخرى.
وهناك دور لأجهزة الإعلام ينبغي القيام به، حيث نجد في هذه الأيام كثيرا ممن لا يتقن العربية متربعا على الشاشات المرئية، وأصبحت اللهجات الدارجة هي المسيطرة، كذلك من المعوقات المادية عدم وجود مراكز ترجمة متخصصة على المستوى القومي تقوم بترجمة مستجدات العلوم للعربية، كما هو الحال عند أي دولة متقدمة آخرى.
• وسيط محايد
بينما يعتبر الكاتب والشاعر الفلسطيني خيري منصور أن الترجمة الحقيقية وسيلة من وسائل نقل ثقافة الآخر وإقامة حوار معها، وبالتالي إزالة الوحشة بينها، التي تؤدي إلى الصدام، وليس المترجم وسيطا محايدا في الترجمة العلمية، بل هو وسيط مشارك في توضيح الثقافة الأخرى القادمة، وقضية الأمانة والدقة أمران نسبيان في الترجمة، ربما تكونان في تقريب البعيد في الثقافة المنقولة، وفي إيجاد المعادلات اللغوية والثقافية المفهومة في الثقافة المتلقية؛ ان صفة العلمية التي ينبغي أن تتصف بها الترجمة هي الضمان الحقيقي للدور التنويري الذي تضطلع به في قضية التفاعل الثقافي وجدواه.
ويضيف: لا نزال نشعر بأن الترجمة تابعة للتأليف والإبداع، بينما أصبحت الآن علما قائما بذاته وتخصصا له مبادئه وتطبيقاته، بل إن الترجمة في المجال الثقافي، قد زاحمت تخصص الأدب المقارن التي كانت تعتبر جزءا منه فأصبح الآن جزءا منها فيما يعرف بالترجمة المقارنة.
• الحرية والترجمة
وفي رأي الروائي والناقد المغربي د. محمد برادة أن الحضارات القديمة أدركت أهمية الترجمة في الاطلاع على الإنتاج الحضاري المماثل وأثرها في اكتساب تجارب الأمم الأخرى وخبراتها في شتى الميادين، فالفرس ترجموا قديما بعض الآثار عن اللغة السنسكريتية (لغة الهند القديمة) والسريان ترجموا عن اللغة الإغريقية (لغة اليونان) كثيرا من الكتب في الأدب والفلسفة والطب .. والمترجمون العرب والمسلمون ترجموا عن اليونان والسريان والفرس وتلقانا في هذا الصدد ترجمات ابن المقفع، وسهل بن هارون، وابن رشد، وابن سينا، ومتى بن يونس القنائي الذي ترجم كتاب "الشعر" لأرسطو إلى اللغة العربية، والكندي وغيرهم.
وعن علاقة العرب بالترجمة وأثرها الحضاري قال: الترجمة عند العرب تمثل موضوعا كبيرا عميقا إلا أنها ازدهرت بصورة أكبر في العصر العباسي وفي الأندلس خاصة، وكانت محصلة ذلك نقل كثير من الآثار العلمية والفلسفية والأدبية إلى جانب اللغة العربية وأثرت هذه المجالات وتطويرها في الحياة العربية؛ وعلى الرغم من المعوقات التي تعرقل مسيرة حركة الترجمة وانعكس على مستويات القائمين عليها إلا أن الترجمات العربية، وفي المغرب العربي على وجه الخصوص أدت دورا تنويريا في نقل التكنولوجيا والنظريات الفلسفية والنقدية؛ والتي وإن تفاوتت درجة جودتها؛ إلا أنها أنتجت بعدا حضاريا جعلنا نساير حركة الفكر والثقافة في العالم وإن كان ذلك بزمن متأخر نسبيا.
• ترجمة القرآن الكريم
تبقى ترجمة القرآن الكريم من العربية إلى غيرها من اللغات الآخرى من أهم الإنجازات التي تنتظر التحقق؛ وتتوافر فيها كل اشتراطات ترجمة النص القرآني ببلاغته وأبعاده الثقافية والدينية، فلا تزال هذه الترجمات محاولات ناقصة كما وكيفا؛ فيري د. محمد برادة أن ترجمة القرآن الكريم محفوفة بالمخاطر اللغوية والثقافية، ولا يمكن بحال من الأحوال أن نجد في النص المترجم ما نجده في النص الأصلي من مجاز وتصوير وبعد ثقافي؛ لأن محمولات اللغات التي يترجم إليها، لغوية كانت أو ثقافية، تختلف عن محمولات اللغة العربية، ناهيك عن البعد الأيديولوجي في الترجمة؛ وهو بعد لا يستطيع التخلص منه لا المترجم ولا ناقد الترجمة، وإنما يكون تفاوت المترجمين في هذا الجانب كامنا في قدرتهم على تحييد البعد الأيديولوجي قدر الإمكان، فترجمة القرآن الكريم كانت ولا تزال تمثل التحدي الأكبر لمن يتصدون لها وكل مستشرق يحلم أن ينهي حياته بتقديم ترجمة للقرآن الكريم؛ يدلل من خلالها على لغته ومن لغة القرآن الكريم ومراميه الفكرية والثقافية؛ إلا أن هذه الترجمات اختلفت باختلاف الأهداف التي وضعها منجزوها نصب أعينهم ولكل منها محاسنها ومساوئها.
ويقارن "برادة" بين جهود المسلمين الضعيفة جدا في ترجمة القرآن للغات الآخرى وجهود أصحاب الإنجيل وترجمته فيقول: هناك من يتحجج بأننا نقلنا القرآن الكريم إلى عشرات اللغات الأجنبية حتى الآن ويصف ذلك بالإنجاز العظيم لكن لنعلم أن ما فعلناه في هذا المجال قليل للغاية إذا ما قارناه بما فعل أصحاب الإنجيل إذا يذكر يوجين نايدا – وهو ممن يشرفون على ترجمة الإنجيل إلى اللغات الأخرى – إنه مع نهاية القرن الماضي قد تم نقل الإنجيل كاملا أو بعض من أجزائه إلى 1946 لغة.
وكالة الصحافة العربية