«التغريبة السورية»… ودراما النأي بالنفس
تحظى الصور والفيديوهات الملتقطة لأفواج اللاجئين السوريين في البحار وعبر غابات أوروبا، باهتمام كبير من المحطات التلفزيونيّة وشبكات التواصل الاجتماعي حول العالم وعربيّاً. ولكن، بخلاف هذا الاهتمام المستجدّ، لم تحظَ دراما الواقع السوري التي تناولت مسألة النزوح بفرص عرض على القنوات العربية. ولعل ذلك ما دفع الجمع الغالب من صناع الدراما إلى معابر آمنة بإنتاج أعمال البيئة الشامية، وقصص الحب المعقدة، والخيانة والكوميديا؛ فيما اختارت فئة أقل، إنجاز مسلسلات تحمل إسقاطات على الواقع الحالي أو البحث في الأسباب المؤدية للحرب قبل العام 2011.
بحسبة سريعة، يمكن إحصاء الأعمال التي تطرقت إلى الأزمة السورية بشكل مباشر، باثني عشر عملاً تقريباً على مدى الأعوام الخمسة الماضية، منها أربعة أعمال عن الهاربين من نيران الحرب.
كان أولها مسلسل «سنعود بعد قليل» (إخراج الليث حجو، وإنتاج شركة «سامة» ــ 2013) الذي طرح قصصا لشخصيات سوريّة تعيش في لبنان، بعيداً عن أحداث العنف الدائرة في بلادهم. واكتفى كاتبه رافي وهبي بالمرور على معاناة اللاجئين السوريين هناك، بتقديم عدة نماذج كان أوضحها دور مريم (دانا مارديني) الشابة المهجرة التي فقدت عائلتها وبيتها وانتهى بها المطاف كبائعة أزهار في شوارع بيروت.
فيما ذهب الكاتب ممدوح حمادة إلى أبعد من ذلك بطرح القضية كمحور أساسي في نصّه «ضبو الشناتي» (إخراج الليث حجو، وإنتاج شركة «سما الفن» ـ 2014) مصوّراً قصة عائلة تتنازع خيارات البقاء في البلاد أو الهجرة إلى ملاذ أكثر أماناً، وتنتهي حكاية هروبهم على متن قارب متهالك بالغرق في عرض البحر.
وهذا العام رصد مسلسل «بانتظار الياسمين» (تأليف أسامة كوكش وإخراج سمير حسين، إنتاج شركة abc)، مصائر مجموعة من مهجري الحرب الذين أجبرتهم الظروف على العيش في إحدى حدائق دمشق بسبب تحول أحيائهم إلى ساحات للقتال.
بينما اختار إياد أبو الشامات مع شريكه رامي حنا مدينة بيروت مسرحاً لأحداث مسلسلهما «غداً نلتقي» (إنتاج «كلاكيت»)، والأبطال مجموعة من اللاجئين السوريين الذين يعيشون ظروفاً قاسية من الفقر والمرض ومتطلبات الحياة من جهة، ويواجهون الموت في سبيل حياةٍ آمنة على أراضي أوروبا من جهة أخرى.
من أصل ما يزيد عن مئة مسلسل قدمته الدراما السورية خلال سنوات الحرب، هل حصلت أزمة اللاجئين على الحيز الذي تستحقه؟ سؤال يجيب عليه النجم السوري جمال سليمان بالنفي، ولكنّه يعتبر أنّ «من المفاجئ والملفت تمكّن الدراما خلال فترة قصيرة من التعاطي مع قضايا اللجوء ونتائجها، فالظاهرة الفنية عادةً ما تكون بطيئة الهضم وتحتاج إلى وقت لفهمها والإحاطة بها قبل إعادة إنتاجها في عمل إبداعي».
ويضيف سليمان في حديثه لـ «السفير»: «ما سيعقب النزوح السوري خلال العقود وليس السنوات القادمة، سيكون موضوعاً للنتاج الإبداعي في الشعر والرواية والأعمال الدرامية والفيلم السينمائي، كما حصل في مطلع القرن العشرين بظهور الأدب المهجري». ويشير نجم «التغريبة الفلسطينية» إلى مشروعه المرتقب مع المخرج حاتم علي عن «التغريبة السوريّة» مؤكداً أنه سيكون على قائمة أعماله خلال العام القادم.
أما الكاتب إياد أبو الشامات فيتوقع أن نشهد مستقبلاً «دراما أوروبية سورية تحكي عن مئات آلاف المهاجرين السوريين»، مضيفاً: «الأمر مرهون بمستقبل الأحداث التي تتغير من أسبوع لآخر ومن شهر لآخر، فانتقال ملايين السوريين إلى أوروبا في هجرة غير مسبوقة بالتاريخ الحديث، سيؤثر على اللاجئين وعلى أوروبا نفسها فقد نرى في السنوات القليلة القادمة محطات عربية هناك».
لا يعد الموسم المقبل بالكثير فيما يخص حال البلاد وأهلها ولكن المواسم اللاحقة قد ترى «درامات سوريّة» … فـ «سوريا نفسها أصبحت موجودة بطرق مختلفة والتعبير عنها سيصبح مختلفاً». كما يعتقد صاحب «غداً نلتقي».
صحيفة السفير اللبنانية