التعليم الذي لايُعلم
المهنة الوحيدة التي مارستها في حياتي هي مهنة التعليم ، و حين يسألني أحدهم ماذا أفادني التعليم في المدارس الثانوية ، كنت أجيبه دوما أنها نبهتني إلى أهمية حث الطلاب على استخدام عقلهم كمفكرين في المادة و التي يدرسونها بدلا من حفظ الدروس غيبا ، و شيئا فشيئا اكتشفت العيب الأكبر و الأخطر الذي يحط من شأن التدريس في مدارسنا عموما أنها تعتمد أسلوب الحفظ الغيبي في تعليم الطلبة و بالتالي إفهامهم أن نجاحهم في الإمتحانات مرهون بالتطابق الحرفي في إجاباتهم بما يسمعونه من معلميهم أو بما يقرؤونه في كتبهم المدرسية.
و لم يكن لهذا الأسلوب التعليمي من معنى سوى أن الطالب كان دوما مطالبا بإلغاء ملكته في التفكير و الإكتشاف الشخصي كأنه آلة تسجيل تعيد ما حفظته من دون أن يكون لها أي دور في إكتساب المعرفة .
من هنا فهمت أن دوري في التعليم يجب أن يتغير عن زملائي و هو ما حرصت عليه طوال حياتي كمدرس و ما كسبته فيما بعد من عرفان طلابي و تقديرهم لجهودي معهم كان كسبا كبيرا حين اعترفوا لي أنهم صاروا يعرفون جيدا كيف يستخدمون عقلهم و ليس محفوظاتهم فقط في إتخاذ قراراتهم في معظم شؤون حياتهم .
و هذا ما يدفعني الأن إلى القول الصريح بأن أهم العيوب التي تعيق عملية التقدم الحضاري في ربوعنا هي تعويد الطلبة على عدم استخدام عقلهم بأكمل طاقاته في تلقي المعلومات مما يؤدي إلى تخريج طلبة غير مؤهلين فكريا للإبداع و الإختراع و الإبتكار في تحصيلهم العلمي و بالتالي في الأعمال و الأنشطة التي تسند إليهم بعد تخرجهم .
و خير مثال على أهمية دور مرحلة التعليم في بداياتها كما في نهاياتها في عملية التقدم و ذلك في الإبداع بما يصنعونه كما حدث مثلا في ماليزيا حين كانت دولة آسيوية متخلفة فعمد رئيس البلاد وقتئذ على إجراء تغيير جذري في أسلوب التعليم المدرسي في بلاده مما أنقذها فيما بعد من حالة التخلف التي كانت تعاني منها إلى دولة صناعية قادرة على الإبداع و المنافسة في السوق العالمية ، في حين عندنا مازلت وزارة التربية و التعليم هي أفقر الوزارات ماديا و أسوئها في طرائق التعليم مما يجعل مدارسها نماذج للتخلف في أساليب التدريس و التلقي بسبب حشر أعداد كبيرة من الطلاب في الصف الواحد و عدم عناية الدولة بتحضير المدرسين علمياً و عدم إهتمامها في منحهم رواتب تتناسب فعلاً مع أهمية دورهم في إنقاذ بلادهم من حالة التخلف المستعصية على الحل .
كنت أقول لطلابي دوما أنتم لستم آلات تسجيل فقط للمعلومات ، بل أنتم عقول مفكرة حتى و لو غيرتم أحيانا فيما تتلقونه من علوم .. هكذا .. استخدموا عقولكم تنقذوا أنفسكم و بالتالي بلادكم !..