عشية انعقاد اجتماع استانا كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يجري زيارة مهمة إلى باريس بالتوازي مع ما قاله جوزيببوريل حول أن (الاتحاد الأوروبي يتابع بإيجابية ما يجري في مسار التطبيع العربي مع سوريا )حسب ما نبهنا أحد السياسيين السوريين المتابعين. فماذا جرى في استانا ؟؟وكيف سارت زيارة ابن سلمان لباريس بالنسبة لسوريا؟؟
يسعى ولي العهد السعودي طبعاً لتعميق شراكاته المتنوعة في أربع جهات الأرض. ويعتبر فرنسا بوابته إلى أوروبا ويبدو انه قطع شوطاً طويلاً في التعاون مع باريس وسيكون لنيل السعودية استضافة إكسبو 2030 دلالة واضحة على مدى السعي الفرنسي في دعم مسار السعودية في العالم. وهناك أنباء عن عرض السعودية لرؤيتها تجاه شرق المتوسط خاصة سوريا ولبنان. وفي هذا الإطار هناك تسريبات عن تحقيق الأمير بن سلمان لبعض التقدم في إقناع الرئيس الفرنسي بجدوى التطبيع مع سوريا، خاصة وأن إعادة الإعمار مغرية لفرنسا. من هنا دخل ماكرون – كما يقال – على الموضوع اللبناني بحيث يكون ميناء بيروت مدخلاً مهماً في عملية إعادة الإعمار السورية، فهل ننتظر سماع أخبار عن زيارة للرئيس الفرنسي او مبعوث له إلى دمشق؟؟ وهل تكون باريس بوابة عودة العلاقات السورية مع أوروبا ولو بهدوء؟؟ وهل هذا ما قصده بوريل بالنظر الأوربي إيجابياً لتطورات التطبيع مع سوريا ؟؟ ورغم ان وزير الخارجية السورية قال في السعودية لجريدة الشرق الأوسط ( قامت سوريا بمئات الخطوات ولم يقم الآخرون بأي خطوة) و رغم قول المقداد هذا فإنه تصريحات الدول العربية ما زالت تطالب سوريا بخطوات واضحة، كما سعى بلينكن في زيارته للمنطقة إلى تصعيب تطبيع العرب مع سوريا .إلا أن متابعين للفيزيولوجيا السياسية السورية يقولون ان سوريا ربما تعد رؤية مفصلة لمسار سياسي للأزمة السورية يلبي مطلب العرب بضرورة الحل السياسي ويكون حجة بيدهم تجاه التعنت الأمريكي الغربي. وبذلك تنجز سوريا ضمن رؤيتها المتوقعة (الانتقال من حالة الحرب والحصار إلى حالة استعادة طبيعية الحياة السياسية، ومن حالة الانهاك والاختناق الاقتصادي إلى حالة التعاون مع العرب لاستعادة الفعالية السورية عبر إعادة الإعمار وإطلاق الاستثمار) والرؤيه السورية المتوقعة تعتمد على ( الارتقاء في الانتقال من الاستعصاء السياسي والاختناق الاقتصادي إلى التفاعل السياسي الداخلي والإقليمي والدولي، و التعاون الاقتصادي في الاستثمار و إعادة الاعمار). السوريون والعرب يأملون أن تستكمل هذه العملية و أن تستدام لأهمية سوريا للعرب والمنطقة والعالم. كما يتخوف السوريون والعرب من عرقلة أمريكا وأصحاب المصالح المضادة لمصالح السوريين والعرب.
ما تسرب عن اجتماع استانا، إضافة إلى البيان التقليدي الذي لم يضيف أي جديد، فقد تسرب إن تركيا لم تقدم أي خطوة تسهل على سوريا التجاوب في التطبيع مع الحكومة السورية. وأكتفينا باللهجة الروسية المتفائلة حول السعي لتقريب وجهات النظر بين سوريا وتركيا. و يضاف إليها تصريحات السفير الروسي في دمشق بأن الأطراف الثلاثة تركيا وإيران وسوريا وافقوا على خارطة الطريق الروسية التي لم تعلن، بينما مواقف تركية في استانا تشير أن (لا تغيير في سياسة أنقرة في التعاطي مع القضية السورية لا في موضوع معالجة الإرهاب في شمال غرب سوريا ولا في موضوع الطرق التجارية الاساسية كطريق أم 4 ولا في قضية وضرورة الانسحاب العسكري من الأراضي السورية ) وكل هذا يجعل سوريا ترى أن تركيا ما زالت دولة محتلة لا يمكن التطبيع معها..
يبدو ان مسار التطبيع العربي مع سوريا وسعي السعودية لفتح أبواب أوروبا لتفهم ضرورة التعاون مع الحكومة السورية للخروج من مأزق القضية السورية إضافة إلى متابعة أوروبا بإيجابية لمسار هذا التطبيع، كل ذلك يمكن أن يجبر تركيا على إعادة النظر في موقفها ويدفعها الى التجاوب مع المطالب السورية في الانسحاب العسكري أولا وفتح الطرق التجارية والانخراط في مسار استقرار المنطقة الذي يشكل التطبيع مع سوريا طاقة دافعة إلى إنجازه وهو الاستقرار الضروري لمشروع بن سلمان 2030 لجعل المنطقة العربية أوروبا الشرق الاوسط كما قال ولي العهد السعودي نفسه ..