أحوال الدنيا

التلفزيون، هناك يتابعونه وهنا يقاطعونه.. لماذا؟؟!

د. فؤاد شربجي

كتبت الأيكونوميست الأسبوع الماضي أن نسبة متابعي التلفزيون في بريطانيا بلغت 76% وفي الولايات المتحدة 74%، واعتبرت أن ‫ثلثي المجتمع البريطاني والأمريكي يتابعون التلفزيون. المجلة من جهتها استنتجت أن هذه النسبة مؤشر على تحول المجتمع الغربي إلى ما يشبه (حزب الكنبة) الذي يفضل متابعة التلفزيون وهو جالس على الكنبة في البيت، ولا يخرج إلى المسارح ودور السينما، ولا يذهب لزيارة المتاحف والمنتزهات والأنشطة الفنية أو الثقافية التي تذخر بها المدن البريطانية والأمريكية. من جهتي، استوقفني مدى الإقبال الشعبي هذا على التلفزيون الذي يجعل ثلثي المجتمع الغربي مشدودا إلى الشاشة الصغيرة. وشغلني سؤال: لماذا يأسرهم التلفزيون في زمن تعدد مناحي الثقافة والفنون والتسلية والإلهاء؟؟ ولماذا الغربيون الذين لديهم كل أنواع النشاطات الفنية والثقافية والاجتماعية ‏يتعلقون بالتلفزيون ويفضلونه على النشاطات الحية المتوفرة لديهم؟؟ ونحن الذين نفتقد معظم النشاطات الفنية والثقافية الحية ننصرف عن التلفزيون وندير له ظهورنا؟؟؟

‏المجتمع الغربي البريطاني والأمريكي يتابع الشاشة الصغيرة لأن التلفزيون لديهم يحفل بتقديم كل الفنون والثقافات والأنشطة الاجتماعية والأخبار السياسية والتحليلات الإخبارية العقلانية التي يحتاج المشاهد متابعتها. فمن عرض آخر الإنتاجات الدرامية، من أفلام سينمائية او مسلسلات درامية، التي تعرض على الأقنية العامة، أو على منصات التدفق الرقمي، إلى برامج الفنون بأنواعها، إلى المسرحيات المصورة، إلى الأعمال الكوميدية وإلى العروض الموسيقية والباليه والفنون التشكيلية، إلى البرامج السياسية الجذابة، إلى المواد الوثائقية المتقنة والحديثة إلى إلى   إلى   الخ.

ولأن التلفزيون الغربي يوفر كل هذه المواد بأسلوبية جذابة وانتقاء الأجود في نوعه والمشوق في فنه والرشيق في بنائه، لكل ذلك فإن المجتمع ينشد ويداوم على متابعة التلفزيون وبالتالي يتأثر به وبرسالته وبمحتواه الثقافي والفني والسياسي والاجتماعي والأيديولوجي. تلفزيون جذاب ومشوق وجميل يجذب الجمهور ويشد المتابع ويؤثر به بالاتجاه المطلوب. ولو كان فظا غليظ المنطق سمج المعنى لانفضوا من حوله وقاطعوه.

‏إذا كانت الدول المتقدمة تهتم باستمرار تطوير وتزويد تلفزيوناتها بكل جذاب مؤثر، فلماذا تهمل بعض الدول ونحن منها تلفزيوناتها؟؟ ولماذا تضعها في أحوال إدارية ومالية وإنتاجية تجعلها محكومة من موظفين عديمي المهارة والموهبة يزيدون من بلاوي اليد القصيرة ماليا بغلاظة محاولاتهم إثبات الولاء السياسي بتبني أسوأ أشكال الدعاية السمجة؟؟ ولماذا يترك أصحاب الأمر الإنتاج الدرامي الذي نتميز به لمنتجين أميين ومدراء لا علاقة لهم بالدراما يفاقمون من هدر الطاقات المتوفرة، ويبقون هذا الفن الدرامي القادر والمؤثر في المستويات الأدنى من حيث الكم ومن حيث النوع ومن حيت المحتوى. طبعا هناك استثناءات بين المنتجين والمدراء الجيدين، ولكنها استثناءات فقط لأن الحالة السائدة هي ما تدفع الفنانين وصناع الدراما المبدعين للعمل في الخارج في إطار مشاريع تحمل محتوى منتجيها وثقافة المشرفين عليها وإيديولوجيا ممولينها. وكل ذلك بعيدا عن محتوانا وثقافتنا وأيديولوجيتنا الوطنية والإنسانية والحضارية. وبتنا نحتفل بالمسلسلات التركية السخيفة التي تتكئ على طاقات ممثلينا المبدعين، الذين دفعتهم وتدفعهم ظروف الإنتاج السيئة عندنا إلى الخارج. وهكذا فإننا نهدر الإعلام التلفزيوني الإبداعي ونستهتر بقدرته على صيانة روح المجتمع والحفاظ على هويته الحضارية وثقافته الأصيلة. نضيع الإعلام التلفزيوني الجيد والمؤثر والقادر على شحن المشاهد بطاقة معرفة، وذوق فني جمالي، يجعله يتلقى المحتوى السياسي الثقافي الحضاري المطلوب لإبقاء هويته الوطنية الحضارية حية وفاعلة. وبكل الأسف، لم نعترف بعد بحالة تلفزيوناتنا، ولم نقتنع حتى الآن أن الإعلام التلفزيوني لدينا لأنه فظ غليظ القلب أنفض الناس عنه. وإذا كان الغربيون يتابعون التلفزيون وإذا كان ثلثا المجتمعات الغربية البريطانية والأمريكية يتابع التلفزيون، فإن ثلثا مجتمعنا ينفضون عنه ويقاطعونه ولا يتأثرون به.

هل عرفتم لماذا تهتم أهم مطبوعة في الغرب بالفن التلفزيوني…؟؟؟ وهل تبين لكم لماذا لا يهتم أولي الأمر عندنا بهذا الفن الفاعل والمؤثر والذي نحتاجه جدا في هذا المرحلة؟؟؟ لماذا لماذا؟

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى