التسـوية فـي ســوريا دوران في حلقة مفرغة (هاني شادي)

هاني شادي

يوم الأربعاء الماضي، دشنت روسيا وجامعة الدول العربية في موسكو الدورة الأولى «لمنتدى التعاون الروسي العربي» بعد نحو ثلاث سنوات من الانتظار، حيث جرى تأسيس هذا المنتدى في كانون الأول 2009 في عهد الأمين العام السابق للجامعة، عمرو موسى. ونعتقد أن الموقف الروسي الحذر من «الربيع العربي» عامة، ومن الأحداث في ليبيا وسوريا خاصة، قد أعاق بدرجة كبيرة عقد أي لقاء على مدار السنوات الماضية في إطار هذا المنتدى، المدعو ـ حسب وثيقة التأسيس ـ إلى «دفع العلاقات الروسية العربية في جميع المجالات إلى الأمام». ويعتقد الروس أن «المنتدى» يُعد فرصة جيدة قد تساعدهم في استعادة المشاريع الاستثمارية وعقود مبيعات السلاح وغيرها مع الدول العربية في أقرب وقت ممكن. غير أن الأمر، على ما يبدو، ليس بهذه البساطة حيث تجاهل وزير الخارجية الليبي المشاركة في لقاء موسكو، بالرغم من الإعلان في وقت سابق عن حضوره إلى العاصمة الروسية ضمن وفد اللجنة الوزارية لجامعة الدول العربية. ويبدو أن السلطات «الجديدة» في ليبيا لم تتجاوز بعد موقفها القائل بدعم موسكو للعقيد القذافي أثناء «الربيع الليبي». وفي الحقيقة، كانت موسكو تعول كثيرا على حضور الوزير الليبي في محاولة منها للاتفاق على إمكانية استعادة المواقع التي فقدتها روسيا في ليبيا، ومنها عقود تجارية وعقود تسليح بعدة مليارات من الدولارات. واللافت أيضا غياب وزير الخارجية الكويتي عن افتتاح الدورة الأولى «لمنتدى التعاون الروسي العربي» بعد أن كان معروفا أنه ضمن المشاركين. وعمليا، يمكن القول إن دول الخليج العربي قاطعت «المنتدى» في موسكو، واقتصر الحضور على الأمين العام للجامعة ووزراء خارجية مصر ولبنان والعراق.
ولكن ما الذي دفع الطرف العربي، بعد طول انتظار، إلى الموافقة على عقد الدورة الأولى «لمنتدى التعاون الروسي العربي»، وفي العاصمة الروسية تحديدا؟ لا شك بأن الأزمة السورية وما وصلت إليه الأوضاع في سوريا كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك. وهذا يفسر، برأينا، احتلال هذه الأزمة للمساحة الأكبر من المباحثات، التي دارت بين نبيل العربي، الأمين العام للجامعة العربية والوفد الوزاري المرافق له وبين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. ففي أثناء المؤتمر الصحافي المشترك الذي عُقد بين الطرفين، بدت التناقضات بينهما بشأن الأزمة السورية أقل مما كانت عليه في الشهور السابقة. وبدا ذلك واضحا من تأكيد العربي ولافروف على وثيقة «جنيف»، الموقعة في حزيران 2012، ومن تعبير نبيل العربي عن الأسف لعدم وجود علاقات مباشرة حاليا بين الجامعة ودمشق الرسمية. وهذا المشهد «التوافقي» بين جامعة الدول العربية وروسيا يؤشر، إلى أن بعض الأطراف العربية، مثلها مثل موسكو، باتت على قناعة كبيرة بصعوبة الحسم العسكري للأزمة السورية سواء من قبل النظام أو من قبل المعارضة المسلحة.
في الوقت نفسه، يجب عدم استبعاد أن يكون «الانسحاب الأميركي» و«التقدم الروسي» على ساحة الحل السياسي للأزمة السورية قد فعل فعله، كالعادة، مع العرب. وتحضُرني هنا عبارة شهيرة دأب على ترديدها السياسي الروسي المخضرم، يفغيني بريماكوف، يقول فيها «عندما يشعر العرب بالإحباط من الولايات المتحدة الأميركية، فإنهم يأتون إلى موسكو ويطالبونها بتنشيط دورها في الشرق الأوسط». بالطبع، لم تنسحب واشنطن بالكامل من الأزمة السورية، ولكنها، برأينا، أفسحت المجال لبعض الوقت أمام الروس «لتجريب» إمكانية التوصل إلى حل سياسي لتلك الأزمة يعتمد أساسا على ضرورة الحوار بين النظام والمعارضة. ونعتقد بوجود «تفاهمات أولية» بين موسكو وواشنطن بهذا الشأن خاصة بعد المكالمة الهاتفية بين لافروف وكيري الأسبوع الماضي. كما أن الخوف الروسي الأميركي المشترك من المجموعات الإسلامية الراديكالية التي تحارب في سوريا، ربما دفع البلدين إلى مثل تلك التفاهمات الأولية، والتي لا تعني بأي حال غياب خلافات بينهما بشأن التسوية، وتحديدا حول مصير الرئيس السوري.
إن هذا «الانسحاب الأميركي» دفع، برأينا، معاذ الخطيب رئيس «الائتلاف الوطني السوري» إلى لقاء وزير الخارجية الروسي في ميونيخ مطلع الشهر الجاري بعد أن كان يرفض «بشدة» مثل هذا اللقاء أو حتى الحضور إلى موسكو، الأمر الذي جعل لافروف يصفه بعدم النضوج السياسي. ولكن بات من المعروف الآن أن الخطيب سيزور العاصمة الروسية مطلع آذار المقبل لبحث كيفية الدخول في مفاوضات مع رموز «مقبولة» من النظام السوري، على حد تعبير الأخضر الإبراهيمي. ونعتقد أن الخطيب، الذي أثارت مبادرته خلافات علنية مع «المجلس الوطني السوري»، ربما يراهن على تغيير موقف روسيا خلال الفترة المقبلة عبر استمالتها إلى ما تطرحه المعارضة السورية من ضرورة تنحي بشار الأسد ونقل صلاحياته إلى الحكومة الانتقالية المنصوص عليها في وثيقة «جنيف». وهنا، لا ينبغي تجاهل أن مبادرة الخطيب تدور، أساساً، حول التفاوض على تنحي الأسد مع عناصر من النظام لم يشاركوا في سفك الدماء. وهذا قد يصطدم مع الموقف الروسي الذي يكرر، ليل نهار، أن الأسد قرر عدم التنحي، وأن هذا الموضوع يقرره الشعب السوري عبر الانتخابات. ويبدو أن الأطراف العربية، التي «حجّت» إلى موسكو هذه المرة، تراهن حاليا على الرهان نقسه للخطيب، حيث شرعت، بنظرنا، في تبديل أولوياتها «من الإصرار على تنحي الأسد أولا.. إلى قبول فكرة التفاوض أولا، على أمل أن يؤدي هذا التفاوض إلى التنحي مستقبلا».
في هذه الأجواء المعقدة، استبق النظام السوري المعارضة بالإعلان عن زيارة لوزير الخارجية وليد المعلم إلى موسكو في الخامس والعشرين من شباط الجاري، أي قبل زيارة معاذ الخطيب للعاصمة الروسية. وقد يعود هذا الأمر إلى هواجس ما لدى دمشق الرسمية من احتمالات تغيير موقف موسكو، خاصة أن روسيا بدأت تدعو النظام السوري إلى تحويل دعواته للحوار إلى واقع ملموس. ولكن ماذا يمكن أن يحمل المُعلم من أفكار أثناء زيارته لموسكو هذه المرة؟ نفترض أن الأمر لن يخرج عن تلك الأفكار، التي حملها نائبه فيصل المقداد خلال زيارته للعاصمة الروسية في العام الماضي. آنذاك، أبلغ المقداد روسيا بأن الأسد لن يتنحى، وأنه يرغب في الاحتفاظ بصلاحيات السيطرة على الأجهزة الأمنية والجيش، والمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2014. وإذا تحقق هذا الافتراض، فإننا سنكون أمام «حلقة مفرغة» بالنسبة إلى التسوية السياسية للأزمة السورية.

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى