التقسيم يهدد سورية في غياب معجزة دبلوماسية (رائد كشكية)

 


رائد كشكية


لم تخطئ التقديرات الكثيرة التي تنبأت منذ مطلع العام بشهر حاسم في سورية، يتزامن مع النصف الثاني من مارس/آذار وبداية أبريل/نيسان. وأعلن وفق إحصائيات غير رسمية عن سقوط 6000 قتيل في شهر مارس فقط، بحيث صار الشهر الأكثر دموية طوال مدة الأزمة. مقتل هذا العدد الضخم يعود إلى تدفق هائل للأسلحة وإلى قدوم مقاتلين مدربين جيدا إلى سورية.تشكيل الائتلاف الوطني السوري حكومة مؤقتة وتعيين رئيس لها، ثم منحها مقعد سورية في قمة الدوحة بضغط واضح من دول عربية، يعني خروج سياسة الدول العربية الداعمة للمعارضة السورية من الخفاء إلى العلن في الحرب على سورية، ويعني أنها رسمت خطا واضحا للجبهة، يحدد نهائيا أسلوب إنهاء النزاع بالحسم العسكري، ويلغي أي إمكانية للتوصل إلى حل تفاوضي مع النظام السوري الحالي.رجاء الناصر أمين سر المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في سورية أعرب عن تخوف الهيئة من قطع الطريق أمام جهود الأخضر الإبراهيمي والحل السياسي المتفق عليه في وثيقة جنيف على أساس وقف العنف وتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة. والمبعوث العربي الدولي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي نفسه حذر من مغبة الاعتراف بـ"الائتلاف" ومحاولات تسليمه مقاعد سورية في منظمات أخرى فهذه الخطوات ستؤدي إلى إفشال الحل السياسي.وفي الوقت الذي تكيل فيه بعض الدول العربية الاتهامات إلى روسيا بانها تطيل أمد العذاب السوري، ذلك أن موسكو تواصل بذل الجهود لإطلاق عملية الحل السلمي، تحذّر الخارجية الروسية من خطر التحول الجاري حاليا في سورية، باتجاه جعلها مركز جذب للإرهابيين الدوليين. للأسف أصبح هذا واقعا لا يعرفه السوريون وحدهم. وقد أقرت الحكومة البلجيكية بوجود بلجيكيين يقاتلون في سورية، يتراوح عددهم بين 50 و80 مقاتلا، إضافة إلى متطوعين من هولندا.‏ بينما أكد رئيس الاستخبارات الخارجية الألمانية غيرهارد شيندلر تعاظم نفوذ الإرهابيين المرتبطين بتنظيم "القاعدة" في صفوف المعارضة السورية. ويقدر عدد البريطانيين المقاتلين في سورية بالمائة، علاوة على الفرنسيين وغيرهم من المواطنين الأوروبيين. الأوروبيون مئات، لكن الجزء الأكبر من المسلحين يأتي من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وكذلك أفغانستان والعراق والبوسنة، بالإضافة إلى المقاتلين الذين يجري تجنيدهم في البلدان المذكورة أعلاه، والأسلحة التي دخلت بكميات كبيرة عبر الحدود الشمالية والجنوبية في الشهر الماضي، تتردد أنباء ينشرها الإعلام الأمريكي حول تدريب الأمريكيين للآلاف من قوات المعارضة السورية على الأراضي الأردنية، بهدف استخدامها لإقامة منطقة عازلة على الحدود الجنوبية لسورية.في تقرير إسرائيلي يتوقع المزيد من سفك الدماء وعدم الاستقرار في سورية، ينعكس سلبا على الشرق الأوسط برمته، تجري الإشارة إلى توقع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2013، وتقسيم الدولة إلى دويلات على أسس طائفية. وذكر التقرير أن مدير مركز ديان للدراسات الشرق أوسطية في تل أبيب عوزي رابي لا يستبعد تفكك سورية طائفياً إلى ثلاث دويلات كردية وسنية وعلوية، بعد سقوط نظام الأسد، مستبعدا طرحاً جدياً من قبل المعارضة لإحلال الاستقرار في سورية.يمكن فهم التقرير الإسرائيلي كغيره من الدراسات التي تصيب وتخطئ، ويمكن فهمه أيضا في إطار الأبحاث التي تخدم السياسة الإسرائيلية، ما يستدعي النظر إلى ما يشاع حول مخططات تقسيم سورية من منظور التحالفات الإسرائيلية ، وهذا يقود فورا إلى أنقرة التي اعتبر محللون لبنانيون أن سياستها في القضية السورية تخدم هدفا جيوطاقيا من أجل السيطرة على حقول الغاز السورية واللبنانية في شرق البحر المتوسط.اكتشافات احتياطات الغاز قبالة سواحل سورية ولبنان وفلسطين وقبرص ومصر، توالت منذ عام 2009 . وهذه الاكتشافات التي سبقت "الربيع العربي" حفزت تركيا على استثمار الوضع العربي، واستغلال التطورات في سورية بما يخدم مصالحها. ونتيجة غنى حوض "المشرق العربي" الذي تقدر احتياطاته بـ 122 تريليون قدم مكعب يتركز فيه الصراع الجيوطاقي. ويحذر الدكتور رشدي سعيد، عميد الجيولوجيين في العالم، من احتمال عدوان إسرائيلي على الحقوق العربية في غاز المتوسط. ويرى وليد خدوري رئيس التحرير السابق لنشرة "ميس" المتخصصة أن هذه الاكتشافات أضافت بعدا جديدا إلى الصراع في المنطقة، هو البعد الجيوسياسي. بينما كتبت صحيفة الفايننشال تايمز ان موارد الغاز "كبيرة جدا بحيث أن الخارطة الاقتصادية للمنطقة تتغير حتى في ظل اشتعال التأزم".كانت منطقة حوض المتوسط ساحة صراعات وحروب لانهاية لها منذ فجر التاريخ. وإذا كان اكتشاف الغاز يجعل صورة المستقبل قاتمة وينذر بتواصل طويل للنزاعات، فإن معادلة التفكيك الطائفي لسورية تبدو ممكنة ومنطقية، إذا لم تلق مقاومة شديدة من قبل السوريين، لاسيما وأن الغرب الجشع اعتاد سياسة تقسيم البلدان الغنية بالطاقة، فمنع الملك سعود بن عبد العزيز لدى تأسيس مملكته من ضمّ الإمارات الشرقية، ثم منع قطر والبحرين من الاتحاد مع الإمارات المتحدة، وأخيرا قسم السودان، والحبل على الجرار…

موقع روسيا اليوم الألكتروني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى