التقارب الروسي المغربي يستنفر الجزائر عشية جلسة لمجلس الأمن حول الصحراء

تعيش الدبلوماسية الجزائرية حالة استنفار غير معلن مع اقتراب موعد جلسة مجلس الأمن الدولي المخصصة لبحث تطورات قضية نزاع الصحراء، والتي ستُعقد برئاسة موسكو، في وقت تشهد فيه العلاقات الروسية المغربية تقاربًا غير مسبوق أثار قلق الجزائر، خصوصًا بعد إشارات روسية إيجابية تجاه مقترح الحكم الذاتي المغربي واعتباره “حلا واقعياً وقابلا للتطبيق” لإنهاء النزاع المفتعل والمستمر منذ عقود.
وتأتي هذه التطورات بينما يشهد ملف النزاع المفتعل منعطفا كبيرا وتحولا لافتا لجهة تنامي زخم الدعم الدولي والإقليمي للموقف المغربي وترسخ قناعة لدى غالبية القوى بأن الطرح الانفصالي الذي تقوده جبهة بوليساريو بدعم من الجزائر بات من الماضي وأن دعاية التحرر التي روجت لها الجبهة تحت مسمى تقرير المصير، باتت فعلا من الماضي.
كما أصبح لدى القوى الإقليمية والدولية قناعة أكبر أن بوليساريو على ارتباط وثيق بشكل مباشر او غير مباشر بجماعات متطرفة كثير منها منصنفة على قوائم الإرهاب الدولية وأن كثيرا من عناصر أو كانوا من منتسبيها على صلة بمافيات الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
وأفادت مصادر دبلوماسية في العاصمة الجزائرية بأن هذا التحول في الموقف الروسي شكّل صدمة ضمن أروقة وزارة الخارجية الجزائرية، التي سارعت إلى التحرك في اتجاه موسكو في محاولة لاحتواء الموقف، فقد أعلن بيان رسمي أن وزير الخارجية أحمد عطّاف أجرى اتصالًا عاجلًا بنظيره الروسي سيرغي لافروف، خُصص لبحث “القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها ملف الصحراء الغربية”، في إشارة واضحة إلى انزعاج الجزائر من تزايد التناغم بين الرباط وموسكو.
ويأتي هذا التحرك في ظل فتورٍ ملحوظ في العلاقات الجزائرية الروسية خلال الأشهر الأخيرة، بعد أن أخذت موسكو تتوسع في نفوذها داخل دول الساحل الإفريقي على حساب النفوذ الجزائري التقليدي في المنطقة، وهو ما فُسّر في الجزائر كتحوّل في أولويات السياسة الخارجية الروسية من “الشراكة العسكرية” مع الجزائر إلى “التغلغل السياسي والاقتصادي” في فضاء الساحل عبر اتفاقات أمنية ومشاريع استثمارية مباشرة.
وفي المقابل، تبدو الجزائر اليوم في وضع دبلوماسي أكثر حرجًا، بعدما تقلّصت هوامش المناورة وفقدت جبهة بوليساريو جزءاً مهماً من الدعم الدولي الذي كانت تحظى به من بعض العواصم، فالتقارب المغربي مع واشنطن وباريس ومدريد، والاختراقات الدبلوماسية التي حققها في إفريقيا وأميركا اللاتينية، جعلت النظام الجزائري أمام معادلة جديدة: إمّا مراجعة خطابه الخارجي التقليدي، أو المجازفة بعزلة أعمق.
وتتجلى ملامح هذا التحول في السياسة الجزائرية أيضًا تجاه أوروبا، وخصوصًا إسبانيا، التي تشهد العلاقات معها منذ مطلع عام 2025 ديناميكية جديدة تعكس رغبة في تجاوز التوتر الذي اندلع عام 2022 حين أعلنت مدريد دعمها خطة الحكم الذاتي المغربية، فبعد أن لوّحت الجزائر حينها بإجراءات اقتصادية وبتجميد التعاون، يبدو أنها اليوم تتراجع تدريجياً عن سياسة التضييق خشية ردّ فعل أوروبي منسّق أو فرض عقوبات تضامنية مع مدريد.
وفي مؤشر عملي على هذا التبدّل، أعلن وزير الداخلية الجزائري سعيد سعيود، عقب لقائه نظيره الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، عن تفعيل بروتوكول التنقل والعودة الموقع عام 2008، وتشكيل لجنة تقنية مشتركة لإعادة تنشيط التعاون الأمني في مكافحة الهجرة غير الشرعية. وهي خطوة تُترجم إرادة سياسية جزائرية لإعادة بناء الثقة مع مدريد، ولتقديم صورة أكثر براغماتية عن سياستها الخارجية في المتوسط.
وهذا الانفتاح الجزائري على إسبانيا، بالتوازي مع مساعي احتواء الموقف الروسي، يعكس إدراكًا متزايدًا في الجزائر بأن التحولات الجيوسياسية في المنطقة لم تعد تسمح بسياسات الاصطفاف الصارم، وأن هامش المبادرة يضيق مع تراجع الدعم الخارجي لجبهة البوليساريو وتزايد الاعتراف الدولي بالمقاربة المغربية.
وعشية الجلسة التي سيترأسها الجانب الروسي في مجلس الأمن، تبدو الجزائر أمام امتحان دبلوماسي مزدوج: محاولة الحفاظ على تماسك خطابها التقليدي بشأن الصحراء، من جهة، وتجنب خسارة حليفٍ استراتيجي كروسيا أو الدخول في عزلة أوسع داخل الساحة الأوروبية، من جهة أخرى.
ميدل إيست أون لاين